
وقوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (٩١) ما عظّموهُ حقّ تعظيمه. وقوله تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ يقول: كيف قلتم: لَمْ يُنزل الله عَلَى بشر من شيء وقد أنزلت التوراة عَلَى موسى تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ والقِرطاس «١» فِي هَذَا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: وَلَوْ «٢» نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ يعنى: فى صحيفة.
تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً يقول: تبدونَ ما تُحبون، وتكتمونَ صفة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أُمر مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول قُلِ اللَّهُ أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هُوَ) الله.
وقد يكون قوله قُلِ اللَّهُ جوابًا لقوله: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى، قُلِ اللَّهُ أنزله. وإنما اخترت رفع اللَّهَ بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الَّذِي أمر محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسألهم: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ وليست بِمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جازَ لأنه استفهام، والاستفهام يكون لَهُ جواب.
وقوله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ لو كانت جزمًا لكان صوابًا كما قَالَ ذَرْهُمْ «٣» يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا.
(٢) آية ٧ سورة الأنعام.
(٣) آية ٣ سورة الحجر.

وقوله: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى... (٩٢)
يُقال فِي التفسير: إنّ «١» أمّ القرى مَكَّة.
وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ الْهَاء تكون لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللتنزيل.
وقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً... (٩٣)
يُقال: إنَّها نزلت فِي مسيلمة الكذَّاب، وَذَلِكَ أنه ادّعى النبوة.
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ ومن فِي موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هَذَا ومن هَذَا الَّذِي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح.
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ كتب سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيقول لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سواء حَتَّى أملّ عَلَيْهِ قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «٢» إلى قوله: ثُمَّ «٣» أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقال ابن أبي سَرْح فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجُّبًا من تفصيل خَلق الانْسَان، قَالَ فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أنزِلت عَليّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقًا لقد أوحي إليّ (كما «٤» أوحي إِلَيْهِ) ولئن كَانَ كاذبًا لقد قلتُ مثل ما قَالَ، فأنزل الله تبارك وتعالى فِيهِ: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.
(٢) آية ١٢ سورة المؤمنون.
(٣) آية ١٤ سورة المؤمنون.
(٤) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج.

وقوله: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ويُقال: باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله: يَضْرِبُونَ «١» وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ولو كانت (باسطون) كانت (أيدِيَهُمْ) ولو كانت «باسطو أيديهم أن أخرجِوا» كَانَ صوابًا. ومثله مما تركت فِيهِ أن قوله: يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا وَإِذَا طرحت من مثل هَذَا الكلام (أَن) ففيه القول مُضْمَرٌ كقوله: وَلَوْ «٢» تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يقولون: رَبَّنا.
وقوله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى... (٩٤)
وهو جمع. والعرب تَقُولُ: [قوم «٣» ] فرادى وفرادُ يا هَذَا فلا يُجرونَها، شبهت بثُلاث ورُبَاع. وفرادى واحدها فَرْد، وفِرد، وفريد وفراد «٤» للجمع، ولا يَجوز فرد فِي هَذَا المعنى. وأنشدني بعضهم:
ترى النُعَراتِ الزُّرْقِ تَحت لَبَانه... فُرَادَ ومثْنَى أصعقتها صواهِله «٥»
وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ... (٩٤)
قرأ حمزة ومجاهد بَيْنَكُمْ يريد وصلكم. وَفِي قراءة عبد الله لَقَدْ تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إِذَا جعل الفعل لبين ترك نصبًا كما قالوا: أتاني دونك من الرجال فترك نصبًا وهو فِي موضع رفع لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا
(٢) آية ١٢ سورة السجدة.
(٣) زيادة من اللسان فى عبارة الفرّاء (فرد)
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «فردان» وهو يوافق عبارة اللسان. وكأن الصواب ما أثبت.
يريد أن (فراد) تأتى فى التكرير عند الجمع، وليس كذلك فرد.
(٥) «فراد» كذا فى اللسان، وهو المناسب. وفى ش، ج: «فرادى». وتقدّم البيت.