آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

وقيل: المعنى: الله يعلم من يصلح لنبوته ويختص بالرسالة، كما قال: ﴿وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين﴾ [الدخان: ٣٢].
(ثم قال): ﴿سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ﴾ أي: ذلة، أي: هم وإن كانوا أكابر، فَستُصِيبهُم ذلَّة عند الله، ومعنى ﴿صَغَارٌ عِندَ الله﴾ أي: عند الله صغار. وقيل: المعنى: صغار ثابت عند الله. وقال الفرَّاء: المعنى: صغار من عند الله.
والصغار: المصدر من قول القائل: " صَغَرَ صغاراً ".
قوله: ﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام﴾ الآية.
من قرأ (ضَيْقاً) بالتخفيف، فيحتمل أن يكون مخففاً " ضَيقِ "، مثل (" ميْت، "

صفحة رقم 2176

وميّت ")، ويحتمل أنْ مصدر " ضاقَ ضَيْقاً ".
ومن قرأ (حَرِجاً) بالكسر، فهو اسم الفاعل ل " حَرِجَ يَحَرجُ، فهو حَرِجٌ "، ومن فتحه جعله مصدرا ل " حَرِجَ حَرَجاً ".
ومعنى الكسر: ضَيقاً (ضيّقاً)، وهو الذي قد ضاق فلم يجد منفذاً إلا أن يصعد في السماء، وليس يقدر على ذلك. ومن فتح جعله صفة ل (ضيقاً)، كما يقال: " رجلٌ عدْلٌ " و " رضىً "، فكأنه يجعل صدره شديد الضيق.
ومعنى الآية: من يرد الله أن يهديه للإيمان، ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ﴾ أي: يفسحه ويهون

صفحة رقم 2177

عليه ويُسَهّله.
قال النبي عليه السلام - وقد سُئِلَ عن هذه الآية: " إذا دخل النور القلب، انفسح وانشرح، قالوا: هل لذلك من علامة تعرف؟. قال نعم، الإنابة إلى دار الخلود، و (التجافي عن) دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ".
وقال ابن جريج: " ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام﴾ بلا إله إلا الله ".
﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ﴾ أي: إضلاله عن سبيله، ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً﴾ بخذلانه إياه، وغَلَبةِ الكفر عليه.
والحرج: أشدُّ الضيق، وهو الذي لا ينفذه من شدَّةِ ضيقه شيءٌ "، وهو - هنا - الصدر الذي لا تصل إليهُ موعظة، ولا يدخله نور الإيمان، وأصل (حرجاً)

صفحة رقم 2178

أنه جمع " حَرَجَة " وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء من شدة التفافها.
وسأل عُمَرُ رجلاً من العرب فقال له: ما الحرجة فيكم؟ فقال: الحرجة فينا: الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعيةٌ ولا وحشيّة ولا شيء، فقال عمر: وكذلك قلب المنافق لا يصل اليه شيء من الخير.
وقال مجاهد: معنى ﴿ضَيِّقاً حَرَجاً﴾: شاكاً. وقال قتادة: ملتبساً وقال ابن جبير: لا يجد الإيمان إليه منفذاً ولا مسلكاً.
وهذه الآية (من) أدل دليل على أن قدرة الطاعة غير قدرة المعصية، وأن كلا القدرتين من عند الله تعالى، لأنه أخبر أنه يشرح صدر من أراد (هدايته، ويضيق صدر من أراد) دَفْعَهُ عن الإيمان، فَتَضْيِيقُه للصدر منع الإيمان، ولو كان

صفحة رقم 2179

يوصل إلى الإيمان مع تضييق الصدر عنه، لم يكن بين تضييقه وشرحه فرق.
وقوله: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء﴾: هذا مثل ضربه الله لصدر الكافر في شدة ضيق صدره عن قبول الإسلام ونفوره عنه، فهو بمنزلة من تكلَّف ما لا يُطِيْقُهُ، كما أن من تكَلَّف صعود السماء تكلَّفَ ما لا يُطَاق.
ومعنى التشديد - على قراءة من شدد: أنه أتى به على " يَتَفَعَّل " ثم أدغم كأنه يتكلف شيئاً بعد شيء، وكُلُّهُ لا يطيقه.
ومن قرأ (يَصّاعد) أراد " يتصاعد "، ثم أدغم، ومعناه: كأنه يتعاطى ما لا يقدر عليه، لأن الله قد خذله عن أن يقبل الإيمان، وضيّق صدره عن قبوله.

صفحة رقم 2180
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية