آيات من القرآن الكريم

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَاتِ بِأَسْرِهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا تُوجِبُ الْغُفْرَانَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ مَنْ أَتَى بِجَمِيعِ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابَ فَإِنَّ اللَّه يَغْفِرُهَا لَهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُفِيدُ الْبِشَارَةَ والفرح للمذنبين، واللَّه أعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٤]
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ لَنَا مَا كَانَ مِنْهُ مَعَ الْغَضَبِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ سُكُوتِ الْغَضَبِ.
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَقْوَالٌ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ خَرَجَ عَلَى قَانُونِ الِاسْتِعَارَةِ كَأَنَّ الْغَضَبَ كَانَ يُقَوِّيهِ عَلَى مَا فَعَلَ وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لِقَوْمِكَ كَذَا وَكَذَا، وَأَلْقِ الْأَلْوَاحَ وَخُذْ بِرَأْسِ أَخِيكَ إِلَيْكَ، فَلَمَّا زَالَ الْغَضَبُ، صَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، إِنَّ الْمَعْنَى: سَكَتَ مُوسَى عَنِ الْغَضَبِ وَقُلِبَ كَمَا قَالُوا: أَدْخَلْتُ الْقَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي، وَالْمَعْنَى: أَدْخَلْتُ رَأْسِي فِي الْقَلَنْسُوَةِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ السُّكُونُ وَالزَّوَالُ، وَعَلَى هَذَا جَازَ سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ وَلَا يَجُوزُ صَمَتَ لِأَنَّ سَكَتَ بِمَعْنَى سَكَنَ، وَأَمَّا صَمَتَ فَمَعْنَاهُ سَدَّ فَاهُ عَنِ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْغَضَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَرَفَ أَنَّ أَخَاهُ هَارُونَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ وَظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ عُذْرِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ سَكَنَ غَضَبُهُ. وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي قَالَ فِيهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي [الأعراف: ١٥١] وَكَمَا دَعَا لِأَخِيهِ مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى زَوَالِ غَضَبِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمَارَاتِ غَضَبِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَجُعِلَ ضِدَّ ذَيْنِكَ الْفِعْلَيْنِ كَالْعَلَامَةِ لِسُكُونِ غَضَبِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أَخَذَ الْأَلْواحَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْأَلْوَاحُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ [الأعراف: ١٥] وَظَاهِرُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَنْكَسِرْ وَلَمْ يَبْطَلْ، وَأَنَّ الَّذِي قِيلَ مِنْ أَنَّ سِتَّةَ أَسْبَاعِ التَّوْرَاةِ رُفِعَتْ إِلَى السَّمَاءِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَتِها النَّسْخُ عِبَارَةٌ عَنِ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَإِذَا كَتَبْتَ كِتَابًا عَنْ كِتَابٍ حَرْفًا بَعْدَ حَرْفٍ. قُلْتَ: نَسَخْتُ ذَلِكَ الْكِتَابَ، كَأَنَّكَ نَقَلْتَ مَا فِي الْأَصْلِ/ إِلَى الْكِتَابِ الثَّانِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَلْقَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ فَصَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَأَعَادَ اللَّه تَعَالَى الْأَلْوَاحَ وَفِيهَا عَيْنُ مَا فِي الْأُولَى، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَتِها أَيْ وَفِيمَا نُسِخَ مِنْهَا. وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ الْأَلْوَاحَ لَمْ تَتَكَسَّرْ وأخذها موسى بأعيانها بعد ما أَلْقَاهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَهِيَ أَيْضًا تَكُونُ نَسْخًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَقَوْلُهُ: هُدىً وَرَحْمَةٌ أَيْ هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَرَحْمَةٌ مِنَ الْعَذَابِ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ يُرِيدُ الْخَائِفِينَ مِنْ رَبِّهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: التَّقْدِيرُ لِلَّذِينِ يَرْهَبُونَ رَبَّهُمْ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِرَبِّهِمْ.
قُلْنَا فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْفِعْلِ عَنْ مَفْعُولِهِ يُكْسِبُهُ ضَعْفًا فَدَخَلَتِ اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:
لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يُوسُفَ: ٤٣] الثَّانِي: أَنَّهَا لَامُ الْأَجْلِ وَالْمَعْنَى: لِلَّذِينِ هُمْ لِأَجْلِ رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ لَا رِيَاءً ولا

صفحة رقم 374
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية