آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

وارحمنا، واستر عيوبنا برحمتك، يا أرحم الراحمين، وأنت خير الغافرين، تغفر الذنوب وتعفو عن السيئات بلا سبب ولا علة، لأن رحمتك وسعت كل شيء واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة هي نعمة الصحة والعافية والرزق الحسن والتوفيق في العمل والاستقلال في الدولة، واكتب لنا في الآخرة حسنة هي نعمة الثواب الجزيل والعطاء الكثير.
إنا عدنا إليك، وتبنا، ورجعنا إلى حظيرة الإيمان بالعمل لا بالقول فقط.
قال الله: إن رحمتي سبقت غضبى، وإن عذابي أصيب به من أشاء من عبادي المسيئين لأنفسهم بالعمل الفاسد. وفي قراءة: إن عذابي أصيب به من أشاء.
وأما رحمتي ونعمتي وفضلي فقد وسعت كل شيء في الكون، وسعت الكافر والعاصي، والمسلم واليهودي وعابد العجل... إلخ وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ «١» فسمائى تظلهم، وأرضى تقلهم، وبرزقي يعيشون، وبخيرى يتمتعون، وأنا أدعوهم دائما إلى الصراط المستقيم، ومع ذلك كله فبعضهم خارجون عن ديني.
فإذا كان الأمر كذلك من إصابة عذابي من أشاء، ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها كما دعوت يا موسى، أى: أثبتها خالصة غير مشوبة بالعذاب الدنيوي للذين يتقون الله في كل شيء ويؤتون الزكاة، وخصت بالذكر لأنه يخاطب قوما ماديين نفعيين مانعين للزكاة، وسأكتبها كتابة خاصة للذين هم بآياتنا كلها يؤمنون.
محمد صلّى الله عليه وسلّم ورسالته، والمؤمنون به [سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٧ الى ١٥٨]
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)

(١) سورة النحل آية ٦١.

صفحة رقم 771

المفردات:
الْأُمِّيَّ: الذي لا يقرأ ولا يكتب. إِصْرَهُمْ الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه، أى: يحبسه عن الحركة لثقله. الْأَغْلالَ: جمع غلّ وهو الحديد الذي يجمع بين يد الأسير وعنقه، والمراد: التكاليف الشاقة.
المعنى:
سأكتب رحمتي الواسعة للذين يتقون ويؤتون الزكاة، وسأكتبها كتابة خاصة للذين هم بآياتنا كلها يؤمنون، وهم الذين يتبعون الرسول النبي الأمى، وهذه الأوصاف تنطبق على محمد المفرد العلم فهو رسول ونبي أمى، وقد كان أهل الكتاب يصفون العرب بأنهم أميون لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [سورة آل عمران آية ٧٥].
وقد وصفه القرآن الكريم ووصف رسالته بأوصاف:
١- النبي الأمى، وفي هذا الوصف إشارة إلى كمال صدقه حيث أتى بالقرآن المعجز

