الموصول بحذف المضاف اى بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى وقت اختيارهم الظلم او لا يهدى من سبق فى علمه انه يكون ظالما.
قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا اى تهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ فانهم كانوا يقولون نحن اولياء الله وأحباءه مِنْ دُونِ النَّاسِ يعنى محمدا - ﷺ - وأصحابه فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ اى ادعوه من دون الله تعالى على أنفسكم حتى تنقلوا من دار البلية الى دار الكرامة فان الموت جسر توصل الحبيب الى الحبيب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى زعمكم فتمنوه وقد ذكرنا مسئلة جواز تمنى الموت وعدمه فى صورة البقر فى مثل هذه الاية.
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فانهم يعلمون علما يقينا انهم استحقوا النار الكبرى بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي وتحريف آيات التورية الناطقة ببعث محمد - ﷺ - فكيف يتمنون الموت الموصلة الى النار فانهم احرص الناس على حيوة يود أحدهم لو يعمر الف سنة وأشد خوفا وفرارا من الموت وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ فيجازيهم على ما قدموا.
قُلْ يا محمد إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ايها اليهود اى تخافون أشد المخافة من ان يصيبكم فتوخذوا بأعمالكم ولا تجزون على تمنيه فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لا حق بكم لا محالة لا ينفعكم الفرار منه الجملة خبر ان ذكر الله سبحانه ان الموكدة فى الجملة مكررا لكمال التأكيد نظرا الى كمال إصرارهم على الكفر والمعاصي الذي كانه هو الدليل على شدة انكارهم الموت والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف كانه فرارهم يسرع لحوقه بهم فكانه سبب اللحوق وذلك ان الفرار من الموت موجب للغفلة عنه وفى الغفلة لا يظهر طول البقاء فى الدنيا ويظهر كانه الموت جاء سريعا ومن كان ذكر الموت مشتاقا له يشق عليه البقاء فى الدنيا وينتظر الموت غالبا فيظهر عليه طول الحيوة وبعد الموت لشدة اشتياقه وجاز ان يكون الخبر محذوفا والفاء للتعليل والتقدير ان الموت الذي تفرون منه لا ينفعكم الفرار منه فانه اى لانه ملقيكم البتة وحينئذ لا يلزم تكرار ان على حكم واحد وجاز ان يكون الموصول خبرا لان الفاء عاطفة يعطف على الخبر او على الجملة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم عليه.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ اى إذا اذن مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بيان لاذا وقيل من هاهنا بمعنى فى كما فى قوله تعالى أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ اى فى الأرض اختلف العلماء فى تسمية هذا اليوم بالجمعة
مع الاتفاق على انه كان يسمى فى الجاهلية بالعروبة معناه اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين قيل أول من سماه جمعة كعب بن لوى وهو أول من قال اما بعد كانت تجمع اليه قريش فى هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - ﷺ - ويعلمهم بانه من مولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى ذلك أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا نجواء دعوته إذا قريش تبتغى الحق خذلانا وكان بنو اسمعيل يورخون ببناء الكعبة فلما مات كعب بن لوى ارخ الناس من موته حتى كان عام الفيل وهو مولد النبي - ﷺ - فارخ الناس منه الى ان هاجر النبي - ﷺ - وكان بين موت كعب ومبعث النبي - ﷺ - خمسمائة وستون سنة كذا فى شرح خلاصة السير وقيل سمى بالجمعة لان الخلائق يجمع فيه كذا ذكر ابو حذيفة البخاري فى المبتدا عن ابن عباس واسناده ضعيف وقيل لانه جمع فيه خلق آدم عليه السلام روى احمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن سلمان رض ان رسول الله - ﷺ - قال أتدري ما يوم الجمعة قلت الله ورسوله اعلم قالها ثلث مرأة قال فى الثالثة هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم الحديث وله شاهد عن ابى هريرة رواه ابن ابى حاتم موقوفا بإسناد قوى واحمد موقوفا بإسناد ضعيف قال الحافظ ابن حجر وهذا أصح ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بإسناد صحيح اليه فى قصة اجتماع الأنصار مع اسعد بن زرارة رض وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة صلى بهم وذكرهم فسموه يوم الجمعة وذلك قبل قدوم النبي - ﷺ - فقيل كان ذلك بإذن النبي - ﷺ - كما رواه الدار قطنى عن ابن عباس رض قال اذن رسول الله - ﷺ - ان يجمع فكتب الى مصعب بن عمير رض اما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسنتهم فاجمعوا فيه نساءكم وابناءكم فاذا مال النهار عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا الى الله بركعتين قال أول من جمع مصعب حتى قدم رسول الله - ﷺ - وفى سنده احمد بن محمد بن غالب الباهلي وهو متهم بالوضع قال الزهري والمعروف فى هذا المتن الإرسال وقيل كان ذلك باجتهاد الصحابة روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال جمع اهل المدينة قبل ان يقدمها رسول الله - ﷺ - وقبل ان ينزل الجمعة فقالت الأنصار ان لليهود يوما يجمعون فيه كل سبعة ايام وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله ونصلى ونشكر فجعلوا يوم العروبة واجتمعوا الى اسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ وانزل الله عز وجل بعد ذلك إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة قال الحافظ هذا وان كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن رواه ابو داود وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك رض عنه قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي - ﷺ - المدينة اسعد بن زرارة الحديث
صفحة رقم 278
او كان كعب إذا سمع نداء الجمعة ترحم لا سعد بن زرارة قال عبد الرحمن بن كعب قلت لكعب كم كنتم يومئذ قال أربعون فمرسل ابن سيرين يدل على ان أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ولا يمنع ذلك ان يكون النبي - ﷺ - علم بالوحى وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها كما فى حديث ابن عباس والمرسل بعد ذلك ولذلك جمع بهم رسول الله - ﷺ - أول ما قدم المدينة- (قصّة) مقدم النبي - ﷺ - المدينة وأول جمعة صلى روى البخاري عن عائشة رض وابن سعد عن جماعة من الصحابة ان المسلمين بالمدينة لما سمعوا بمخرج رسول الله - ﷺ - من مكة كانوا يخرجون إذا صلح الصبح الى الحرة ينتظرونه حتى تعليهم الشمس على الظلال ويوذيهم والظهيرة وذلك فى ايام حارة حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله - ﷺ - حين دخلوا البيوت فاذا رجل من اليهود على أطم من اطامهم لامر ينظر اليه فنظر رسول الله - ﷺ - فنادى بأعلى صوته يا بنى قبيلة يعنى الأنصار هذا صاحبكم الذي تنتظرون فثاء المسلمون فتلقوا رسول الله - ﷺ - ذلك يوم الاثنين لهلال ربيع الاول اى أول ليلة وفى رواية جرير
بن حازم عن ابى إسحاق لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول وفى رواية ابراهيم بن سعد عن ابن اسحق لاثنى عشر ليلة خلت وعند ابى سعيد لثلث عشرة من ربيع الاول قال الحافظ الأكثر انه قدم نهارا وقع فى رواية لمسلم ليلا ويجمع بان القدوم كان اخر الليل فدخل بها نهارا فنزل رسول الله - ﷺ - بهم قبا فى بنى عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم وابو بكر حبيب بن اساف أحد بنى الحارث فصاح كلثوم بغلام له يا نجيع فقال رسول الله - ﷺ - نجحت يا أبا بكر وكان لكلثوم بن هدم بقبا مربد يعنى الموضع الذي يبسط فيه التمر ليجف فاخذه رسول الله - ﷺ - وبناه مسجدا فى الصحيح اقام رسول الله - ﷺ - فى بنى عمرو بن عوف وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وفى رواية عبد الرزاق بنى المسجد بنو عمرو بن عوف وفى الصحيح انه - ﷺ - اقام فيهم بضع عشر ليلة وفيه عن انس اقام فيهم اربع عشرة ليلة وقال ابن اسحق خمس ليال وقال ابن حبان اقام بها الثلثاء والارباع والخميس وخرج يوم الجمعة وقال ابن عباس وابن عقبة ثلث ليال فكانهما لم يعتد اليوم الخروج ولا الدخول وعن قوم من بنى عمرو بن عوف انه اقام اثنين وعشرين يوما روى احمد والشيخان عن ابى بكر وسعد بن منصور عن ابن الزبير وابن إسحاق عن عويمر بن ساعد وغيرهم ان رسول الله - ﷺ - أرسل الى بنى النجار وكانوا إخوانهم لان أم عبد المطلب كانت منهم فجاؤا متقلدين بالسيوف فقالوا لرسول الله - ﷺ - وأصحابه اركبوا امنين مطاعين وكان اليوم يوم الجمعة فركب رسول الله - ﷺ - ناقته القصوى والناس معه
عن يمينه وشماله وخلفه منهم الراكب والماشي فاجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا يا رسول الله أخرجت حلالا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال انى أمرت بقرية تأكل القرى فخلوها اى ناقة فانها مامورة فخرج رسول الله - ﷺ - من قبا يريد المدينة فتلقاه الناس يقولون الله اكبر جاء رسول الله - ﷺ - روى البيهقي عن عائشة جعل النساء والولائد والصبيان يقلن مطلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى الله داع ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع- وروى احمد عن انس انه لما قدم رسول الله - ﷺ - المدينة بعث الحبشة بحرا بها فرحا برسول الله - ﷺ - روى البخاري عن البراء قال ما رايت اهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله - ﷺ - فلم يمر رسول الله - ﷺ - بدار من دور الأنصار الا قالوا هلم يا رسول الله اتى للفرد المنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعوا ويقول انها مامورة خلوا سبيلها فمر ببني سالم فقام اليه عتبان بن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك وهو أخذ بزمام ناقة رسول الله - ﷺ - فقال يا رسول الله انزل فينا العدد والعدة والحلقة ونحن اصحاب العصباء والحدائق والدرك يا رسول الله قد كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا يلجأ إلينا فجعل رسول الله - ﷺ - يتبسم ويقول خلوا سبيلها فانها مامورة فقام اليه عبد الله بن الصامت وعباس بن فضلة فجعلا يقولان يا رسول الله - ﷺ - انزل فينا فيقول بارك الله عليكم انها مامورة فلما اتى مسجد بنى سالم وهو المسجد الذي فى الوادي وادي وانونا قال البغوي أدركته الجمعة فى بنى سالم بن عمرو بن عوف فى بطن واد لهم قد اتخذ اليوم فى ذلك مسجدا فصلاها فى ذلك الوادي قيل كانت أول جمعة صلاها فى المدينة وأول خطبة خطبها فى الإسلام وقيل انه كان يصلى فى مسجد قباء عند ابن سعد انه - ﷺ - لما صلى صلى معه الجمعة ماية نفس ثم أخذ رسول الله - ﷺ - عن يمين الطريق فمر ببني ساعدة فقال سعد بن عبادة والمنذر بن عمر وابو دجانة هلم يا رسول الله الى العز والثروة والقوة والجلد وسعد يقول يا رسول الله ليس من قومى اكثر غدقا ولاقم بير منى مع الثروة والجلد والعد وفيقول رسول الله - ﷺ - يا أبا ثابت خل سبيلها فانها مامورة فمضى واعترضه سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وشبر بن سعد فقالا اين يا رسول الله لا تجاوزنا واعترضه زياد بن لبيد وفروة بن عمر يقولان نحو ذلك فقال خلوا سبيلها فانها مامورة ثم مر
ببني عدى النجاري وهم أخواله فقال ابو سليط وصرفة بن ابى أنيس يا رسول الله نحن أخوالك هلم الى العدد والمنعة مع القرابة لا تجاوزنا الى غيرنا يا رسول الله ليس أحد من قومنا اولى بك لقرابتنا بك فقال خلوا سبيلها فانها مامورة فصارت حتى وازيت دار بنى عدى
ابن النجار قامت اليه وجوههم ثم مضى حتى انتهى الى باب المسجد فبركت على باب مسجد النبي - ﷺ - فجعل جبار ابن صخر ينجسفها رجاء ان تقوم فلم يفعل فنزل رسول الله - ﷺ - فقال عليه الصلاة والسلام اى بيوت أهلنا اقرب فقال ابو أيوب هذا المنزل إنشاء الله تعالى فنزل رسول الله - ﷺ - وقال اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين قال اربع مرات روى الطبراني عن ابن الزبير ينزل رسول الله - ﷺ - فى منزل ابى أيوب ونزل معه زيد بن حارثة قال ابن اسحق فى المبتدا وابن هشام فى التيجان ان بيت ابى أيوب الذي نزل فيه رسول الله - ﷺ - مقدمة المدينة بناه تبع الاول وكان معه اربعمائة أحبار فتعاقدوا على ان لا تخرجوا منها فسالهم تبع عن سر ذلك فقالوا انا نجد فى كتابنا ان نبيا اسمه محمد - ﷺ - هذه دار هجرته فنحن نقيم لعلنا نلقاه فاراد تبع الاقامة معهم ثم بدأ له فعمر لكل واحد من أولئك دارا او اشترى له جارية وزوجها منه وأعطاه ما لا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه وفيه شهد على احمد انه رسول الله - ﷺ - بارى النسم فلولا عمرى الى عمره لكنت وزيرا او ابن عمرو ختم بالذهب ودفعه الى كبيرهم وساله ان يدفعه الى النبي - ﷺ - ان أدركه والا فمن أدركه من ولده وولد ولده وبنى للنبى - ﷺ - دارا لينزلها إذا قدم المدينة فدار الدار الى اعلائك الى ان صارت لابى أيوب وهو من ولد ذلك العالم واهل المدينة الذين نصروه من أولاد أولئك العلماء ويقال ان الكتاب الذي فيه الشعر كان عند ابى يوسف حتى دفعه الى رسول الله - ﷺ - وهو غريب فيما نزل رسول الله - ﷺ - الفاء فى بيته والله تعالى اعلم- (مسئلة) قيل المراد بهذا النداء فى الاية الاذان عند قعود الامام على المنبر للخطبة لحديث ابن يزيد قال كان النداء يوم الجمعة اوله إذا جلس الامام على المنبر على عهد النبي - ﷺ - وابى بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء وتسميته ثالثا باعتداد الاقامة ثانيا فعلى هذا قيل السعى الى الجمعة وترك البيع ونحوه انما يجب بالنداء الثاني والصحيح ان السعى وترك البيع ونحوه يجب بالأذان الاول لعموم قوله تعالى إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة وصدقه على الاذان الاول ايضا فَاسْعَوْا يعنى فامضوا وكان عمر بن الخطاب يقرأ فامضوا وكذلك هى فى قراءة ابن مسعود وقال الحسن اما والله ما هو بالسعي عن الاقدام ولقد نهوا ان يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وعن قتادة فى هذه الاية انه قال السعى ان تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها قال الله تعالى فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعنى فلما مشى معه وقال الله تعالى وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ
صفحة رقم 281
وقال الله تعالى ان سعيكم اى عملكم لشتى وقد نهى رسول الله - ﷺ - السعى بمعنى العدو عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ايتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا رواه الستة فى كتبهم وروى احمد وما فاتكم فاقضوا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ يعنى الصلاة وقال سعيد بن المسيب هو موعظة الامام يعنى الخطبة وَذَرُوا الْبَيْعَ أراد ترك ما يشغل عن الصلاة والخطبة وانما خص البيع بالذكر لاشتغالهم غالبا بعد الزوال فى الأسواق بالبيع والشراء فلو عقد البيع فى الطريق وهو يمشى الى الجمعة لا بأس به ذلِكُمْ اى السعى الى الصلاة وترك ما يشغل عنه خَيْرٌ لَكُمْ من البيع والشراء وغير ذلك إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مصالح أنفسكم شرط مستغن عن الجزاء بما مضى (مسئله) يحرم البيع عند أذان الجمعة اجماعا حيث يوجب الإثم وهل يصح انعقادا قال مالك واحمد لا ينعقد وقال ابو حنيفة والشافعي ينعقد وهذه المسألة مبنية على مسئلة اصولية فان النهى عن الافعال التي لا وجود
لها الا باعتبار الشرع كالصلوة فى الأرض المغصوبة والبيع ونحو ذلك بالشرط الفاسد يوجب القبح بغيره فيقتضى صحة العقد حتى يتحقق الابتلاء عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى لا سيما فى البيع وقت النداء فان القبح هاهنا انما هو لامر مجاور لا فى صلب العقد أصلا فلا يكون البيع فاسدا ايضا كما يكون فاسدا بالشروط الفاسدة وعند اكثر الائمة يوجب القبح لذاته كما ان النهى عن الافعال الحسية كالزنا والسرقة يوجب القبح لذاته اتفاقا لانه الأصل فى المنهي عنه لكن الشافعي فى هذه المسألة وافق أبا حنيفة وقال صح البيع نظرا الى ان النهى انما هو لامر مجاور وهو الاشتغال عن الصلاة والله تعالى اعلم (فصل) اعلم ان الجمعة فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها اما الكتاب فهذه الاية امر فيها بالسعي ورتب الأمر بالسعي للذكر على النداء للصلوة فالظاهر ان المراد بالذكر الصلاة ويجوز ان يراد به الخطبة والاولى ان يراد به الخطبة والصلاة جميعا لصدقه عليها معا واما السنة فحديث ابى هريرة قال قال رسول الله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم يعنى الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد متفق عليه وعن ابى عمرو ابى هريرة قالا سمعنا رسول الله - ﷺ - يقول على أعواد المنبر لينتهين أقوام على ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم وعن ابن مسعود ان النبي - ﷺ - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة
لقد هممت ان امر رجلا يصلى بالناس ثم احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم رواه مسلم وعن طارق بن شهاب قال قال رسول الله - ﷺ - الجمعة حق واجب على كل مسلم فى الجمعة الا على اربعة مملوك او امرأة او صبى او مريض رواه ابو داود وقال طارق راى النبي - ﷺ - ولم يسمع منه قلت فالحديث مرسل صحابى وهو حجة اتفاقا قال النووي الحديث صحيح على شرط الشيخين واخرج البيهقي من طريق البخاري عن تميم الداري قال الجمعة واجبة الأعلى صبى او مملوك او مسافر رواه الطبراني عن الحاكم وابن مردوية وزاد فيه المرأة والمريض وعن ابى جعد الضميري وكانت له صحبة عن النبي - ﷺ - قال من ترك ثلث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وحسنه ابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما وعن عبد الله بن عمر عن النبي - ﷺ - قال من ترك الجمعة من غير عذر كتب منافقا فى كتاب لا يمجى ولا يبدل وفى بعض الروايات ثلثا رواه الشافعي ورواه ابو يعلى بلفظ من ترك ثلث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ورجاله ثقات وعن جابر ان رسول الله - ﷺ - قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فعليه الجمعة الا مريض او مسافر او المرأة او صبى او مملوك فمن استغنى بلهو او تجارة استغنى الله عنه والله غنى حميد رواه الدار قطنى فاجمع العلماء انه فرض على الأعيان وغلط من قال هى فرض كفاية (مسئله) لا يجب الجمعة على المسافر اجماعا وحكى عن الزهري والنخعي وجوبها على المسافر إذا سمع النداء ولا عبد ولا امرأة الا فى رواية عن احمد فى العبد خاصة وقال داود ويجب واختلفوا فى المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه على باب المسجد لحفظ الدابة إذا لم تخل بالحفظ والحجة فى عدم وجوب الجمعة على العبد مطلقا ما مر فى الأحاديث من الاستثناء للمملوك (مسئله) لا تجب الجمعة على الأعمى إذا لم يجد قايدا إليها بالاتفاق فان وجده وجبت عليه عند مالك والشافعي واحمد وابى يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة لا تجب احتج الجمهور بما مر من الأحاديث إذ ليس فيه استثناء الأعمى قلنا هو داخل فى المريض والمريض وكل من كان له عذر او خوف لا تجب عليه الجمعة اجماعا وكذلك الشيخ الكبير ومن كان متعهد المريض قالوا الأعمى إذا وجد قايدا صار قادرا كالبصير قلنا انه غير قادر بنفسه وقدرته بغيره لا يعتبر كالزمن إذا وجد من يحمله (مسئله) يجوز ترك الجمعة بعذر المطر والوحل روى البخاري فى الصحيح عن محمد بن سيرين قال قال ابن عباس لموذنه يوم
المطر إذا قلت اشهد ان
محمد رسول الله فلا تقل حى على الصلاة فقل صلوا فى بيوتكم فكان الناس استنكروا فقال فعله من هو خير منى ان الجمعة عزيمة وانى كرهت ان أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض (مسئله) إذا حضر الجمعة عبدا ومسافر او امرأة او مريض صح عنه الجمعة وسقط عنه الظهر اجماعا (مسئله) تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين إذا لم يكن فيهم حرا ومقيم إذا كانوا فى مصر عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى لا بالنساء والصبيان اجماعا وعند الثلاثة لا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين ولا يتم بهم العدد بل لا بد للجمعة أربعين أحرارا مقيمين او خمسين او ثلثة على اختلاف الأقوال واما المعذورون بالمرض او الخوف او المطر والأعمى او الزمانة فيتم بهم العدد اتفاقا لنا ان الجمعة واجبة على الرجال كلهم دون النساء اجماعا ودون الصبيان لكونهم غير مكلفين لعموم قوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله ولكن رخص فى تركها العبيد والمسافرين واصحاب العذر فمن اتى منهم بالجمعة فقد اتى بالعزيمة فيصح