آيات من القرآن الكريم

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

٢- سمة جماعة فرعون: تكرار نقض العهود وخلف الوعود، وتمرير المصالح إلى وقت محدود.
٣- كان الجزاء المحتم لقوم فرعون هو عذاب الاستئصال بالإغراق في البحر.
٤- الواجب في الآيات النظر فيها وتدبرها والتأمل بأسبابها ونتائجها، ولذلك ذمهم بأن غفلوا عنها، وذلك يدل على أن التقليد طريق مذموم.
وراثة بني إسرائيل أرض مصر والشام بعد الفراعنة والعمالقة
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٧]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
الإعراب:
مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا: منصوب إما على أنه مفعول به لأورثنا، أي جعلنا ملوك الشام ومصر، وإما على الظرف، والعامل: يُسْتَضْعَفُونَ. الَّتِي بارَكْنا فِيها: الَّتِي إما في موضع نصب على الوصف لمشارق الأرض ومغاربها، وإما في موضع جر على الوصف للأرض.
والضمير في فِيها: إما أن يعود إلى مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا، وإما أن يعود إلى الْأَرْضِ وتقديره: مشارق الأرض التي باركنا فيها ومغاربها. ففصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف على المضاف إلى الموصوف، وهذا جائز لغة، كقولك: أكرمت صاحب زيد وجاريته العاقل.
ما كانَ يَصْنَعُ اسم كانَ مضمر فيها، وهو يعود على بِما: ويَصْنَعُ:
خبرها، والهاء منه محذوفة، وتقديره: يصنعه، وهو عائد على اسم كانَ الضمير العائد على:

صفحة رقم 70

بِما. وقيل: إن كانَ زائدة، وتقديره: ودمّرنا ما يصنع فرعون، وقد جاء زيادة: كان في كلامهم، فقالوا: زيد كان قائم، أي زيد قائم.
البلاغة:
ما كانَ يَصْنَعُ ووَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ: عدل فيهما عن الماضي إلى المضارع لاستحضار الصورة في ذهن المخاطب، والأصل: ما صنعوا وما عرشوا.
المفردات اللغوية:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ هم بنو إسرائيل كان يستضعفهم فرعون وقومه.
مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا المراد جميع نواحيها أو جهاتها، والمراد بالأرض: أرض مصر والشام، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة، وتصرفوا كيف شاؤوا في أطرافها ونواحيها الشرقية والغربية. بارَكْنا فِيها بالماء والشجر والخصب وسعة الأرزاق، وهي صفة للأرض.
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ أي وصلت إلى آخر الحد، والمعنى: مضت عليهم واستمرت، من قولك: تم على الأمر: إذا مضى عليه، وكلمة الله: هي وعده لبني إسرائيل بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض، في قوله تعالى: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الأعراف ٧/ ١٢٩] وقوله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [القصص ٢٨/ ٥].
بِما صَبَرُوا أي بسبب صبرهم على أذى عدوهم. وَدَمَّرْنا أهلكنا وخربنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ: ما كانوا يعملون ويبنون من العمارات والقصور. وَما كانُوا يَعْرِشُونَ ما كانوا يرفعون من الأبنية المشيدة في السماء كصرح هامان وغيره، أو ما يرفعون من السقائف والمباني للنبات والشجر المتسلق، كعرائش العنب، ومنه: عرش الملك.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل العاشر من قصة موسى مع فرعون، فبعد أن بيّن الله تعالى جزاء فرعون وملئه من أهل مصر على تكذيبهم بموسى، بالرغم من توالي الآيات الدالة على صدقه، وهو جزاء الظالمين، أبان تعالى جزاء المؤمنين الصابرين من بني إسرائيل، إذ أصبحوا ملوك مصر والشام بعد الفراعنة والعمالقة.

صفحة رقم 71

والمعنى: وأورثنا القوم المستضعفين من بني إسرائيل بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم وتعذيبهم واستخدامهم وأخذ الجزية منهم، أورثناهم أرض مصر والشام التي باركنا فيها بالخصب والنماء، وسعة الأرزاق والخيرات، ووفرة الأنهار، تحقيقا لوعدنا السابق وهو: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ [القصص ٢٨/ ٥- ٦]. ومشارق الأرض ومغاربها: جهات الشرق والغرب بها، والمراد بالأرض: أرض مخصوصة، وهي أرض الشام ومصر لأنها هي التي كانت تحت سلطة فرعون، ولوصفها بالبركة، وذلك لا يليق إلا بأرض الشام، وقيل: المراد جنس الأرض لأن داود وسليمان من بني إسرائيل قد ملكا الأرض.
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى.. أي مضت واستمرت ونفذت كلمة الله الحسنى على بني إسرائيل، بسبب صبرهم على أذى فرعون وملئه، وما كابدوه من الشدائد منهم، كما أمرهم موسى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [الأعراف ٧/ ١٢٨] وهكذا فإن الصبر مفتاح الفرج. والحسنى: صفة للكلمة، تأنيث الأحسن. وقيل: معنى تمام الكلمة الحسنى: إنجاز الوعد الذي تقدم بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض لأنه إذا حصل الموعود به، فقد تم لك الوعد وكمل.
تم وعد الله لهم حينما استقاموا، ثم سلبهم تلك الأرض بظلمهم لأنفسهم وللناس، ولم يصدر وعد آخر من الله بالعودة إلى الأراضي المقدسة مرة أخرى.
وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع، وما كانوا يقيمونه من العرائش والسقف في البساتين، أو يبنونه من القصور الشاهقة.

صفحة رقم 72

فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات واردة على سبيل المقارنة والموازنة بين المؤمنين والكافرين، وجزاء كل منهم، فلما بيّن الله تعالى إهلاك قوم فرعون معه بالغرق على وجه العقوبة، بيّن ما فعله بالمؤمنين من الخيرات، وهو أنه تعالى أورثهم أرضهم وديارهم.
لقد أنقذ الله موسى وهارون وبني إسرائيل من ظلم فرعون وقومه، وكان عبورهم في البحر معجزة خارقة لموسى، إذ أوحى الله إليه بأن يضرب بعصاه البحر: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ، فَانْفَلَقَ، فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء ٢٦/ ٦٣].
وذلك لصموده مع أخيه في وجه الطاغية فرعون، أكبر ملك في أكبر دولة في الأرض، استعبدت شعب مصر عدة قرون، فما زالا يجادلانه بالحجج والبينات، حتى نصرهما الله، وهكذا فلا تستعظم قوة أي دولة كبري أمام قوة الحق، ويفعل الإيمان القوي في القلب المليء باليقين ما لا تفعله قوى الشر المتكاثرة، وهكذا يتصدى موسى وأخوه هارون لعدو الله، وقومهما أذلة مستضعفون، وفرعون مصر صاحب السلطة والمال والجند والأتباع، ثم ينتصر الضعفاء، ويتلاشى الأقوياء: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [آل عمران ٣/ ١٣] إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق ٥٠/ ٣٧].

صفحة رقم 73
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية