
رواية حفص: يا ابْنَ أُمَّ بنصب الميم. وقرأ الباقون بالكسر. وهكذا في سورة طه فمن قرأ بالنصب جعله كاسم واحد كأنه يقول يا ابن أماه. كما يقال: يا ويلتاه ويا حسرتاه. ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الإضافة إلى نفسه. وكان موسى أخاه لأبيه وأمه. ولكن ذكر الأم ليرفعه عليه.
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي يعني: قهروني واستذلوني وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي يعني: هموا بقتلي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ يعني: لا تفرح عليّ أعدائي يعني: الشياطين ويقال: أصحاب العجل وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني: لا تظنن أني رضيت بما فعلوا. قال موسى:
رَبِّ اغْفِرْ لِي بما فعلت بأخي هارون ويقال: لإلقاء الألواح وَاغفر لِأَخِي ما كان منه من التقصير في تركهم على عبادة العجل وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ يعني: جنتك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يعني: أنت أرحم بنا منا بأنفسنا. وقال الحسن: يعني أنت أرحم بنا من الأبوين.
قوله تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٢ الى ١٥٥]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ يعني: اتخذوا العجل إلها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ يعني: يصيبهم عذاب من ربهم وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهو ما أمروا بقتل أنفسهم. ويقال:
هذا قول الله تعالى للنبي ﷺ يعني: يصيب أولادهم ذلة في الحياة الدنيا. وهي الجزية وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ يعني: هكذا نعاقب المكذبين.
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها يعني: رجعوا عن الشرك بالله وعن السيئة وَآمَنُوا يعني: صدقوا بوحدانية الله تعالى إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها من بعد التوبة، ويقال: من بعد السيئات لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يعني: لَغَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ بهم بعد التوبة.

ثم رجع إلى قصة موسى- عليه السلام- وهو قوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ يعني: لما سكت عن موسى الغضب. ويقال: ولما سكت موسى عن الغضب أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها يعني: في بقيتها فنسخت له الألواح، وأعيدت له في اللوحتين مكان التي انكسرت. هُدىً وَرَحْمَةٌ يعني: فيما بقي منها بياناً من الضلالة ورحمة من العذاب. لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ يعني: يخافون الله ويعملون له بالغيب. ويقال: وفي نسختها يعني: في كتابها هدى من الضلالة ورحمة من العذاب للذين يخشون ربهم.
قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا يعني:
للميقات الذي وقتنا له فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ يعني الزلزلة، تزلزل الجبل بهم فماتوا قالَ موسى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ يعني: من قبل أن يصحبوني وَإِيَّايَ بقتل القبطي أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا قال الكلبي: ظن موسى أنه إنما أهلكهم باتخاذ بني إسرائيل العجل. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: انطلق موسى وهارون ومعهما شَبَّر وَشَبيِّر وهما ابنا هارون حتى انتهوا إلى جبل وفيه سرير، فنام عليه هارون فقبض، فرجع موسى إلى قومه، فقالوا له: أنت قتلته حسداً على خلقه ولينه. قال: كيف أقتله ومعي ابناه، فاختاروا من شئتم، فاختاروا سبعين، فانتهوا إليه. فقالوا له: من قتلك يا هارون: قال ما قتلني أحد ولكن توفاني الله تعالى. فأخذتهم الرجفة فماتوا كلهم. فقال موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وإياي. وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: لما انطلق موسى إلى الجبل أمر بأن يختار سبعين رجلاً من قومه: فاختار من كل سبط ستة رجال، فبغلوا اثنين وسبعين، فقال موسى: إني أمرت بسبعين فليرجع اثنان، ولهما أجر من حضر، فرجع يوشع بن نون وكالوب بن يوقنا. فذهب موسى مع السبعين إلى الجبل، فلما رجع إليهم موسى من المناجاة قالوا له: إنك قد لقيت ربك فأرنا الله جهرة حتى نراه كما رأيته. فجاءتهم نار فأحرقتهم فماتوا.
فقال موسى: حين أماتهم الله تعالى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ هذا اليوم وإياي معهم أتهلكنا بما فعل السفهاء منا يعني: أتوقعني في ملامة بني إسرائيل وتعييرهم بفعل هؤلاء السفهاء ثم أحياهم الله تعالى.
وروى أسباط عن السدي قال: إن موسى انطلق بسبعين من بني إسرائيل يعتذرون إلى ربهم عن عبادة العجل، وذكر نحو حديث عبد الله بن عباس ثم قال: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ يعني بليتك وعذابك ويقال: يعني عبادة العجل بليتك حيث جعلت الروح فيه تُضِلُّ بِها أي بالفتنة مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ من الفتنة أَنْتَ وَلِيُّنا أي حافظنا وناصرنا فَاغْفِرْ لَنا يعني: ذنوبنا وَارْحَمْنا يعني: ولا تعذبنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ يعني: المتجاوزين عن الذنوب.