جمعته كالمسافر إذا صام رمضان يتادى من صومه فرضه (مسئله) كره ظهر المعذور والمسبحون فى المصر بجماعة عند ابى حنيفة وقال مالك والشافعي واحمد انه لا يكره بل يسن وكذا من فاته الجمعة بلا عذر والله اعلم (مسئله) الخطبة شرط لانعقاد الجمعة اجماعا لقوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله إذ المراد به الخطبة ومن هاهنا قال ابو حنيفة لو اقتصر فى الخطبة على تسبيحة او تحميدة لكفى لان ذكر الله يعم الطويل والقصير ولا إجمال فيه وهذا الاستدلال ضعيف لاحتمال كون المراد بذكر الله الصلاة فالاولى ان يقال سند الإجماع على اشتراط الخطبة مواظبة النبي - ﷺ - كما نقل إلينا متواترا او مواظبته يقتضى اشتراط ذكر طويل يسمى فى العرب خطبة وبه قال ابو يوسف ومحمد ومالك والشافعي واحمد على انه لو كان المراد بذكر الله الخطبة فالاضافة للعهد والمعنى فاسعوا الى ذكر الله الذي يفعله النبي - ﷺ - فعلى هذا ايضا يشترط ان يكون ذكرا طويلا وما روى ان عثمان صعد المنبر فى أول جمعة وولى الخلافة قال الحمد لله فارتج عليه فقال ابو بكر وعمر كان يعد ان لهذا المقام مقالات وأنتم الى امام فعال أحوج منكم الى امام قوال وسياتيكم الخطب بعد واستغفر الله لى ولكم ونزل وصلى بهم ولم ينكر عليه أحد منهم فاهل الحديث لا يعرفونه والله اعلم (مسئلة) يجب عند الشافعي ومالك الخطبة قايما ويجب الجلسة بين الخطبتين عند الشافعي وقال ابو حنيفة واحمد لا يجب القيام فى الخطبة ولا الجلوس بينهما والدليل على الوجوب النقل المستفيض روى مسلم عن جابر بن سمرة انه راى رسول الله - ﷺ - يخطب قايما على المنبر ثم يجلس ثم يخطب قايما فقال جابر فمن أنبأك انه كان يخطب قاعدا فقد كذب فقد والله
صفحة رقم 284
صليت معه اكثر من الفى صلوة وروى الشافعي عن جابر بن عبد الله كان النبي - ﷺ - يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس وروى مسلم عن جابر بن سمرة كانت للنبى - ﷺ - خطبتان يجلس بينهما يقرأ القران ويذكر الناس عن ابن عمر قال كان النبي - ﷺ - يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة متفق عليه وروى مسلم عن كعب بن عجرة انه دخل المسجد يوم الجمعة وابن أم الحكم يخطب قاعدا فقال انظروا الى هذا الخبيث يخطب قاعدا والله تعالى يقول وإذا رؤا تجارة او لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما احتج ابن همام بهذا الحديث ان القيام ليس بواجب حيث لم يحكم كعب ولا غيره بفساد صلوة ابن الحكم فعلم انه ليس بشرط عندهم والله تعالى اعلم (مسئله) سن ان يشتمل الخطبة على خمسة أشياء حمد الله تعالى والصلاة على رسوله - ﷺ - والوصية بالتقوى وقراءة القران والدعاء للمؤمنين والمؤمنات وكلها واجبة عند الشافعي ويشترط الطهارة فى الخطبتين على الراجح من مذهب الشافعي وعند الجمهور لا يشترط (مسئله) يشترط فى الخطبة حضور واحد عند ابى حنيفة لتحقيق معنى التخاطب وعند الشافعي وغيره لا يجوز للامام ان يبدئ بالخطبة قبل اجتماع العدد وهو الأربعون عند الشافعي او خمسون او ثلثة عند غيره فان نفر واحد منهم قبل افتتاح الصلاة لا يجوز ان يصلى الجمعة بل يصلى الظهر وان عادوا بعد قبل
طول الفصل بنى على ذلك الخطبة وبعد طوله استأنف الخطبة (مسئله) يحرم الكلام فى حال الخطبة لمن حضر الخطبة عند ابى حنيفة ومالك سواء سمع الخطبة او لا يسمع وقال احمد يحرم لمن يسمعها لا من لا يسمعها والمستحب الإنصات وقال الشافعي لا يحرم على من يسمع ايضا لكنه يكره وهل يحرم الكلام على الخاطب فقال ابو حنيفة يحرم الا ان يكون امر المعروف كقصة عمر مع عثمان كذا قال ابن همام وكذا قال الشافعي فى القديم وقال مالك رح جاز الكلام للمخاطب بما فيه مصلحة الصلاة نحو ان يزجر الداخلين عن تخطى الرقاب وان خاطب إنسانا بعينه جاز لذلك الإنسان ان يجيبه كما وقع فى قصة كلام عمر وهو يخطب مع عثمان وسنذكر الحديث فى مسئلة غسل الجمعة وقال احمد يجوز للمخاطب الكلام مطلقا وقد تعارضت الأحاديث فى الباب فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي - ﷺ - قال إذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت وروى احمد عن ابن عباس قال قال رسول الله - ﷺ - من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا فهذين الحديثين يدلان على الحرمة وكذا قوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون واما ما يدل على الإباحة فما روى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن كعب ان الرهط الذي بعثهم رسول الله - ﷺ - الى ابن ابى الحقيق
بخيبر ليقتلوه فقدموا على رسول الله - ﷺ - وهو قائم على المنبر يوم الجمعة فقال لهم حين رائهم افلحت الوجوه فقالوا أفلح وجهك يا رسول الله قال أقتلتموه قالوا نعم فدعى بالسيف الذي قتل به وهو قائم على المنبر فسله فقال أجل هذا طعامه فى ذباب سيفه الحديث قال البيهقي مرسل جيد وروى عن عروة نحوه ثم روى من طريق ابن عبد الله بن انس عن أبيه قال بعثني رسول الله - ﷺ - الى ابن ابى الحقيق نحوه وروى مسلم من حديث ابى رفاعة العدوى قال انتهيت الى النبي - ﷺ - وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه قال فاقبل على وترك خطبة وجعل يعلمنى ثم اثم الخطبة وروى اصحاب السنن الاربعة وابن الخزيمة والحاكم من حديث بريدة قال كان النبي - ﷺ - يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان احمر ان يمشيان ويعثران فنزل رسول الله - ﷺ - من المنبر فحملهما فوضعها بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما وروى ابو داود عن جابر قال لما استوى رسول الله - ﷺ - يوم الجمعة على المنبر قال اجلسوا فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فراه رسول الله - ﷺ - فقال تعال يا عبد الله ابن مسعود عن انس ان رجلا دخل والنبي - ﷺ - يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فاومى الناس اليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام فقال النبي - ﷺ - ماذا اعددت لها قال حب الله ورسوله قال انك مع من أحببت رواه احمد والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وعن انس بينما النبي - ﷺ - يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال فذكر حديث الاستسقاء متفق عليه قال الشافعي رح تعارض الأحاديث يقتضى الكراهة فى المستمع وقال ابو حنيفة أحاديث الآحاد لا يصادم قوله تعالى فاستمعوا له وانصتوا لا سيما إذا تعارضت فقال بالتحريم وذلك أحوط وقال احمد رح الاية والأحاديث لا يدل على تحريم الكلام للمخاطب والله تعالى اعلم (مسئله) لا بأس بالكلام قبل الخطبة وبعد الفراغ لحديث انس قال كان رسول الله - ﷺ - ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلم الرجل فى الحاجة فيكلم ثم يقدم الى مصلاه رواه احمد وقال ابو حنيفة رح يكره مطلقا محتجا بالآثار اخرج ابن ابى شيبة عن على وابن عباس وابن عمر كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الامام (مسئله) إذا جاء رجل والامام يخطب يصلى ركعتين عند الجمهور وينجوز فيهما وقال ابو حنيفة رح لا يصلى لما ذكرنا اثر على وابن عباس وابن عمرو نحو ذلك عن عروة والزهري ولقوله - ﷺ - إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب فقد لغوت قالوا هذا الحديث بدلالة النص يمنع عن الصلاة
