آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

أحدهما: لأنها متقدمة، ومنها: دحيت الأرض على ما ذكر أهل التأويل.
والثاني: سميت: أم القرى؛ لأنها مقصد الخلق في الحج، وفيها تقضى المناسك، وإليها يقصدون ويأمون، وإليها يتوجهون في الصلوات، وهي مقصد أهل القرى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى) أي: أهل أم القرى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ).
فَإِنْ قِيلَ: أخبر أن من آمن بالبعث يؤمن بهذا الكتاب، وأهل الكتاب يؤمنون بالبعث ولا يؤمنون به، فما معناه؟
قيل: يحتمل هذا وجوهًا:
أحدها: أن يكون هذا في قوم مخصوصين إذا آمنوا بالبعث آمنوا به؛ كقوله: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، هذا في قوم مخصوصين؛ لأنه قد آمن كثير منهم بالإنذار؛ فعلى ذلك الأول.
والثاني: قوله: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالعلم والحجج آمنوا بالقرآن؛ لأن القرآن جاء في تأييد حجج البعث وتأكيده، فلا يجوز أن يؤمنوا بما يؤيده القرآن ولا يؤمنوا بالقرآن.
والثالث: يحتمل أن يكون إخيارا عن أوائلهم: أنهم كانوا مؤمنين بالبعث بالآيات والحجج راغبين فيه، فلما جاء آمنوا به.
وأمكن أن تكون الآية في المؤمنين، أخبر أنهم آمنوا بالآخرة وآمنوا بالقرآن؛ ألا ترى أنه قال: (وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).
ويحتمل أن الذين يؤمنون بالآخرة يحق لهم أن يؤمنوا بالقرآن؛ لأنه به يتزود للآخرة.
ويحتمل غير ما ذكرنا من الوجوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا... (٩٣)
هذا في الظاهر استفهام وسؤال لم يذكر له جواب، لكن أهل التأويل فسروا فقالوا: لا أحد أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا، وهذا جواب له ليس هو تفسيره، لكن ترك ذكر

صفحة رقم 172

الجواب لمعرفة أهل الخطاب به وقد يترك الجواب لمعرفة أهله به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَظْلَمُ): أكثرهم قد ظلموا أو كلهم قد ظلموا؛ لكن كأنه قال: لا أحد أفحش ظلمًا ممن افترى على اللَّه؛ لأنه يتقلب في نعم اللَّه في ليله ونهاره وأحيانه، فهو أفحش ظلمًا وأوحش كذبًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ).
في الآية دلالة أن نافي الرسالة عمن له الرسالة في الافتراء على اللَّه والكذب؛ كمدعي الرسالة لنفسه وليست له الرسالة، سواء، كلاهما مفتر على اللَّه كذبا؛ وكذلك من ادعى أنه ينزل مثل ما أنزل اللَّه، أو من ادعى أنه لم ينزل اللَّه شيئًا، فهو في الافتراء على اللَّه كالذي ادعى أنه ينزل مثل ما أنزل اللَّه النافي والمدعي في ذلك سواء شرعا؛ فعلى ذلك يكون نافي الشيء ومثبته في إقامة الحجة والدليل سواء، واللَّه أعلم.
وذكر أهل التأويل أن قوله: (أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) نزل في مسيلمة الكذاب،

صفحة رقم 173

ونزل قوله: (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) في عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، لكن ليس لنا إلى معرفة هذا حاجة؛ هم وغيرهم ومن ادعى وافترى على اللَّه كذبًا سواء في الوعيد.
وقوله: (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
ادعى بعضهم أنهم يقولون مثل ما قال اللَّه إنكارا منهم له؛ كقوله تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قوله: (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ): نزعات الموت وسكراته وغشيانه (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ): يقول ملك الموت وأعوانه الذين معه من

صفحة رقم 174

ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، (بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ): يقول: ضاربون بأيديهم أنفسهم يقولون لها: اخرجي، يعني الأرواح، وهو قوله: (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) وهو عند الموت؛ وكذلك يقول قتادة.
وقال الحسن: ذلك في النار في الآخرة ضرب الوجوه والأدبار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)، أي: كثرة العذاب وشدته؛ يقال للشيء الكثير: الغمر؛ وهو كقوله؛ (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ)، أي: أسباب الموت، ولو كان هناك موت يموت لشدة العذاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ): بضرب الوبروه والأدبار، (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ): على حقيقة الخروج منها؛ كقوله: (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا)، والأول ليس على حقيقة الخروج، ولكن كما يقال عند نزول الشدائد: أخرج نفسك.
وقال مجاهد: هذا في القتال تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، يعني: الأستاه، ولكنه يكون - وهو كقول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقتادة -: عند الموت.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: غمرات الموت: سكراته وشدائده، والغمر: هو الماء الكثير، والغمر: العداوة، والغمر: الذي لم يجرب الأمور، والغمر: الدسم، والغُمر: القدح

صفحة رقم 175
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية