آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﱿ

كما حصلت لمحمد عليه الصلاة والسلام، وأن يكونوا متبوعين لا تابعين.
ولكن الله تعالى أبان لهم أنهم غير أهل للنبوة، وأنهم أيضا سيتعرضون للهوان والذل، والإلقاء في جهنم، وهذا عقاب المعرضين عن اتباع الأنبياء، استكبارا وعتوا وعلوا في الأرض.
سنّة الله في المستعدّين للإيمان وغير المستعدّين وجزاء الفريقين بعد بيان الحق ومنهجه
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٥ الى ١٢٨]
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)
الإعراب:
ضَيِّقاً مفعول ثان ل يَجْعَلْ. حَرَجاً من قرأ بفتح الرّاء جعله مصدرا، ومن قرأ بكسرها جعله اسم فاعل، وهو صفة منصوب لقوله ضَيِّقاً. كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ في موضع الحال من الضمير في حرج وضيق.

صفحة رقم 36

مُسْتَقِيماً منصوب على الحال المؤكّدة من: صِراطُ، وإنّما كانت مؤكّدة لأن صراط الله تعالى لا يكون مستقيما.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَوْمَ: منصوب بفعل مقدر، تقديره: واذكر يوم نحشرهم.
وجَمِيعاً: منصوب على الحال من الهاء والميم في نحشرهم.
النَّارُ مَثْواكُمْ يجوز أن يكون المثوى مصدرا بمعنى الثواء وهو الإقامة، ويجوز أن يكون مكانا أي مكانا للإقامة، فإذا كان مصدرا كان هو العامل في الحال: خالِدِينَ فِيها، وإذا كان مكانا كان العامل في الحال معنى الإضافة لأن معناه المضامّة والمماسّة، مثل قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً [الحجر ١٥/ ٤٧]، وقوله تعالى: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [الحجر ١٥/ ٦٦] وليس في التّنزيل حال عمل فيها الإضافة إلا هذه المواضع الثلاثة.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ما: في موضع النصب على الاستثناء المنقطع، فإن جعلت ما لمن يعقل لم يكن منقطعا.
البلاغة:
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ فيه إيجاز بالحذف أي أفرطتم في إضلال وإغواء الإنس. ومثله اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ أي استمتع بعض الإنس ببعض الجنّ، وبعض الجنّ ببعض الإنس.
النَّارُ مَثْواكُمْ تعريف الكلمتين لإفادة الحصر.
المفردات اللغوية:
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يوسّعه لقبول الإيمان والخير، أو يقذف في قلبه نورا، فينفسخ له ويقبله، كما ورد في حديث، والمراد جعل النفس مهيأة لقبول الحقّ فيها. ضَيِّقاً ضدّ الواسع.
حَرَجاً بفتح الرّاء وكسرها: شديد الضيق، من الحرجة: وهي الشّجر الكثير الملتف بحيث يصعب الدّخول فيه. يَصَّعَّدُ أو يصّاعد أي يتصاعد في السماء، ويسبح في الفضاء، وكأنّما يزاول أمرا غير ممكن إذا كلف الإيمان، لشدّته عليه. كَذلِكَ الجعل. يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ أي يسلط الله العذاب أو الشيطان، وأصل الرّجس: كل ما يستقذر حسّا أو شرعا أو عقلا.
وَهذا منهج محمد ودينه. صِراطُ رَبِّكَ أي طريقه الذي ارتضاه لخلقه. مُسْتَقِيماً لا اعوجاج فيه ولا زيغ. قَدْ فَصَّلْنَا بيّنا. لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي يتّعظون، وخصّوا بالذّكر لأنهم المنتفعون.
لَهُمْ دارُ السَّلامِ أي دار السّلامة، وهي الجنّة. وَلِيُّهُمْ متولّي أمورهم وكافيهم ما يهمّهم. يا مَعْشَرَ المعشر: القوم والرّهط وهو الجمع من الرجال فحسب. قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ

صفحة رقم 37

الْإِنْسِ
اسْتَكْثَرْتُمْ أخذتم الكثير بإغوائكم. وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ الذين أطاعوهم في وسوستهم.
اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ أي انتفع الإنس بتزيين الجنّ لهم الشّهوات، والجنّ بطاعة الإنس لهم.
وَبَلَغْنا أَجَلَنَا وصلنا يوم البعث والجزاء أو الموت. خالِدِينَ فِيها الخلود: المكث الطويل غير المحدد بوقت.
النَّارُ مَثْواكُمْ مأواكم. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم، فإنه خارجها، كما قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات ٣٧/ ٦٨] أو ينقلون من عذاب النار إلى عذاب الزّمهرير. حَكِيمٌ في صنعه. عَلِيمٌ بخلقه.
المناسبة:
هذه الآيات استمرار في مناقشة مواقف تعنّت المشركين والرّدّ عليهم وتفنيد حججهم وشبهاتهم، وهي الآن تحسم الأمر، فتوضح أنهم ليسوا أهلا للإيمان، وغير مستعدّين لقبوله، كما أوضح في الآية السابقة أنهم غير أهل للنّبوة. وعلى كلّ حال: طريق الحقّ قد بان لكلّ ذي بصيرة، ومنهج الاستقامة الذي يرضي الله قد تجلّى لكلّ البشريّة، فمن قبله فله دار السّلامة، ومن أعرض عنه فله عذاب النار. وقبل هذا الجزاء يوجد الحشر والحساب، وإقامة الحجّة على الكفار.
التفسير والبيان:
عرف من الآية السابقة أن المشركين سيلقون جزاء عنادهم وغرورهم، وهنا كلمة الفصل: وهي أن الأمر كله لله، فلا يهتمن أحد، ولا يحزن على إعراض المشركين عن دعوة الإسلام، فمن يرد الله أن يوفقه للحقّ والخير والإسلام، ومن كان أهلا بإرادة الله وتقديره لقبول دعوة القرآن، فإنه يشرح صدره له، وييسره وينشطه ويسهله لذلك، كقوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزّمر ٣٩/ ٢٢]، وقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات ٤٩/ ٧].
قال ابن عباس في آية يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ: يقول تعالى: يوسّع

صفحة رقم 38

قلبه للتوحيد والإيمان به. وهو تفسير ظاهر مقبول.
وجاء في حديث رواه عبد الرزاق عن أبي جعفر: وسئل النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: «نور يقذف فيه، فينشرح له وينفسح» قالوا:
فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت».
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري عن أبي جعفر أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: «إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح» قالوا: يا رسول الله، هل لذلك من أمارة؟ قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت» «١».
وإلقاء هذا النور يكون في موضعه: في النفس التي حسنت فطرتها، وطهرت، وكان فيها استعداد للخير، وميل إلى اتباع الحق.
ومن فسدت فطرته بالشرك، وتدنست بالآثام يجد في صدره ضيقا شديدا عازلا له عن الإيمان، كاتما له عن نفاذ الخير إليه، مثله كمثل من يصعد إلى السماء في طبقات الجو العليا حيث يشعر بضيق شديد في التنفس، وكأنما يزاول أمرا غير ممكن، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة، وتضيق عنه المقدرة.
وكما يجعل الله صدر من أراد إضلاله لفقد استعداده للإيمان ضيقا حرجا، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله، فيغويه ويصده عن سبيل الله سبيل الحقّ «٢». والرجس: كما قال مجاهد: كل

(١) تفسير الطبري: ٨/ ٢٠
(٢) المرجع السابق: ٨/ ٢٤

صفحة رقم 39

مالا خير فيه، أو كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: العذاب باعتبار أنه الفعل المؤدي إلى الرجس، من الارتجاس وهو الاضطراب. وقال الزمخشري: الرجس يعني الخذلان ومنع التوفيق.
وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً أي وهذا الإسلام الذي يشرح له صدر من يريد هدايته، هو طريق ربك الذي ارتضاه للناس واقتضته الحكمة، وأكد ذلك بقوله: مُسْتَقِيماً أي طريقا سويا لا اعوجاج فيه لأن صراط الله تعالى لا يكون إلا مستقيما، وغيره من السبل معوج منحرف، كما
قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث أحمد والترمذي عن علي في وصف القرآن: «هو صراط الله المستقيم، وحبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، والنور المبين».
قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي قد وضحناها وبيناها وفسرناها لقوم لهم فهم ووعي يعقلون عن الله ورسوله.
ولهؤلاء القوم الملتزمين طريق الاستقامة دار السلامة والطمأنينة وهي الجنة لأنهم التزموا منهج الأنبياء عِنْدَ رَبِّهِمْ أي يوم القيامة. والله وليهم أي متولي أمورهم وكافيهم، جزاء على صالح أعمالهم.
واذكر يا محمد فيما نقصه عليك وتنذرهم به يوم نحشر الإنس والجن جميعا، ونقول: يا جماعة الجن قد استكثرتم من إغواء الإنس وإضلالهم، كما قال تعالى:
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً، أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس ٣٦/ ٦٢]. ويقول الذين أطاعوا الجن واستمعوا إلى وسوستهم وتولوهم، من الإنس، في جواب الله تعالى: انتفع كل منا بالآخر، انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم.
وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا أي الموت، أو أنهم يعنون يوم البعث. وهذا