صفحة رقم 286
وتحية المسجد لان المنع عن الأمر بالمعروف وهو أعلى من سنة الجمعة
وتحية المسجد منع عنهما بالطريق الأعلى واولى ويرد عليه ان الأمر بالمعروف ان كان ذلك المعروف امرا واجبا فهو اولى من السنة واما إذا كان المعروف مستحبا فليس اولى من السنة والسكوت حين استماع الخطبة غير واجب عند الشافعي فكيف يحتج عليه بدلالة النص وللجمهور حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله - ﷺ - إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والامام يخطب فليركع ركعتين ويتجوز فيهما متفق عليه وفى لفظ مسلم جاء سليك العطفانى يوم الجمعة والنبي - ﷺ - يخطب فجلس فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما وفى الباب عن ابى سعيد لابن حبان وغيره واخرج الطبراني عن ابى ذر انه اتى رسول الله - ﷺ - وهو يخطب فقعد فقال رسول الله - ﷺ - هل ركعت فقال لا قال قم فاركع ركعتين وأجاب ابن همام بان الدار قطنى روى فى سننه عن انس قال رجل دخل المسجد ورسول الله - ﷺ - يخطب فقال له النبي - ﷺ - قم فاركع ركعتين وامسك عن الخطبة حتى فرغ عن صلوته ثم قال أسنده عبيد بن محمد العبدى قولهم فبه ثم اخرج عن احمد بن حنبل ثنا معتمر عن أبيه قال جاء رجل الحديث وفيه ثم انتظروه حتى صلى قال وهذا المرسل وهو الصواب قال ابن همام والمرسل حجة قلت لو صح المرسل فهو واقعة حال لا يعارض اطلاق قوله - ﷺ - إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع وايضا لا يجوز الصلاة عند ابى حنيفة رح بعد خروج الامام مطلقا ولو بعد الفراغ عن الخطبة فعلى تقدير الصلاة حين سكت رسول الله صامم ايضا لا يطابق الحديث مذهب ابى حنيفة رح والله تعالى اعلم (مسئله) اتفقوا على انه لا يجوز الجمعة فى الصحراء الا عند ابى حنيفة رح فى فناء المصر قال حيث له حكم المصر وعلى ان الجماعة شرط فى الجمعة وذلك ماخوذ من لفظ الجمعة واختلفوا فى موضع يقام فيه الجمعة وفى عدد الجماعة الذين ينعقد بهم الجمعة فقال الشافعي واحمد واسحق كل قرية استوطنها أربعون رجلا أحرارا عاقلين بالغين لا يظعنون عنها شيئا ولا ضيفا الا ظعن حاجة يجب عليهم اقامة الجمعة ولا تنعقد الجمعة باقل من أربعين رجلا على هذه الصفة وقال مالك القرية إذا كانت بيوتها متصلة وفيها مسجد وسوق يجب فيها الجمعة ويعتبر فى انعقاد الجمعة عدد الغبراء بهم قرية عادة وقال ابو حنيفة رح لا يصح الجمعة الا فى مصر جامع والمصر هو كل بلد فيها سكك وأسواق ولها رساتيق ووال ينصف المظلوم من الظالم اى بقيد على الانصاف وان كان جابر او عالم يرجع اليه فى الحوادث وقيل ما لا يسع اكبر مساجده اهله مصر والحجة لاشتراط المصر رواه ابن ابى شيبة موقوفا عن على رض لا جمعة ولا تشريق ولا صلوة فطر ولا اضحى الا فى مصر جامع او مدينة عظيمة صححه
ابن حزم وضعفه احمد ويمكن الاحتجاج لاشتراط المصر وعدم جوازه فى القرى ان اهل العوالي كانوا يصلون الجمعة مع النبي - ﷺ - كما فى الصحيح واهل قبا كانوا يصلون معه كذا روى ابن ماجة وابن خزيمة واخرج الترمذي من طريق رجل من اهل قبا من لبيه قال أمرنا النبي - ﷺ - ان نشهد الجمعة من قباء روى البيهقي ان اهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة ولم ينقل عن الصحابة انهم حين فتحوا البلاد واستغلوا بنصب المنابر والجمع الا فى الأمصار دون القرى ولو كان لنقل وصلوته - ﷺ - أول جمعة فى بنى عمرو بن سليم يدل على جواز الجمعة فى قرية قريبة من المصر كما يجوز ان يصلى الجمعة فى اى ناحية من نواحى المصر فكذا يجوز فى فناء المصر والله تعالى اعلم ومحصل الكلام ان قوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله ليس على إطلاقه اجماعا حيث لا يجوز فى البراري ولا فى كل قرية بل فى بعضها فقدره شافعى رح وغيره وقرية مخصوصة كما ذكرنا وقدر ابو حنيفة بالمصر والمصر أخص فاذا صلى الجمعة فى المصر صح الجمعة وسقط الظهر عن الذمة اجماعا وإذا صلى فى قربة دون المصر يقع الشك فى صحة الجمعة ووجوبها وسقوط الظهر فلا يجب الجمعة بالشك ولا بسقط الظهر الثابت فى الذمة يقينا بالشك والله اعلم وما روى الطبراني
وابن عدى عنه - ﷺ - انه قال الجمعة واجبة على كل قرية فيها امام وان لم يكونوا الا اربعة وفى رواية الا ثلثة فليس مما يجوز به الاحتجاج لانه من رواية الحكم بن عبد الله ومن رواية الوليد بن محمد كلاهما عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قال الدار قطنى لا يصح هذا عن الزهري وكل من رواه عنه متروك الوليد والحكم متروكان قال احمد أحاديث الحكم كلها موضوعة وفى سند الحكم مسلمة بن على قال يحيى ليس بشئ وقال النسائي متروك وكذا حديث جابر ابن عبد الله مضت السنة ان فى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة واضحى وفطر فى سنده عبد العزيز بن عبد الرحمن قال احمد اضرب على أحاديثه فانها كذب او قال موضوعة وكذا حديث ابى امامة الجمعة على خمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة رواه الطبراني وفى اسناده جعفر بن الزبير وهو متروك وهيياج من نظام وهو متروك ايضا ورواه البيهقي وفى سنده النحاش وهو واه ايضا واما حديث ابن عباس أول جمعة جمعت بعد جمعة فى مسجد رسول الله - ﷺ - بجواثا قرية بالبحرين رواه البخاري فلا يدل على جواز الجمعة فى كل قرية فان اسم القرية يشتمل المصر وغيره قال الله تعالى لولا انزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم يعنى مكة وطائف ولا شك ان مكة مصر وفى الصحاح ان جواثا حصن بالبحرين فهى مصر إذ لا يخلو الحصن عن حاكم عليهم وعالم وفى المبسوط انها مدينة بالبحرين ولما لم يروا عددا
معينا للجماعة شرطا للجمعة فى حديث صالح للاحتجاج قال الحسن وابو ثور تنعقد الجمعة باثنين لان اثنين فما فوقه جماعة وقال ابو يوسف ومحمد والأوزاعي ينعقد بثلاثة إذا كان فيهم دال وقال ابو حنيفة رح اربعة لان قوله تعالى فاسعوا يقتضى ثلثة وقوله الى ذكر الله يقتضى ذاكرا فذلك اربعة قلت وهذا الاستدلال غير صحيح فان صيغة الجمع انما هو لكون الخطاب عامة لا لاشتراط عدد الجماعة وإلا لزم اشتراط الجماعة فى جميع المأمورات بقوله تعالى واقيموا الصلاة وأتوا الزكوة ونحو ذلك ويمكن ان يقال لا بد فى الجمعة فوق جماعة سائر الصلوات لاشتراط الجماعة فيها ولدلالة لفظ الجمعة عليه ولذا قيل الجمعة جامعة للجماعات واولى الجماعات فى الصلاة اثنان فلا بد ان يكون فى الجمعة ثلثة كما قال ابو يوسف رح ولما كان عند ابى حنيفة الجماعة شرطا والامام اخر قال لا بد ان يكون ثلثة سوى الامام والله تعالى اعلم (مسئله) الوالي او اذنه شرط بصحة الجمعة عند ابى حنيفة رح خلافا لمالك والشافعي واحمد وليس على اشتراط السلطان او اذنه دليلا يعتمد عليه وقد روى مالك رح والشافعي رح عنه وابن حبان بسنده الى ابى عبيدة مولى بنى نظير قال شهدت العيد مع على وعثمان محصور قال الحافظ ابن حجران مدة الحصار كانت أربعون يوما وكان يصلى بهم تارة طلحة وتارة عبد الرحمن ابن عديس وتارة غيرهما قال ابن همام هذا وقعة حال فيجوز كونه عن اذنه كما يجوز كونه بغير اذنه فلا حجة فيه لفريق فيبقى قوله - ﷺ - من تركها وله امام جائرا وعادل الا فلا جمع الله شمله ولا بارك له فى امره الا ولا صلوة له رواه ابن ماجة وغيره حيث شرط فى لزومها الامام كما يفيده قيد الجملة الواقعة حالا قلت هذا حديث رواه ابن ماجة عن جابر مرفوعا وفيه عبد الله العدوى وهو واه وأخرجه البزار من وجه اخر وفيه على بن زيد بن الجدعان قال الدار قطنى ان الطريقين كلاهما غير ثابت وقال ابن عبد البر هذا الحديث واهي الاسناد (مسئله) وقت الظهر شرط لاداء الجمعة عند الجمهور لانها تنوب عن الظهر ويسقط فريضة الظهر بأداء الجمعة فلا يجب ما لم يجب الظهر وما لم يجب لا يقع من الفرض وقال احمد يجوز الجمعة قبل الزوال لحديث سهل بن سعد قال ما كنا نتغدى ولا تقيل الا بعد الجمعة وحديث سلمة بن اكوع كنا نصلى مع رسول الله - ﷺ - الجمعة ثم نرجع فلا نجد للحيطان فيئا نستظل الحديثان فى الصحيحين وحديث انس بن مالك قال كنا نصلى مع رسول الله - ﷺ - الجمعة ثم نرجع للقايلة رواه البخاري
والجواب ان نفى التغدي لا يستلزم كون الجمعة قبل الزوال والاستثناء مبنى على المجاز والمعنى لا نجد للحيطان فيئا نستظل عدم طول الظل بحيث يمشى فيه الراكب والماشي وذلك لا يكون فى أول الوقت ولنا من الأحاديث ما ذكرنا سابقا ان النبي - ﷺ -
كتب الى مصعب بن عمير اما بعد فانظر اليوم الذي يجهر فيه اليهود بالزبور فاجمعوا نساءكم وابناءكم فاذا مال النهار عن نظره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا الى الله بركعتين حديث انس ان النبي - ﷺ - كان يصلى الجمعة حين يميل الشمس رواه البخاري والترمذي وقال صحيح وحديث جابر بن عبد الله قال كنا نصلى الجمعة ثم تذهب الى حجالنا حين تزول الشمس رواه مسلم وحديث سلمة بن الأكوع كنا نجمع مع رسول الله - ﷺ - إذا زالت الشمس الحديث رواه مسلم وعن يوسف بن مالك قال قدم معاذ بن جبل على اهل مكة وهم يصلون الجمعة والفيء فى الحجر فقال لا تصلوا حتى تفئ الكعبة من وجهها رواه الشافعي (مسئله) لو شرع الجمعة فى الوقت وحدها حتى خرج الوقت أتمها ظهرا عند الشافعي رح وقال ابو حنيفة رح يبطل صلوته ويبتدى بالظهر لان الجمعة غير الظهر لا يجوز بناء أحدهما على الاخر وسقوط الظهر بالجمعة يثبت على خلاف القياس فيراعى فيه جميع ما ورد ومنها الوقت وقال مالك رح إذا لم يصل الجمعة حتى دخل وقت العصر صلى فيه الجمعة ما لم تغرب الشمس وان كان لا يفرغ الا بعد غروبها وهو قول احمد ومذهب مالك مبنى على وقت الضروري للظهر الى غروب الشمس كالعصر- (مسئله) يشترط عند ابى حنيفة رح لاداء الجمعة الاذن العام حتى لو ان واليا اغلق باب بلد وجمع بحشمه ومنع الناس من الدخول لا يصح الجمعة عنده خلافا لجمهور العلماء احتج ابن همام فى هذه المسألة باشارة قوله تعالى نودى للصلوة فان النداء يقتضى الاذن وهذا الاستدلال ضعيف فانه تعالى جعل النداء سببا لوجوب السعى الى الجمعة ولا يلزم منه كون النداء شرطا لادائها كما ان قوله تعالى إذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا يدل على وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القران لا على كون الاستماع والإنصات شرطا لجواز القراءة حتى لا يجوز قراءة الامام فى الصلاة والخطبة ان قرأ المقتدى والله تعالى اعلم قلت ويمكن الاستدلال على اشتراط الإعلان والاذن العام بما مران النبي - ﷺ - كتب الى مصعب بن عمير ليصلى بالناس الجمعة فى المدينة ولم يصل بنفسه الكريمة بمكة مع إمكان صلوته الجمعة بأصحابه فى بيته فذلك دليل على ان الإعلان والاذن العام شرط لاداء الجمعة ولم يكن ذلك مقدورا بمكة والله تعالى اعلم (مسئله) من كان مقيما فى قرية لا يقام فيها الجمعة او فى برية هل يجب عليهم حضور الجمعة بالمصر قال ابو حنيفة رح ومحمد رح لا يجب عليه الجمعة مطلقا وقال ابو يوسف رح والشافعي رح واحمد رح واسحق رح ان كان يبلغهم نداء مؤذن جهورى الصوت يوذن فى وقت تكون الأصوات هادنة والرياح يجب عليهم حضور الجمعة كذا قال مالك رح لكن حده بفرسخ وربيعة باربعة أميال وقال ابن همام قال بعض العلماء قدر ميل وقيل قدر ميلين ولم يجده
صفحة رقم 290
الشافعي رح وعن احمد فى التحديد نحو قولهما والحجة بهذا القول عموم قوله تعالى إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا وقوله عليه السلام انما الجمعة على من سمع النداء رواه ابو داود وغيره من عبد الله بن عمرو فى رواية بلفظ الجمعة على من سمع النداء وقال سعيد بن المسيب يجب الجمعة على من اواه الليل وقال الزهري يجب على من كان على ستة أميال وهى رواية عن مالك وفى رواية عن ابى يوسف يجب على ثلثة فراسخ قال فى البدائع هذا حسن ولعل هذين القولين تحديد لمن اواه الليل فانه من كان على ستة أميال او تسعة كان ذهابه ومجيئه اثنا عشرا وثمانية عشر ميلا وذلك مرحلة فان اثنى عشر ميلا ادنى المراحل غالبا وثمانية عشر أكثرهما والحجة لهذا القول حديث ابى هريرة عن النبي - ﷺ - الجمعة على من اواه الليل الى اهله رواه الترمذي والحديث غير قابل للاحتجاج قال احمد لما سمع هذا الحديث استغفر ربك وفى سنده حجاج بن نصير قال ابو حاتم الرازي تركوا حديثه يروى عن
معارك بن عباد وقال ابو حاتم أحاديثه منكرة وقال ابو درعة واهي الحديث يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري قال يحيى بن سعيد الشيباني كذبه فى مجلس وقال يحيى بن معين ليس بشئ لا يكتب حديثه والاحتجاج على وجوب الجمعة على من سمع النداء وعلى من اواه الليل بصلوة اهل العوالي مع النبي - ﷺ - وصلوة اهل قبا معه كما ذكرنا وبما روى البيهقي ان اهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة لا يجوز لانه لا يدل على وجوب الجمعة عليهم والظاهر انهم كانوا يجمعون مع النبي - ﷺ - إحراز الفضيلة من غير وجوب واماما رواه الترمذي من طريق رجل من اهل قبا عن أبيه وكان من الصحابة قال أمرنا النبي - ﷺ - ان نشهد الجمعة من قبا ففيه رجل مجهول (مسئله) إذا وقع العيد يوم الجمعة قال احمد اخر حضور صلوة العيد عنا الجمعة ويصلون الظهر وقال عطاء يسقط الجمعة والظهر معا فى ذلك اليوم فلا صلوة بعد العيد الا العصر والأصح عند الشافعي رح ان من حضر العيد من اهل القرى جاز لهم ان ينصرفوا بعد العيد ويتركوا الجمعة واما اهل البد وفلا يسقط عنهم الجمعة وقال ابو حنيفة رح ومالك لا يسقط الجمعة بصلوة العيد عمن وجب عليه الجمعة أصلا واحتج احمد بحديث زيد بن أرقم قال رسول الله - ﷺ - العيد أول النهار ثم رخص فى الجمعة ثم قال من شاء ان يجمع الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع لا يجوز ان يسقط بحديث احاد وكيف ينوب النافلة عن الفريضة وفى الباب عن ابن عمر اجتمع عيد ان على عهد رسول الله - ﷺ - فصلى بالناس ثم قال من شاء ان يأتي الجمعة فلياتها ومن شاء ان يتخلف فليتخلف وفيه مبدل بن على ضعيف وقبازة بن المفلس قال
يحيى بن معين كذاب وحديث ابى هريرة نحوه وفيه بقية مدلس روى الحديثين ابن الجوزي (مسئله) من كان من اهل الجمعة وأراد السفر بعد الزوال لم يجز له الخروج الا إذا تمكن الجمعة فى طريقه او يتضرر تخلفه عن الرفقة وقبل الزوال جاز له السفر عند ابى حنيفة رح ومالك رح وقال الشافعي رح لا يجوز مطلقا وقال احمد رح لا يجوز الا ان يكون سفر جهاد واحتج من قال بعدم الجواز بحديث ابن عمر مرفوعا من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملئكة ان لا يصحب فى سفره وفيه ابن بهيعة ضعيف واحتج من جواز السفر لمن أراد الغزو بحديث ابن عباس انه - ﷺ - بعث عبد الله بن رواحة فى سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلى قال له رسول الله - ﷺ - ما خلفك قال أردت ان أصلي معك وألحقهم فقال لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم رواه احمد والترمذي وأعله الترمذي بالانقطاع وقال البيهقي انفرد به الحجاج ابن ارطاة وهو ضعيف واحتج من قال بالجواز بما روى ابو داود فى المراسيل عن الزهري انه أراد ان يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له فى ذلك فقال ان النبي - ﷺ - سافر يوم الجمعة وروى الشافعي من عمر انه راى رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول لولا ان اليوم يوم الجمعة لخرجت فقال له عمر اخرج فان الجمعة لا يحبس عن سفر وروى سعيد بن منصور ان أبا عبيد بن الجراح سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة قال ابو حنيفة رح الجمعة يجب بعد الزوال فلا يجوز الخروج بعد الوجوب ويجوز قبله يدل على ذلك حديث الزهري وابن عمرو الله تعالى اعلم (مسئله) لا يجوز فى بلدة وان عظم اكثر من جمعة واحده عند ابى حنيفة رح وبه قال الطحاوي رح وهو مذهب مالك رح والقول القديم للشافعى رح وكذا روى اصحاب الافلاء عن ابى يوسف رح انه لا يجوز فى مصر الا ان يكون فيه نهر كبير حتى يكون كمصرين ولذا كان يأمر بقطع الجسر تبعدا فان لم يكن فالجمعة لمن سبق فان صلوا معا فسدتا وعنه انه يجوز فى موضعين إذا كان المصر عظيما لا فى ثلثة وقال احمد إذا عظم البلد وكثر اهله كبغداد جاز فيه جمعتان وان لم يكن بهم حاجة الى اكثر من جمعة لم يجز وقيل ان البغداد كان فى الأصل قرى متفرقة فى كل قرية جمعة ثم اتصلت
العمارة بينها فبقيت الجمعة على حالها والراجح المتأخر من اقوال الشافعي رح ان البلد إذ اكبر وعسر اجتماع اهله فى موضع واحد جاز اقامة جمعة اخرى بل يجوز التعدد بحسب الحاجة وعن محمد بن الحسن انه يجوز تعددها مطلقا ورواه عن ابى حنيفة رح قال السرخسي رح الصحيح من مذهب ابى حنيفة رح جواز إقامتها فى مصر واحد فى مسجدين واكثر قال ابن همام وبه ناخذ لاطلاق لا جمعة الا فى مصر شرط المصر
فاذا تحقق تحقق فى كل ناحية منها وجه رواية المنع انها سميت جمعة لاستدعائها استجماع الجماعات فهى جامعة لها قال الأثرم لاحمد اجمع جمعتين فى مصر قال لا اعلم أحدا فعله قال ابن المنذر لم يختلف الناس ان الجمعة لم يكن تصلى فى عهد النبي - ﷺ - وفى عهد الخلفاء الراشدين الا فى مسجد النبي - ﷺ - وفى تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم فى مسجد واحد من البيان بان الجمعة خلاف ساير الصلوات وانه لا يصلى الا فى مكان واحد ولا اعلم أحدا قال بتعدد الجمعة غير عطاء وذكر الخطيب فى تاريخ بغداد ان أول جمعة أحدثت فى الإسلام فى بلد مع قيام الجمعة القديمة فى ايام المعتم فى دار الخلافة من غير بناء مسجد لاقامة الجمعة وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم فى المسجد العام وذلك فى سنة ثمانين ومائتين ثم بنى فى ايام المكتفي مسجد فجمعوا فيه وذكر ابن عساكر فى تاريخ دمشق ان عمر كتب الى ابى موسى والى عمرو بن العاص والى سعد بن ابى وقاص ان يتخذوا مسجدا جامعا ومساجد للقبائل فاذا كان يوم الجمعة انضموا الى المسجد الجامع فشهد الجمعة (فائدة) قال ابن همام إذا اشتبه على الناس وجود شرائط الجمعة ينبغى ان يصلى أربعا بعد الجمعة ينوى بها اخر فرض ظهر أدركت وقته ولم أود بعد فان لم يصح الجمعة وقعت ظهره فرضا وان صحت كانت نفلا (باب) ما ورد من الاخبار فى سنن الجمعة وفى ساعة الجمعة (مسئله) غسل يوم الجمعة سنة وحكى عن مالك وداود انه واجب لحديث ابى سعيد الخدري ان رسول الله - ﷺ - قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم متفق عليه وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - إذا جاء أحدكم الى الجمعة فليغتسل متفق عليه والحديث مشهور بل متواتر عد ابو القاسم بن مندة من رواه عن نافع عن ابن عمر فبلغوا فوق ثلاثمائة وعد من رواه عن ابن عمر فبلغوا اربعة عشر صحابيا وأجيب بان الأمر للاستحباب ومعنى الوجوب اللزوم على وجه السنة بقرينة اقترانه بما لا يجب فيما رواه احمد من حديث ابى سعيد مرفوعا ان الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك وان يمس من الطيب ما يقدر عليه وفى الصحيحين عن عائشة كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون كهيئتهم فقيل لهم لو اغتسلوا والدليل على عدم وجوب الغسل حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله - ﷺ - من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل رواه احمد واصحاب السنن وابن خزيمة وقال الترمذي حديث حسن ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي - ﷺ - مرسلا وحديث ابى هريرة مرفوعا
صفحة رقم 293
من توضأ فاحسن الوضوء ثم اتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له ما بين الجمعة الى الجمعة وزيادة ثلثة ايام رواه مسلم ولا شك ان الأحاديث الدالة على عدم الوجوب ليست فى القوة مثل أحاديث الوجوب لكن عمل الصحابة واجماع الامة على عدم الوجوب يثبت ان أحاديث الوجوب اما منسوخة او ماولة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمران عمر بينما هو قائم فى الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر اية ساعة هذه قال انى شغلت فلم انقلب الى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على ان توضأت فقال والوضوء ايضا وقد علمت ان رسول الله - ﷺ - كان يأمر بالغسل قال ابن الجوزي والرجل عثمان ولم ينكر عمر على عثمان فى ترك الغسل ولم ينكر أحد فظهر ان الغسل سنة ليس بواجب وأحاديث التي يحتج بها للوجوب ماولة وليست بمنسوخة ولو كانت منسوخة لم يقل عمران رسول الله - ﷺ - كان يأمر بالغسل فان المنسوخ لا يحتج به فظهر ان الأمر للاستحباب والسنية والله تعالى اعلم (مسئله) سن يوم الجمعة اربع ركعات قبل الجمعة واربع بعدها عند ابى حنيفة رح وقال
