
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا﴾ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: الأسف: شَدِيد الْغَضَب، وَقيل: الأسف: أَشد الْحزن، وَكَأن مُوسَى رَجَعَ نَادِما حَزينًا يَقُول: لَيْتَني كنت فيهم فَلم يَقع لَهُم مَا وَقع.
﴿قَالَ بئْسَمَا خلفتموني من بعدِي﴾ أَي: (بئْسَمَا فَعلْتُمْ خَلْفي) ﴿أعجلتم أَمر ربكُم﴾ مَعْنَاهُ: أسبقتم أمرربكم، يَعْنِي: بفعلكم الَّذِي فَعلْتُمْ من غير أَمر ربكُم، وَقيل مَعْنَاهُ: استعجلتم وعد ربكُم.
﴿وَألقى الألواح﴾ وَكَانَ حَامِلا لَهَا، فألقاها على الأَرْض من شدَّة الْغَضَب، وَفِي التَّفْسِير: أَنه لما أَلْقَاهَا رَجَعَ بَعْضهَا إِلَى السَّمَاء وَبَقِي مِنْهَا لوحان، فَرجع مَا كَانَ فِيهِ أَخْبَار الْغَيْب، وَبَقِي مَا كَانَ فِيهِ الموعظة وَالْأَحْكَام من الْحَلَال وَالْحرَام، وَقيل: لما ألْقى الألواح انْكَسَرَ بَعْضهَا، فشدها مُوسَى بِالذَّهَب ﴿وَأخذ بِرَأْس أَخِيه﴾ يَعْنِي: هَارُون، وَفِيه حذف، وَتَقْدِيره: وَأخذ بِشعر رَأس أَخِيه ﴿يجره إِلَيْهِ قَالَ ابْن أم﴾ يَعْنِي هَارُون قَالَ لمُوسَى: ابْن ام، وَيقْرَأ بِكَسْر الْمِيم ونصبها، فَأَما بِكَسْر الْمِيم مَعْنَاهُ يَا ابْن أُمِّي، قَالَ الشَّاعِر:

﴿وكادوا يقتلونني فَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء وَلَا تجعلني مَعَ الْقَوْم لظالمين (١٥٠) قَالَ رب اغْفِر لي ولأخي وأدخلنا فِي رحمتك وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم غضب من رَبهم وذلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نجزي المفترين (١٥٢) ﴾
(يَا ابْن امي وَيَا شَقِيق نَفسِي | أَنْت خلفتني لأمر كؤود) |
﴿إِن الْقَوْم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾ وَفِي الْقِصَّة: أَن هَارُون كَانَ لما مضى مِيقَات الثَّلَاثِينَ يقوم بَينهم خَطِيبًا، فيخطب كل يَوْم ويبكي، وَيَقُول: أنْشدكُمْ بِاللَّه لَا تعبدوا الْعجل، فَإِن مُوسَى رَاجع غَدا - إِن شَاءَ الله - فَهَكَذَا كَانَ يفعل ثَلَاثَة أَيَّام، فَلَمَّا لم يرجع بعد الثَّلَاث قَالُوا: إِنَّه قد مَاتَ، فخلوه، وَأَقْبلُوا على عبَادَة الْعجل، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿إِن الْقَوْم استضعفوني وكادوا يقتلونني فَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء﴾ والشماتة فعل مَا يسر بِهِ الْعَدو ﴿وَلَا تجعلني مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ أَي: لَا تجعلني مَعَ الْكَافرين وَمن جُمْلَتهمْ. صفحة رقم 218