صفحة رقم 772

في أخباره وقصصه وحكمه وأصوله العامة في السياسة والاجتماع والدين، مع أن من نزل عليه أمى بين أميين!! يا سبحان الله!!! ٢- وهو محمد الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. فبشارته وصفته وزمانه في التوراة والإنجيل، وقد عرفوا ذلك كله كما يعرفون أبناءهم أو أكثر، وآمن به بعض علمائهم الأحرار من اليهود كعبد الله بن سلام، ومن النصارى كتميم الداري- رضى الله عنهم جميعا- وفي كتاب (إظهار الحق) لعالم هندي تحقيق لهذا الموضوع لمن أراد الزيادة.
٣، ٤- أنه يأمرهم بالمعروف شرعا، وهو ما تعرفه العقول الرشيدة، ولا تنكره الطباع السليمة وهو ينهاهم عن المنكر شرعا وهو ما تنكره النفوس الأبية الكاملة في العقل والسمو الروحي: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. [سورة النحل آية ٣٦].
٥- يحل لهم الطيبات التي تستطيبها الأذواق السليمة من الأطعمة الحلال كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ [سورة الأعراف آية ١٦٠].
٦- ويحرم عليهم الخبائث مما تأباه النفوس السليمة كالميتة والدم المسفوح، ويأباه العقل الراجح كالخنزير خصوصا عند ما عرّفنا الطب أنه يولد الدودة الوحيدة في جسم من يأكله.
٧- وقد وضع عنهم التكاليف الشاقة التي تأصرهم وتثقل عليهم والأغلال التي كانت في أعناقهم كقتل النفس عند التوبة وقطع مكان النجاسة... إلخ، فدينه اليسر، وشريعته السمحة السهلة، والحنيفية البيضاء.
فالذين آمنوا به وبرسالته وحموه ونصروه مع الإجلال والإكبار واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك البعيدون في درجات الكمال المتميزون على غيرهم هم المفلحون حقا، ويدخل في ذلك دخولا أوليا قوم موسى- عليه السلام- الذين ينطبق عليهم هذا الوصف العام.
ذكر العلامة أبو السعود أنه لما حكى ما في الكتابين التوراة والإنجيل من نعوت المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وشرف من يتبعه من أهلها ونيلهم السعادة في الدارين، أمر صلّى الله عليه وسلّم ببيان

صفحة رقم 773

أن تلك السعادة غير مختصة بهم بل شاملة لكل من يتبعه كائنا من يكون وذلك ببيان عموم رسالته.
قل يا محمد لجميع البشر من كل جنس ولون، وفي كل وقت وزمن: إنى رسول الله إليكم جميعا وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ «١»، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً «٢»،
ولقد ثبت في الصحيحين في حديث خصوصياته، «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة»
صلّى الله عليه وسلّم.
إنى رسول الله الذي له الملك التام، والتصريف الكامل في السموات وعوالمها، والأرضين وما فيها يدل على وحدة الصانع؟ وكمال قدرته وتمام علمه وحكمته.
هو الله، لا معبود بحق في الوجود إلا هو، أما غيره فوهم وخيال، وخرافات لا تليق بعاقل، إذ هو الذي يحيى كل حي، ويميت كل ميت، بيده الحياة والموت، وله الأمر كله- سبحانه وتعالى- وأنت ترى أن الله وصف نفسه بثلاث: هو المالك المتصرف في الملكوت، والمعبود بحق في الوجود، خالق الحياة والموت.
ومن كان كذلك وقد أرسل رسولا ومعه البرهان على رسالته وصدقه. فيجب أن تؤمنوا به أيها الناس فهو الرب الواحد القهار الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وآمنوا برسوله حيث قامت الأدلة على صدقه، الرسول النبي الأمى، آمنوا به يؤتكم كفلين (نصيبين) من رحمته، ويجعل لكم نورا تمشون به، ويغفر لكم، فهو النبي الذي يعلمكم الكتاب والحكمة ويرشدكم إلى الخير والفلاح، ويطهركم من الخرافات والرجس والأوثان والشرك والضلال، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، المبشر به كل الكتب، دينه الإسلام السمح السهل الصالح لكل زمان ومكان.
وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يؤمن بالله إيمانا كاملا لا شبهة فيه أبدا، ويؤمن بكلماته المنزلة على رسله جميعا التي هي مظهر قدرته وحكمته- سبحانه وتعالى- واتبعوه كذلك في كل ما يأتى ويذر من أمور الدين رجاء اهتدائكم وتوفيقكم.
فيا أيها المسلمون: هذه هي نصيحة القرآن وكلمته اتبعوه لعلكم تهتدون، والله لا هدى إلا في القرآن، ولا خير إلا في الدين، وعلى قدر قربنا منه واتباعنا له يكون فلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة.

(١) سورة الأنعام آية ١٩.
(٢) سورة سبأ آية ٢٨.

صفحة رقم 774
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية