آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﱿ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ

قال تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا يعني: وما تعيب علينا، وما تنكر منا إلا إيماننا بالله تعالى.
ويقال: وما نقمتك علينا ولم يكن منا ذنب إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا يعني: لما ظهر عندنا أنه حق. ثم سألوا الله تعالى الصبر على ما يصيبهم لكي لا يرجعوا عن دينهم فقالوا:
رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً يعني: أنزل علينا صبراً عند القطع والصلب، ومعناه: ارزقنا الصبر وثبت قلوبنا حتى لا نرجع كفاراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ على دين موسى. وروي عن عبيد الله بن عمير أنه قال: كانت السحرة أول النهار كفاراً فجرة، وآخر النهار شهداء بررة. وقال بعض الحكماء: إن سحرة فرعون كانوا كفروا خمسين سنة فغفر لهم بإقرار واحد وبسجدة فكيف بالذي أقر وسجد خمسين سنة كيف لا يرجو رحمته ومغفرته؟.
قوله تعالى وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني:
إن السحرة قد آمنوا به فلو تركتهما يؤمن بهما جميع أهل مصر، فيفسدوا في الأرض يعني:
موسى وقومه ويغيروا عليك دينك في أرض مصر وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ وذلك أن فرعون كان قد جعل لقومه أصناماً يعبدونها، وكان يقول لهم هؤلاء أربابكم الصغار، وأنا ربكم الأعلى. فذلك قوله تعالى: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني: يدعك ويدع أصنامك التي أمرت بعبادتها. وروي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني: عبادتك وتعبدك. قال ابن عباس: كان فرعون يُعْبد ولا يَعْبُد. ويقال: معنى قوله: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني: يغلبوا عليكم، ويقتلون أبناءكم، ويستحيون نساءكم كما فعلتم بهم كما قال في آية أخرى إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ [غافر: ٢٦] فقال لهم فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ لأنهم قد كانوا تركوا قتل الأبناء، فأمرهم أن يرجعوا إلى ذلك الفعل. قرأ ابن كثير ونافع سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ بجزم القاف والتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد على معنى التكثير والمبالغة في القتل.
ثم قال: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ أي: مسلطون فشكت بنو إسرائيل إلى موسى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٨ الى ١٣١]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٣١)

صفحة رقم 541

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ يعني: سلوا الله التوفيق وَاصْبِرُوا يعني: اصبروا على أذاهم حتى يأتيكم الفرج إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني: أرض مصر ينزلها من يشاء من عباده ويقال الجنة قرأ عاصم في رواية حفص بالتشديد. وقرأ الباقون بالتخفيف. وهما لغتان ورّث وأوْرَث بمعنى واحد.
ثم قال: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي الذين يعملون في طاعة الله تعالى على نور من الله مخافة عقاب الله ورجاء ثواب الله تعالى، أي آخر الأمر لهم. وروي في الخبر أن مسيلمة الكذاب كتب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم كتاباً من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ﷺ أما بعد. فإن الأرض بيني وبينكم نصفان إلا أن العرب قوم يظلمون الناس فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ مُحَمَّد رَسُولِ الله إلى مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ. أمَّا بَعْدُ فَإنَّ الأرْضَ لله يورثها من يشاء من عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».
قوله تعالى: قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا يعني: إن قوم موسى قالوا لموسى: إنهم قد عذبوا قبل أن تأتينا بالرسالة وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا لأن قوم فرعون كانوا يكلفون بني إسرائيل من العمل ما لا يطيقون، وكان آل فرعون لا يعرفون شيئاً من الأعمال، وكان بنو إسرائيل حذاقاً في الأشياء والأعمال، فكانوا يأمرونهم بالعمل ولا يعطونهم الأجر. ف قالَ لهم موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ يعني: فرعون وقومه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي:
يجعلكم سكاناً في أرض مصر من بعد هلاكهم يعني: من بعد هلاك فرعون وقومه فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني: يبتليكم بالنعمة كما ابتلاكم بالشدة، فيظهر عملكم في حال اليسر والشدة، لأنه قد وعد لهم بقوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص: ٥].
ويقال: فينظر كيف تعملون من بعده يعني: من بعد انطلاق موسى إلى الجبل فعبدوا العجل.
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أي: بالجوع والقحط وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي يتعظون ويؤمنون فلم يتعظوا. قال الله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعني: الخير والخصب والرخاء قالُوا لَنا هذِهِ يعني: نحن أهل لهذه الحسنة وأحق بها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني: القحط والبلاء والشدة يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ وأصله يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء. كقوله: يَذَّكَّرُونَ أي يتشاءمون بموسى ومن معه على دينه.
قال الله تعالى: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يعني: إن الذي أصابهم من عند الله وبفعلهم.
ويقال: إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أنه من الله تعالى ولا يعلمون ما عليهم في الآخرة.

صفحة رقم 542
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية