آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

وغيره منها أن المقصودين هم الأعاجم ومنها أنهم الذين يدخلون الإسلام إلى يوم القيامة من عرب وعجم.
ولا يبدو الحديث تفسيرا حاسما للجملة ولا حاصرا للفئات التي ذكرت الآيات أنهم لما يلحقوا بهم. وكل ما يمكن أن يفيده الحديث هو بشرى تحققت باعتناق أهل فارس الدين الإسلامي في جملة من اعتنقه من العرب وغير العرب.
وكلمتا (منهم وبهم) يجعلان صرف المعنى إلى الأميين موضوع الكلام والمعطوف عليهم هو الأولى والمعقول. وكلمة الأميين رادفت في القرآن العرب. وجاء مفردها وصفا للنبي ﷺ في آيات سورة الأعراف [١٥٧ و ١٥٨] والسورة نزلت في أواسط العهد المدني على الأرجح ثم أخذ العرب يدخلون في الإسلام جماعة بعد جماعة حتى إذا تمّ فتح مكة واعتنق أهلها الإسلام أخذ العرب يدخلون في دين الله أفواجا من كل صوب بحيث يصح القول إن الجملة قد تضمنت تطمينا أو بشرى ربانية تحققت في حياة النبي ﷺ والله أعلم.
هذا، وحديث أبي هريرة في حدّ ذاته يفيد كما قلنا في تعريف السورة أن السورة نزلت دفعة واحدة وأن فصولها مترابطة. والله تعالى أعلم.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٥ الى ٨]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
. (١) أسفار: جمع سفر وهو الكتاب.

صفحة رقم 331

في الآيات:
١- تنديد لاذع باليهود. فقد أتاهم الله التوراة وأمرهم بالسير عليها وتدبر ما فيها وتنفيذه، وهذا معنى حمّلوا التوراة، فلم يفهموها ولم يقوموا بحقها وانحرفوا عنها، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل كتبا لأنه لا ينتفع بما فيها. وبئست حالة قوم مثل حالتهم بتكذيبهم آيات الله. ولن ينالوا توفيق الله وتسديده لأن الله لا يوفق الظالمين أمثالهم.
٢- وأمر للنبي ﷺ بتحدّيهم. فإذا كانوا صادقين في زعمهم أنهم أولياء الله وأصحاب الحظوة لديه دون سائر الناس فليتمنوا الموت الذي يقرّبهم إلى الجزاء الأخروي العظيم الذي يمنّون النفس به.
٣- وتقرير بحقيقة واقعهم. فإنهم لا يتمنون الموت أبدا لأنهم يخافون المصير الرهيب بسبب ما اقترفوه وقدموه بين أيديهم من الآثام. وإن الله لهو العليم بالظالمين.
٤- وإنذار لهم. فالموت الذي يخافونه ويتهربون منه ملاقيهم لا محالة.
وإنهم لراجعون إلى الله عالم الحاضر والمستقبل والمغيب ومنبّأون بما عملوا ومحاسبون عليه.
تعليق على الآية مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً... إلخ والآيات الثلاث التالية لها
ولم نطلع على رواية في مناسبة نزول هذه الآيات أيضا. والمتبادر أنها والآيات السابقة لها سلسلة واحدة. نزلت دفعة واحدة. وفي سياق موقف جدلي قام بين النبي ﷺ واليهود. وتفاخر اليهود فيه وتبجحوا بأنهم أولياء الله وأحباؤه وموضع حظوته وأن الدار الآخرة خالصة لهم دون سائر الناس. بل ويستلهم من روح آيات السورة الأربع الأولى أنهم قالوا فيما قالوه إن الله جعل النبوة فيهم خاصة

صفحة رقم 332

وأنكروا- بناء على ذلك- نبوة النبي لأنه عربي. فنزلت الآيات تكذبهم وتندد بهم وتتحداهم وتفحمهم بأسلوب قوي نافذ ولاذع.
وننبّه على أن مثل هذه المزاعم والأقوال والمواقف قد حكيت عن اليهود في آيات عديدة في سورتي البقرة وآل عمران اللتين مرّتا وفي سورتي النساء والمائدة اللتين تأتيان بعد مما يدل على أنها كانت تتكرر منهم في المناسبات المختلفة.
وهذا الموقف من اليهود لا يمكن أن يكون منهم إلّا في ظرف كانوا فيه في المدينة على شيء من القوة والاعتداد. وهذا يصدق عليهم في السنين الخمس الأولى من الهجرة. وهو ما جعلنا نقدم السورة على ما شرحناه في مقدمتها.
ولقد جاء في آية سورة الأعراف [١٥٧] التي سبق تفسيرها أن أصحاب التوراة والإنجيل يجدون النبي الأمّي مكتوبا في كتابيهما المذكورين وقلنا في سياق تفسيرها إن الآيات كانت تتلى علنا ولا ريب في أنها كانت تعبر عن حق وحقيقة يسلم بهما أصحاب الكتابين. ولقد جاء في آية سورة الأحقاف [١٠] التي سبق تفسيرها أن من الإسرائيليين من شهد وآمن برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك تقرير لواقع لا شك فيه. ولقد جاء في آية سورة الأنعام [١١٤] وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وهذا تقرير لواقع لا شكّ فيه. ولقد جاء في آيات سورة الإسراء [١٠٧ و ١٠٨] وآيات سورة القصص [٥٢- ٥٥] أن الذين أوتوا العلم والكتاب اعترفوا وآمنوا بصدق القرآن ورسالة النبيّ. وجاء في آية سورة آل عمران [١٩٩] وسورة النساء [١٦٢] أن من أهل الكتاب ومن الراسخين في العلم من بني إسرائيل من اعترف وآمن بصدق رسالة النبي. وهذا وذاك تقرير لواقع لا شكّ فيه فيكون تنديد الآية الأولى التي نحن في صددها وتمثيل المنكرين لنبوة النبي من اليهود بالحمار الذي يحمل الأسفار محلّين ملزمين مفحمين لأن الذين أنكروا نبوة النبي الأمي أنكروا ما هو وارد في توراتهم الذي جعل بعضهم يسلّمون به ويؤمنون بالقرآن وبالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم.

صفحة رقم 333
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية