
وأغلب بالنسبة إلى الخيل والبغال وغيرهما من الحيوانات.
وثانيها: أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة لأولئك القوم، والحمار يمثل به في الجهل والبلادة.
وثالثها: أن في الحمار من الحقارة ما ليس في غيره من الحيوانات. والغرض من الكلام هاهنا تحقير القوم وتعييرهم، فيكون تعيين الحمار أليق.
ورابعها: أن حمل الأسفار على الحمار أسهل وأعمّ وأسهل لسرعة انقياده، فإنه ينقاد للصبي الصغير من غير كلفة، وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره.
وخامسها: أن رعاية الألفاظ والمناسبة من لوازم الكلام [وبين] لفظ الأسفار والحمار مناسبة لفظة [لا توجد] في غيره من الحيوانات فيكون ذكره أولى.
فصل
قال القرطبي: «معنى الكلام: بئس مثل القوم المثل الذي ضربناه لهم فحذف المضاف ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء يعني من سبق في علمه أنه يكون كافراً».
قوله
: ﴿قُلْ
يا
أيها
الذين هادوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس﴾. أي: من دون محمَّد وأصحابه. لما ادعت اليهود الفضيلة، وقالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]، قال الله تعالى: ﴿إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس﴾ فللأولياء عند الله الكرامة ﴿فَتَمَنَّوُاْ الموت﴾ لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله.
قوله: ﴿أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ﴾.
سادّ مسد المفعولين أو المفعول على الخلاف، و «لله» متعلق ب «أولياء» أو بمحذوف نعتاً ل «أولياء»، و ﴿من دون الناس﴾ كذلك.
قوله: ﴿فَتَمَنَّوُاْ الموت﴾. جواب الشَّرط. صفحة رقم 76

والعامة: بضم الواو وهو في الأصل واو الضمير.
وابن السميفع وابن يعمر وابن إسحاق: بكسرها، وهو أصل التقاء السَّاكنين.
وابن السميفع أيضاً: بفتحها وهذا طلب للتخفيف.
وتقدم نحوه في: ﴿اشتروا الضلالة﴾ [البقرة: ١٦].
وحكى الكسائي إبدال الواو همزة.
قوله: ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ﴾، وقال في البقرة: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ [البقرة: ٩٥].
قال الزمخشري: لا فرق بين «لا» و «لن» في أنَّ كل واحد منهما نفي للمستقبل إلا أن في «لن» تأكيداً وتشديداً ليس في «لا» فأتي مرة بلفظ التأكيد «ولن يتمنوه» ومرة بغير لفظه «ولا يتمنونه».
قال أبو حيان: «وهذا رجوع عن مذهبه وهو أن» لن «تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة وهو أنها لا تقتضيه».
قال شهاب الدين: وليس فيه رجوع، غاية ما فيه أنه سكت عنه، وتشريكه بين «لا» و «لن» في نفي المستقبل لا ينفي اختصاص «لن» بمعنى آخر.
وتقدم الكلام على هذا مشبعاً في «البقرة».
فصل
المعنى: «ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم» أي: أسلفوه من تكذيب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلو تمنوه لماتوا، فكان ذلك بطلان قولهم وما ادعوه من الولاية.
«قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لما نزلت هذه الآية:» والذي نفسي بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات «».
وفي هذا إخبار عن الغيب ومعجزة للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقد مضى الكلام على هذه الآية في «البقرة» عند قوله: ﴿فَتَمَنَّوُاْ الموت﴾ [البقرة: ٩٤]. صفحة رقم 77