آيات من القرآن الكريم

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ۖ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

رحمة واسعة، فيجب على كل عاقل أن يخاف هذا، لأن الموت يأتي بغتة والقيامة كذلك، فإذا حلّ الأجل لا يستطيع القائم القعود ولا القاعد القيام، ولهذا حث الشارع على الوصية، فلا ينبغي له أن ينام إلا ووصيته تحت رأسه، لئلا يفاجئه الموت فلا يتمكن من بيان ماله وما عليه، وما يريد أن يخصّ منه لأرحامه ولوجوه البر فيندم من حيث لا ينفعه الندم قال تعالى «أَوَلَمْ يَهْدِ» يتبين من أحوال الأمم السابقة «لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ» إهلاك «أَهْلِها» بنوع من أنواع العذاب الذي قصصناه عليك يا أكمل الرسل بأنا «لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ» أخذناهم «بِذُنُوبِهِمْ» كما أخذنا من قبلهم «وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ» فلا نتركها تعي منافع الإيمان ونهملها وشأنها حتى تختار الكفر والشرك كما فعلنا بمن قبلهم من الأمم الباغية وإذا ختمنا على قلوبهم منعناها من قبول الإيمان «فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ١٠٠» المواعظ الحسنة سماع قبول، أي لا يقبلونها لأنا لا نريد إيمانهم لخبث طويتهم وإصرارهم على الكفر
قال تعالى «تِلْكَ الْقُرى» التي بينا لأهلها طريقي الخير والشر كقوم نوح وعاد وصالح وهود ولوط وشعيب الذين ختمنا على قلوبهم لعلمنا بخبثها فلم ندعها تقبل نصح رسلهم وأهلكناهم ببغيهم «نَقُصُّ عَلَيْكَ» يا محمد «مِنْ أَنْبائِها» أخبار أهلها وأمر رسلهم معهم لتعلم ماهية مقاومتهم للرسل وعاقبة أمرهم معهم وتتيقن أنا ناصروك على قومك كما نصرناهم، ومهلكو من لم يؤمن بك كما أهلكنا من لم يؤمن بهم «وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» مثلما جئنهم بالمعجزات «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا» بعد رؤية ما أظهروه لهم من المعجزات «بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ» قبل مجيء الرسل إليهم ورؤية آياتهم، بل استمروا على كفرهم وأصروا على عنادهم، وفاجأوا رسلهم بالتكذيب، ولم يلتفتوا إلى معجزاتهم، فكانت حالتهم بعد مجيء الرسل كحالتهم قبلها كأن لم يبعث إليهم أحد ولم يؤمروا ولم ينهوا وهذه الآية قريبة في المعنى من قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) الآية ٢٨ من سورة الأنعام في ج ٢، أي لو أحييناهم بعد معاينة العذاب لم يؤمنوا «كَذلِكَ» مثل هذا الطبع المحكم «يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ ١٠١» الذين

صفحة رقم 390

سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون من قومك ولو جاءتهم كل آية وأنهم يختارون الكفر عنادا «و» من جملة أخلاقهم الذميمة وخصالهم المستهجنة نقض العهد والميثاق لأنا «ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ» أي الأمم الخالية «مِنْ عَهْدٍ» أوفوا به لنا في عالم الذر، كما أنهم لم يوفوا بعهدهم لرسلهم، لأنهم كلما عاهدوهم على الإيمان نقضوا، فلا وفاء لهم البتة.
مطلب في تفاوت حروف الجرّ.. وألقاب الملوك:
وجيء، بمن، هنا للتأكيد والإحكام كما نوهنا به في الآية ٨٠ المارة ولا يعبّر عن مثل هذا بسيف خطيب أن زائدة لأنه قول زائد، إذ لا نزاع بأن قولك ما جاءني من أحد أبلغ من قولك ما جاءني أحد، وعليه يكون وجودها له معنى بليغ في النفوس والأسماع لا يكون بغيرها، وبني كلام الله على البلاغة لأنها من معجزاته وانظر لهذا الجناس التام المماثل بين قوله وما وجدنا وبين قوله «وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ٢٠١» خارجين عن طاعتنا ناكثين ميثاقنا الذي أخذناه عليهم حين أخرجنا ذراريهم من ظهور أبيهم آدم عليه السلام المبين في الآية ١٧٠ الآتية، قال ابن عباس إنما أهلك الله أهل القرى لأنهم لم يحفظوا ما وصاهم به، وإن في صدر هذه الآية مخففة من الثقيلة وخبرها ضمير الشأن واللام، في لفاسقين اللام الفارقة بين أن النافية والمخففة حيث أوجبوا وجود اللام بعد أن المخففة، لئلا تلتبس بالنافية التي لا يأتي اللام بعدها، والمعنى أنه أي الحال والشان وجدنا أكثرهم فاسقين راجع الآية ٤٥ المرة، وقال بعض المفسرين إنّ إن بمعنى ما واللام بمعنى إلّا، أي ما وجدنا أكثرهم إلّا فاسقين وهو وجيه وفيه من البلاغة ما لا يوجد في التفسير الأول، وسياق صدر هذه الآية بواتي المعنى إلا أن مجيء اللام بمعنى إلّا شاذّ، لهذا قدمنا الأول مع اختيارنا للثاني لولا ذلك المانع، قال تعالى «ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ» «مُوسى» بن عمران بآياتنا التسع الآتية بعد في هذه السورة «إِلى فِرْعَوْنَ» الوليد بن مصعب بن الريان ملك مصر المبالغ في الكبرياء والجبروت والإفراط حتى ادعى الإلهية وكلمة فرعون علم لكل من يملك القبط، كما أن النجاشي لمن يملك الحبشة