صفحة رقم 40

الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين، واتباع الهوى، والتكذيب بالبعث، أي أن المقصود من الكلام: أننا في هذا اليوم الرهيب وهو يوم البعث والجزاء، اعترفنا بذنوبنا، فاحكم فينا بما تشاء، وأنت أحكم الحاكمين، ولقد أظهرنا الحسرة والندامة على ما كان منا من تفريط في الدنيا.
فأجابهم الحق تعالى: النار مأواكم ومنزلكم أنتم وإياهم وأولياؤكم، وأنتم ماكثون فيها مكثا مخلدا الأبد كله، إلا ما شاء الله من الخروج خارج النار لشرب الحميم أو الانتقال من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، وكل من الحالين انتقال من عذاب إلى عذاب، روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض، فيتعاوون، ويطلبون الرد إلى الجحيم. إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فيما يجازي به الناس عَلِيمٌ بما يستحقه كل فريق.
وهي نظير قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ، إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود ١١/ ١٠٧].
ويحسن الأخذ في تفسير هذه الآية وما هنا بما رواه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيان عن ابن عباس قال: «إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا» «١».
فقه الحياة أو الأحكام:
آية: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ... تدل على إثبات الإرادة لله عز وجل في هداية الإنسان وتوفيقه للإيمان والحق والخير.
وتمسك أهل السنة بهذه الآية في بيان أن الضلال والهداية من الله تعالى، أي بخلقه وإيجاده، بمعنى أن العبد قادر على الإيمان، وقادر على الكفر، فقدرته

(١) تفسير الطبري: ٨/ ٢٦ [.....]

صفحة رقم 41

بالنسبة إلى هذين الأمرين حاصلة على السوية، لكن هذه القدرة منوطة بحصول باعث في النفس، وداعية في القلب تدعو إما إلى الإيمان، وإما إلى الكفر، وذلك الباعث أو الداعية هو علمه أو اعتقاده أو ظنه بكون ذلك الفعل مشتملا على مصلحة أو ضرر، فإن تكوّن في قلبه الميل إلى المصلحة أو المنفعة، فعل الشيء، وإن تكوّن في قلبه الميل إلى الضرر أو المفسدة، ترك الشيء، وحصول هذه الميول أو الدواعي لا يكون إلا من الله تعالى، ومجموع القدرة البشرية مع الداعي الإلهي يوجب الفعل.
وعلى هذا لا يصدر الإيمان عن العبد إلا إذا خلق الله في قلبه اعتقاد أن الإيمان راجح المنفعة زائد المصلحة أي تكوين القناعة الذاتية، وإذا حصل في القلب هذا الاعتقاد، مال القلب، ورغب في تحصيله، وهذا هو انشراح الصدر للإيمان «١».
وهذا متفق مع ما ذكرت في تفسير الآية من
حديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن شرح الصدر إذ قال: «هو نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له وينفسح».
وقد ضرب الله تعالى مثلا في هذه الآية: وهو تشبيه المتلكئ عن الإيمان، المتثاقل عن الإسلام بمنزلة من يصّعد في السماء، فقد شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يطاق، أو أن الكافر إذا طولب بالإيمان تضايق وكان حاله كحال الصاعد في السماء، كلما ارتفع وخف الضغط الجوي عليه، ضاق نفسه، وهذه نظرية علمية حديثة معروفة الآن فقط، وقد أشار إليها القرآن.
ومثل جعل صدر الكافر شديد الضيق، كذلك يلقي الله العذاب

(١) تفسير الرازي: ١٣/ ١٧٧- ١٧٨

صفحة رقم 42

والخذلان، أو اللعنة في الدنيا، والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون بآيات الله تعالى.
والثابت المقرر المقطوع به: أن ما أنت عليه يا محمد والمؤمنون بك هو صراط الله المستقيم أي دين ربك لا اعوجاج فيه.
وللمتذكرين آيات الله، والمتدبرين براهينه بعقولهم، والمؤمنين المعتبرين المنتفعين بالآيات: دار السلام أي الجنة، التي يسلم فيها المؤمن من الآفات، كما سلم من الاعوجاج في الدنيا، ومعنى عِنْدَ رَبِّهِمْ أنها مضمونة لهم عنده، يوصلهم إليها بفضله، والله هو وليهم أي ناصرهم ومعينهم.
وفي يوم الحساب تتبدد وتتقطع صلات الوصل والمنافع بين الإنس والجن الذين ينتفع كل منهم بالآخر، فاستمتاع الجن من الإنس: أنهم تلذذوا بطاعة الإنس وإياهم، واستمتاع الإنس من الجن: قبولهم وساوس الشياطين وإطاعتهم لهم حتى زنوا وشربوا الخمور بإغواء الجن إياهم. ومعنى الآية هنا: تقريع الضالين والمضلين وتوبيخهم في الآخرة على أعين العالمين.
وأما خلود الكفار في النار فمرجعه إلى مشيئة الله، هذا ما أرجحه، أي أن خلودهم بمشيئة الله. وقد قيل في استثناء إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أقوال كثيرة، رجح الزجاج والطبري منها: استثناء أوقات المحاسبة لأن في تلك الأحوال ليسوا بخالدين في النار، لأن معنى الاستثناء إنما هو من يوم القيامة، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم، ومقدار مدتهم في الحساب، فالاستثناء منقطع.
والقول الثاني- المراد الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، روي أنهم يدخلون واديا فيه برد شديد، فهم يطلبون الرد من ذلك البرد إلى حر جهنم.

صفحة رقم 43
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية