آيات من القرآن الكريم

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
ﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀ

كافيك» قال تلميذه السيوطي: «وهو من الحسن بمكان ولا أعلم في اختياراته في العربية أحسن منه» والمسوغ حينئذ هو تقدم الخبر وهو جار ومجرور.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٨ الى ١٦]
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)
اللغة:
(تُدْهِنُ) أصل الإدهان اللين والمصانعة والمقاربة في الكلام وجعله الزمخشري في أساس البلاغة من المجاز قال: «ومن المجاز أدهن في الأمر وداهن صانع ولاين».
(هَمَّازٍ) عياب أي مغتاب وقيل الهمّاز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمّاز باللسان وفي المختار: «اللمز العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها وبابه ضرب ونصر وقرىء بهما في قوله تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات ورجل لمّاز ولمزة بوزن همزة أي عياب» وفيه أيضا: «الهمز كاللمز وزنا ومعنى وبابه ضرب والهامز والهمّاز العيّاب والهمزة مثله يقال رجل همزة وامرأة همزة أيضا وهمزات الشيطان خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان والمهماز حديدة تكون في مؤخر خفّ الرائض».

صفحة رقم 168

(مَشَّاءٍ) صيغة مبالغة أي ساع بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم.
(بِنَمِيمٍ) النميم قيل هو مصدر كالنميمة وقيل هو اسم جنس لها كتمرة وتمر وهو نقل الكلام الذي يسوء سامعه ويحرش بين الناس لتأريث نار البغضاء في الصدور وفي المصباح: «نم الرجل الحديث نما من بابي قتل وضرب سعى به ليوقع فتنة أو وحشة فالرجل نم تسميته بالمصدر ونمّام مبالغة والاسم النميمة والنميم أيضا» وقال الزمخشري:
والنميم والنميمة السعاية، وأنشدني بعض العرب:

تشبّبي تشبّب النميمة تمشي بها زهر إلى تميمه
والبيت الذي استشهد به الزمخشري لأعرابي يخاطب النار والتشبّب التوقد والنميمة تزوير الكلام وتزويقه للإفساد بين الناس وثوب منمنم ومنمّم أي منقّش محسّن وزهر اسم امرأة اشتهرت بالنميمة وتميمة قبيلة معروفة، نزّل النار منزلة العاقل فأمرها وقال: اشتعلي كاشتعال التميمة حال كونها تمشي بها هذه المرأة إلى بني تميم وكانت كثيرة الإفساد بين العرب حتى ضرب بها المثل، وبين نميمة وتميمة الجناس اللاحق.
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي بخيل بالمال والخير هنا يراد به عموم ما يطلق عليه.
(عُتُلٍّ) غليظ جاف قيل في الطبع وقيل في الجسم وقال أبو عبيدة: هو الفاحش اللئيم وقيل الغليظ الجافي ويقال عتلته وعتنته.
(زَنِيمٍ) دعي، قال حسّان بن ثابت:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
يخاطب حسان بهذا البيت الوليد بن المغيرة فيقول إنه زنيم أي معلّق في آل هاشم كالزنمة في الإهاب وهي قطعة جلد صغيرة تترك

صفحة رقم 169

معلقة بطرفه فشبهه بها وشبّهه بالقدح المنفرد الفارغ المعلق خلف الراكب وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم، ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده وقيل بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية، جعل جفاءه ودعوته أشدّ معايبه لأنه إذا جفا وغلظ قسا قلبه واجترأ على كل معصية ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها ومن ثم جاء في الحديث: «لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده» ويروى أنه لما نزلت قال الوليد لأمه: إن محمدا وصفني بتسع صفات أعرفها غير التاسع منها فإن لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك فقالت له:
إن أباك عنين فخفت على المال فمكنت الراعي من نفسي فأنت منه، هذا ما قاله المفسرون والذي نراه ورجحه أبو حيان أن هذه الأوصاف ليست لمعين ألا ترى إلى قوله كل حلّاف فإنما وقع النهي عن طواعية من هو بهذه الصفات التي جاءت للمبالغة وسيأتي مزيد بحث عنها في باب البلاغة.
(سَنَسِمُهُ) نضع العلامة على الوجه.
(الْخُرْطُومِ) أنف السباع وغالب ما يستعمل في أنف الفيل والخنزير، وفي القاموس: «الخرطوم كزنبور الأنف أو مقدمه أو ما ضممت عليه الحنكين كالخرطم القنفذ».
الإعراب:
(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) الفاء الفصيحة لأنها عطفت على محذوف دلّ عليه السياق وينبىء عنه ما قبله والنهي بمنابه التهييج وإلهاب التصميم على معاصاتهم، ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والمكذبين مفعول به (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ودّوا فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ولو حرف مصدري للتمنّي على رأي البصريين لوقوعه بعد فعل الودادة وقد تقدم