صفحة رقم 391

وقيصر للروم، وخاقان للترك، وكسرى للفرس، والخليفة للمسلمين، والعزيز لمصر، وحمير لتبّع، وحمى للهند، وجالوت للبربر، ونمرود للصابئة، ومقوقس للاسكندرية «وَمَلَائِهِ» خص أشراف قومه بالذكر لأنهم إذا آمنوا آمن أتباعهم ولأن أتباعهم يشقون بعدم إيمانهم ويقتلون بعدم طاعتهم ويهانون لأجلهم «فَظَلَمُوا بِها» كفروا وجحدوا وأجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) الآية ١٢ من لقمان في ج ٢، «فَانْظُرْ» يا سيد الرسل «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٠٣» بالأرض حيث أمرهم إلى الهلاك، ثم شرع يبين له ما وقع لموسى مع قومه ليهون عليه ما يلاقيه من قومه بقوله جلّ قوله «وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٠٤» إليك وإلى قومك «حقيق» جدير فمن «عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» لأني رسوله والرسول لا يقول إلا الذي أرسل به ومن شأن كل رسول أن يكون أمينا على ما أرسل به وأن يؤديه كما أمر به إذا كان من مثله لمثله فكيف إذا كان من عند الله فهو حتما لا يتصور فيه إلا الحق والصدق. وقرأ نافع عليّ بالتشديد وعليها يرتفع الجار والمجرور بالابتداء ويكون خبره أن لا أقول. وقرأ عبد الله (حقيق بأن لا أقول) على تقدير حرف الجر وهو على أو الباء فيكون التقدير (أنا حقيق بأن لا أقول) فتكون على بمعنى الياء كما كانت الباء بمعنى على في، قوله تعالى: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) الآية ٨٥ المارة. ومن المعلوم أن حروف الجر تخلف بعضها أي تأتي من بمعنى الباء، والياء بمعنى على، وعلى بمعنى في وهكذا وقرأ أبي (بأن لا أقول) والأولى فيها وجوه ١- أن تكون مما يقلب من الكلام لأمن الالتباس كما في قول خراش بن زهير:

كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا قوادم حرب لا تلين ولا تمري
وتلحق خيل لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمرى
أي وتشقى الضياطرة بالرماح والضياطرة الرجال العظام فتكون كقراءة نافع.
٢- تكون على حد ان ما لزمك فقد لزمته أي فلما كان قول الحق حقيق عليه