ابو يوسف رح بعدها ست ركعات ومحمد قيل مع ابى يوسف ولا دليل على اربع قبل الجمعة الا عموم انه كان - ﷺ - يصلى إذا زالت الشمس أربعا ويقول هذه الساعة يفتح فيها أبواب السموات فاحب ان يصعد لى فيها عمل صالح رواه ابن ماجة عن ابى يوسف بإسناد حسن والقياس على الظهر وقد صح انه - ﷺ - كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة رواه البخاري وابو داود والنسائي عن عائشة واما الصلاة بعد الجمعة فقد صح عن ابن عمران النبي - ﷺ - كان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين فى بيته رواه مالك والشيخان فى الصحيحين وابو داود والنسائي وفى سنن ابى داود عن ابن عمر انه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم يتقدم فيصلى أربعا وإذا كان بالمدينة فصلى الجمعة ثم رجع الى بيته فصلى ركعتين فقيل له كان رسول الله - ﷺ - يفعل ذلك قال ابن همام فالظاهر ان السنة سنة غير ان ابن عمر لم يعلم كل ما كان يفعله النبي - ﷺ - بمكة فاذا كان مسافرا كان يصليها فى المسجد فيعلم ابن عمرو به قال ابو يوسف رح وابو حنيفة رح أخذا بما روى عن ابن مسعود انه كان يصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا قاله الترمذي فى الجامع واليه ذهب ابن المبارك والثوري وفى صحيح مسلم عن ابى هريرة عن النبي - ﷺ - إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها اربع ركعات والله تعالى اعلم (مسئله) عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب
ان كان عنده ولبس من احسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله ان يركع فانصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها رواه ابو داود ورواه البغوي وقال قال ابو هريرة وزيادة ثلثة ايام لان الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وروى البخاري نحوه عن سلمان بغير زيادة ثلثة ايام وعن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة اجر صيامها وقيامها رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الاول فالاول فاذا خرج الامام طويت الصحف واستمعوا الخطبة والمهجر الى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذي يليه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة رواه البغوي وفى الصحيحين نحوه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه ادخل الجنة وفيه اخرج منها ولا تقوم الساعة الا فى يوم الجمعة رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله - ﷺ - ان فى الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسال الله فيها خيرا الا أعطاه إياه متفق عليه وزاد مسلم قال وهى ساعة خفيفة وفى رواية لهما قال ان فى الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلى يسال الله خيرا فيها الا أعطاه إياه وعن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول فى شان ساعة الجمعة هى ما بين ان يجلس الامام الى ان يقضى الصلاة رواه مسلم وعن ابى هريرة قال خرجت الى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثنى عن التورية وحدثته عن رسول الله - ﷺ - فكان مما حدثته ان قلت قال رسول الله - ﷺ - خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه اهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة الا وهى مصيحة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة الا الجن والانس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى يسأل الله شيئا الا أعطاه إياه قال كعب ذلك فى كل سنة يوم فقلت بل فى كل جمعة فقرأ كعب التورية فقال صدق رسول الله - ﷺ - قال ابو هريرة فلقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسى مع كعب الأحبار وما حدثته فى يوم الجمعة فقلت قال كعب ذلك فى
كل سنة قال عبد الله بن سلام كذب كعب فقلت له ثم قرأ كعب التورية فقال هى فى كل جمعة فقال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت اية ساعة هى قال
ابو هريرة فقلت أخبرني ولا تضن على فقال عبد الله بن سلام هى اخر ساعة فى يوم الجمعة قال ابو هريرة فقلت له وكيف يكون اخر ساعة فى يوم الجمعة وقال رسول الله - ﷺ - لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى فيها وتلك الساعة لا يصلى فيها فقال عبد الله بن سلام الم يقل رسول الله - ﷺ - من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو فى صلوة حتى يصلى قال ابو هريرة فقلت بلى قال فهو ذاك رواه مالك وابو داود والترمذي والنسائي وعن أوس بن أوس قال قال رسول الله - ﷺ - أن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فاكثروا على من الصلاة فان صلوتكم معروضة على قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلوتنا عليك وقد رمت قال ان الله تعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والبيهقي وعن ابى لبابة عن ابن المنذر قال قال النبي - ﷺ - ان يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال خلق الله آدم واهبط الله فيه آدم الى الأرض وفيه توفى الله آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا الا أعطاه ما لم يسال حراما وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولاسماء ولا ارض ولا رياح ولا جبال ولا بحير الا وهى مشفق من يوم الجمعة رواه ابن ماجة وروى احمد عن سعد بن معاذ ان رجلا من الأنصار اتى النبي - ﷺ - فقال أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير قال فيه خمس خلال وساق الى اخر الحديث وعن ابى هريرة قال قيل لاى شىء سمى الجمعة قال ان فيها طبقت طينة أبيك أدم وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة وفى آخرها ثلث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له رواه احمد وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله - ﷺ - أكثروا الصلاة علىّ يوم الجمعة فانه مشهود يشهده الملائكة وان أحدا لم يصل علىّ الا عرضت علىّ صلوته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال ان الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء فبنى الله حى يرزق رواه ابن ماجة وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - ﷺ - ما من مسلم يموت يوم الجمعة او ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وليس اسناده بمتصل وعن انس قال كان رسول الله - ﷺ - يقول ليلة الجمعة ليلة أغر ويوم الجمعة يوم أزهر رواه البيهقي فى الدعوات الكبير (فائدة) ذكر الحافظ ابن حجر فى فتح الباري فى ساعة الجمعة بضعة وأربعين قولا واختار الجزري صاحب الحصن منها ما رواه مسلم من حديث ابى موسى هى ما بين ان يخرج الامام الى ان يقضى الصلاة واختار اكثر العلماء ما ذكر من حديث ابى هريرة عن عبد الله بن سلام هى اخر ساعة من يوم الجمعة
صفحة رقم 296