صفحة رقم 170

القول فيه مفصّلا في قوله تعالى «يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة» وهي وما في حيّزها في تأويل مصدر مفعول ودّوا وقيل إن مفعول ودّوا محذوف أي ودّوا إدهانكم وحذف لدلالة ما بعده عليه ولو باقية على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره وجوابها عندئذ محذوف تقديره لسرّوا بذلك والفاء حرف عطف ويدهنون فعل مضارع معطوف على تدهن فهو في حيّز لو فهو من المتمنى، والمتمنى شيئان ثانيهما متسبّب عن الأول أو هو خبر لمبتدأ مضمر أي فهم يدهنون، وفي الكشاف: «فإن قلت لم رفع فيدهنون ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمنّي قلت قد عدل به إلى طريق آخر وهو أنه جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون» (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) الواو عاطفة ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا وكل حلّاف مفعول به ومهين نعت لحلّاف (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) صفات مسرودة سيأتي الحديث عنها في باب البلاغة وبنميم متعلق بمشاء وللخير متعلقان بمنّاع (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) الظرف متعلق بزنيم وهذه البعدية في الرتبة أي هذا الوصف وهو زنيم متأخر في الرتبة والشناعة عن الصفات السابقة فبعد هنا كثم التي للترتيب والتراخي في الرتبة (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) أن مصدرية وهي وما في حيّزها في موضع نصب بنزع الخافض أي لأن كان وهو متعلق بما دلّ عليه إذا تتلى أي كذب بها ولا يصحّ أن يكون معمولا لفعل الشرط لأن إذا تضاف إلى الجملة بعدها والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ولا يصحّ أن يكون معمولا لقال الذي هو جواب الشرط لأن ما بعد أداة الشرط لا يعمل فيما قبلها وقال الزمخشري «متعلق بقوله ولا تطع يعني ولا تطعه مع هذه المثالب لأنه كان ذا مال أي ليساره وحظه من الدنيا» وقال أبو حيان: «ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متموّلا مستظهرا بالبنين كذب آياتنا» وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو وذا مال خبرها وبنين

صفحة رقم 171

عطف على مال (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وهو متعلق بجوابه وجملة تتلى عليه في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وأساطير الأولين خبر لمبتدأ مضمر أي هي أساطير الأولين (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) جملة مستأنفة كأنه لما ذكر قبائح أفعاله وأقواله ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد، والسين حرف استقبال ونسمه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وعلى الخرطوم متعلقان بنسمه.
البلاغة:
١- في مجيء هذه الصفات مسرودة على نمط عجيب خلّاب فن المناسبة، فجاء حلّاف وبعده مهين لأن النون فيها مع الميم تراخ ثم جاء همّاز مشّاء بنميم بصفتي المبالغة ثم جاء منّاع للخير معتد أثيم وبعد ما عدّله من المثالب والنقائص أتى بصفتين من أشدّ معايبه وقد دلّت البعدية لتدل على ذلك.
٢- وفي قوله «سنسمه على الخرطوم» كناية عن المهانة وأحطّ دركات الذل إذ لما كان الوجه أشرف ما في الإنسان والأنف أكرم ما في الوجه جعلوه مكان العزّة والحمية واشتقوا منه الأنفة ومن أقوالهم:
حمي الأنف شامخ العرنين وقالوا في الذليل جدع أنفه ورغم أنفه وكان أيضا مما تظهر السمات فيه لعلوه، قال سنسمه على الخرطوم وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف وإذا كان الوسم في الوجه شينا فكيف به في أكرم عضو فيه وقد قيل: الجمال في الأنف قال بعضهم:

صفحة رقم 172
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل فكيف إذا ما الخال كان له حليا