صفحة رقم 392

كان هو حقيقا على قول الحق لإزماله ٣- أن يضمن حقيق معنى حريص كما ضمن هجني بمعنى ذكرني. ٤ وهو الأوجه الأدخل في نكت القرآن أن يغرق موسى في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام لاقتضاء المقام، لا سيما وقد روي أن فرعون قال له إني رسول من رب العالمين فقال له موسى أنا حقيق على قول الحق واجب علي أن أقوله ولا يرضى الحق إلا بمثلي قال تعالى: «قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ» حجة واضحة «مِنْ رَبِّكُمْ» أضاف الاسم الجليل إليهم مع عدم اعترافهم به لتأكيد وجوب الإيمان، وإيذانا بأن ما يزعمونه من الألوهية باطل «فَأَرْسِلْ» يا فرعون «مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ ١٠٥» يعقوب عليه السلام لأنهم سكنوا مصر زمن يوسف عليه السلام، الذين خذلتهم بقهرك وتعمدت إذلالهم بظلمك وقصدت احتقارهم بكبريائك فدعهم يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة وطن آبائهم وخل سبيلهم من الرق بمقتضى أمر الحق وإلا سينزل بك وبقومك ما لم يكن بالحسبان كما وعدني ربي، وإنما سلطه الله عليهم بعد أن كانوا ملوكا قادة حكاما بسبب اختلافهم ونبذهم دين آبائهم، أي خل عنهم وأطلقهم وسلمني إياهم لأني من ولد إسرائيل وقد أرسلني الله لأخلصهم منك وأرشدك وإياهم إلى الايمان به وحده.
مطلب كيفية معجزة موسى وأنواعها:
قالَ فرعون يا موسى «إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ» تدل على رسالتك وصدقك «فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ١٠٦» بقولك لتثبت دعواك عندنا ونتبعك «فَأَلْقى عَصاهُ» بين أيديهم «فَإِذا هِيَ» بلا معالجة واستعمال أسباب وأدوات واعية للتبدل كما يفعله السحرة «ثُعْبانٌ مُبِينٌ ١٠٧» ذكر واضح من الحيات الكبار، واعلم أن لا معارضة بين هذه الآية والآية ٣١ من القصص الآتية لأنها بمجرد إلقائها صارت في عظم الجثة كالثعبان في الجسم، لهذا وصفها هنا به، وفي صفه الحركة كانت كالحية الصغيرة لذلك وصفها هناك بالجان، أي الحية الصغيرة، قال ابن عباس والسديّ لما ألقى موسى عصاه وصارت حية عظيمة خضراء شقراء فاغرة فاها، ما بين لحييها ثمانون ذراعا، وقامت على ذنبها مرتفعة عن الأرض بقدر

صفحة رقم 393

ميل، واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر، فتوجهت نحو فرعون لتأخذه، فوثب عن سريره هاربا، وأحدث، وانهزم الناس المجتمعون، وقتل بعضهم بعضا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها، وأرسل معك بني إسرائيل وأومن بك، فأخذها فعادت عصا كما كانت دون عمل أي شيء، ثم نكث عهده ولم يؤمن وطلب منه آية أخرى، فقام «وَنَزَعَ يَدَهُ» أخرجها من تحت إبطه «فَإِذا هِيَ» دون توسط شيء ما من وضع عقاقير أو غيرها أيضا ظهرت «بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ ١٠٨» بباضا عجيبا خارقا للعادة لها شعاع يفوق نور الشمس، ولما كان البياض المفرط عيبا في الجسد لأنه من نوع البرص، قال تعالى في الآية ٢٣ من سورة طه (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي برص، وهذا مما يعجز عنه البشر أيضا ولذلك سميت معجزة وهي على قسمين ١- قسم على نوع قدرة البشر ولكنهم عجزوا عنه لتدل على أنها من فعل الله وعلى صدق النبي كتمني الموت في قوله تعالى (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية ٩٤ من البقرة في ج ٣، فلما صرفوا عن تمنيه مع قدرتهم عليه علم أنه من عند الله ودل على صدق الرسول. ٢- القسم الثاني ما هو خارج عن قدرة البشر كاحياء الموتى وقلب العصا حية حقيقية لا بتمويه السحرة، وإخراج الناقة من الصخرة وكلام الحجر والشجر والحيوان، ونبع الماء من بين الأصابع، وتكثير القليل واحالة الماء صخرا والمشي عليه كما وقع لسيدنا عيسى ومحمد وموسى وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ومما هو خارق للعادة ويعجز البشر عن مثلها، فإذا أتى النبي بشيء من هذه علم على أنه من عند الله وأن الله أظهرها على يده لتكون برهانا على صدق ما يخبر به عن ربه، راجع أول سورة القمر المارة تجد تفصيل بحث المعجزات. هذا وقد ثبت بالحجة والعقل أن الله تعالى قادر على خلق الأشياء وإبداعها من غير أصل سابق وإخراجها من العدم، وأنه قادر على قلب الأعيان فبالأحرى أن يكون قادرا على خلق المعرفة والإيمان في قلوب عباده من غير واسطة، ولكنه جلت قدرته أرسل إليهم رسلا ليعرفهم معالم دينه وتكليفاته وجعلهم

صفحة رقم 394
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية