
فإن قيل على هذا: إن الغفلة حال تعتري الإنسان تنافي (١) الفطنة، وليست من فعل الإنسان، فلم جاء الوعيد على الغفلة؟
والجواب: أنهم تعرضوا (٢) لها حتى صاروا لا يفطنون بها، وقيل: إن الغفلة هاهنا المراد بها الإعراض (٣) عن الآيات، وهم أعرضوا عنها حتى صاروا كالغافلين عنها (٤).
١٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ﴾ الآية. معنى أورثناهم الأرض أي: مكناهم فيها بعد إهلاك من كان بها مع الحكم بأن لهم أن (٥) يتصرفوا فيها (٦).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾. معنى الاستضعاف في اللغة: طلب الضعف (٧) بالاستطالة والقهر، ثم كثر حتى صار استضعفته
(٢) في (ب): (يعرضوا).
(٣) في (أ): (الإعراب).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٤٢، وابن عطية ٦/ ٥٥، والرازي ١٤/ ٢٢١، وقال السمين في الدر ٥/ ٤٣٨: (قال الجمهور: إنهم تعاطوا أسباب الغفلة فذموا عليها كما يذم الناسي علي نسيانه لتعاطيه أسبابه) اهـ.
(٥) لفظ: (أن) ساقط من (ب).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٧٦.
(٧) الضَّعْف والضُّعْف بالفتح والضم لغتان خلاف القوة، وقيل: الضعف بالفتح في العقل والرأي، والضُعف بالضم في البدن، واستضعفته: وجدته ضعيفًا، وأضعفته أي: صيرته ضعيفًا.
انظر: "العين" ١/ ٢٨١، و"الجمهرة" ٢/ ٩٠٣، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢١١٩، و"الصحاح" ٤/ ١٣٩٠، و"المجمل" ٢/ ٥٦٢، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٣٦٢، و"المفردات" ص ٥٠٦، و"اللسان" ٥/ ٢٥٨٧ (ضعف).

بمعنى: وجدته ضعيفًا بامتحاني إياه، كأنه طلب حال ضعفه بمحنته فوجده. قال مقاتل (١)، والمفسرون (٢): ﴿يُسْتَضْعَفُونَ﴾ أي: بقتل الأبناء واستحياء النساء.
وقوله تعالى: ﴿مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾. [قال ابن عباس (٣) وغيره (٤): (يريد: مشارق أرض الشام ومصر، ومغاربها] (٥)، أي: جهات الشرق بها (٦) والغرب)، وهو قول الحسن وقتادة (٧).
وقال مقاتل: (مشارق الأرض المقدسة ومغاربها) (٨)، فالأرض على هذا مخصوصة.
وقال الزجاج: (فكان منهم داود وسليمان ملكا الأرض) (٩)، ذهب إلى أن الأرض هاهنا اسم الجنس ولم يخص (١٠).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٤٣، والماوردي ٢/ ٢٥٤، والبغوي ٣/ ٢٧٣.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢٣.
(٤) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٥٦٥، والماوردي ٢/ ٢٥٤، والبغوي ٣/ ٢٧٣، وابن الجوزي ٣/ ٢٥٣.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) لفظ: (بها) ساقط من (ب).
(٧) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥، والطبري ٩/ ٤٣، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥٥١ من عدة طرق جيدة عن الحسن وقتادة، وهو قول سفيان الثوري في "تفسيره" ص ١١٣. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ٥٢٦.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٥٩، وزاد فيه: (وهي الأردن وفلسطين) اهـ.
(٩) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٧١، وهو قول النحاس في "معانيه" ٣/ ٧٢.
(١٠) أكثرهم على أن المراد: الشام؛ لأنها هي التي كانت تحت تصرف فرعون والمتصفة بأنها التي بارك فيها، وهو اختيار الطبري ٩/ ٤٣، وابن عطية ٦/ ٥٦، والرازي ١٤/ ٢٢١.

وقوله: ﴿الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ أي: بإخراج الزروع والثمار والنبات والأشجار والعيون والأنهار.
وقوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
قال ابن عباس: (يريد: مواعيد ربك التي لا خلف فيها ولا ناقض لها (١). ونحو ذلك قال الزجاج (٢) وغيره: (يعني: ما وعدهم الله من إهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض).
قال مقاتل: (وهي الكلمة التي في القصص: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿يَحْذَرُونَ﴾ (٣) [القصص: ٥، ٦] وقال أهل المعاني: (معنى تمام الكلمة الحسنى: إنجاز الوعد الذي (٤) تقدم بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض، وإنما كان الإنجاز تمامًا (٥) للكلام لتمام (٦) النعمة به، وإنما قيل: ﴿الْحُسْنَى﴾ لأنه وعد بما يحبون) (٧).
وقوله تعالى: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾. قال ابن عباس: (يريد: على عذاب فرعون وصنيعه بهم) (٨)، وهذا إخبار عن حسن عاقبة الصبر على الحق.
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٧١ وهو قول الطبري ٩/ ٤٤، وأخرجه بسند جيد عن مجاهد.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٥٩، وقال النحاس في "معانيه" ٣/ ٧٢ - ٧٣: (قيل: يعني بالكلمة: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٢٩]) اهـ.
(٤) في أصل (أ): (التي ثم صحح إلى الذي).
(٥) في (أ): (تمام).
(٦) لفظ: (لتمام) ساقط من (ب).
(٧) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٢٥٤، والرازي ١٤/ ٢٢٢
(٨) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢٣، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣١ بلا نسبة.

وقوله تعالى: ﴿وَدَمَّرْنَا﴾. قال الليث (١): (الدمار استئصال الهلاك، يقال: دَمَرَ القومُ يَدْمُرُون دَمَارا، أي: هلكوا ودَمَرَهم مَقَتَهم ودمَّر عليهم تدميرًا) (٢).
وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾. قال ابن عباس: (يريد: المصانع (٣)، ﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾، أي: يسقفون من القصور) (٤) ونحو ذلك.
قال مجاهد: (أي: يبنون البيوت والقصور والمساكن) (٥).
قال الزجاج (٦): (يقال: عَرَشَ يعرُش [ويعرِش] (٧) إذا بني).
وقال مقاتل: (أهلكنا ما عمل فرعون وقومه بأرض مصر وما بنوا من المنازل والبيوت) (٨).
(٢) في "تهذيب اللغة" (ودمرهم الله تدميرًا).
(٣) ذكره الرازي ١٤/ ٢٢٢.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٣١، وأخرج الطبري ٩/ ٤٤، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥٥٢، عن ابن عباس بسند جيد قال: (يبنون).
(٥) "تفسير مجاهد" ١/ ٢٤٥، وأخرجه "الطبري" ٩/ ٤٤، و"ابن أبي حاتم" ٥/ ١٥٥٢ من طرق جيدة، وفيه: (يبنون البيوت والمساكن ما بلغت وكان عنبهم غير معروش) اهـ.
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٧١.
(٧) لفظ: (ويعرش) ساقط من (ب)، وهو بكسر الراء، والثاني بضمها عَرش يَعْرش ويَعْرُش. وانظر: "اللسان" ٥/ ٢٨٨١ (عرش).
(٨) "تفسر مقاتل" ٢/ ٦٠.