
الزانيات المعلنات يضعن رايات على محلهنّ علامة على ذلك، والباطن هو الزنى بالأخدان وهو أن يتخذ الرجل صديقة له من الأجانب فيأتيها سرا إذا كان لها زوج وعلنا إن لم يكن لها زوج أو ولي أما الخدن التي لا زوج لها ولا ولي فهي من قسم الزانيات المعلنات أو أن الظاهر طواف الرجال بالبيت نهارا عراة والباطن طواف النساء به ليلا عراة وغير ذلك أقوال لا مستند لها ولا مناسبة لها في هذه الآية التي لا يوجد ما يقيدها بشيء من ذلك، في عامة لهذه الأشياء وغيرها من جميع الآثام كبيرة كانت أو صغيرة،
قال تعالى «وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» هذا نهي عام أيضا لا يستثنى منه إلا النسيان والخطأ والإكراه والشك في التسمية، وذبيحة الكتابي مستثناة أيضا روي أنه صلّى الله عليه وسلم سئل عن متروك التسمية نسيانا فقال كلوا فان تسمية الله تعالى في قلب كل مسلم وقال صلّى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ان هنا أقواما حديثا عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان فما ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا قال أذكروا أنتم وكلوا، فعلى هذا ليس لنا أن نقول انهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم وهم أهل كتاب بل نعتقد أنهم يذكرون كيف وقد قال تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) الآية ٥ من سورة المائدة في ج ٣.
مطلب النهي عن كل ما لم يذكر اسم الله عليه والحكم الشرعي في التسمية وما هو مفعولها.
أما ترك التسمية عمدا على الذبيحة فيحرم أكلها بنص هذه الآية لأن عدم ذكرها ظاهرا عمدا ينفي تخطرها في قلبه وإن ما جاء في الخبر ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله تعالى أو لم يذكر محمول على النسيان لا على العمد لأن فيها تهاونا وعدم مبالاة وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك «وَإِنَّهُ» أي كل متروك التسمية عمدا «لَفِسْقٌ» خروج عن طاعة الله «وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ» يسرون ويشيرون «إِلى أَوْلِيائِهِمْ» من المشركين بذلك «لِيُجادِلُوكُمْ» فيه جهلا وعنادا «وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ» أيها المؤمنون في تناول شيء مما حرم عليكم دون

مسوغ أو أكلتم مما ذكر اسم الصنم عليه وحده أو مع الله «إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ١٢١» مثلهم، لأن الله لا يقبل الشركة معه وان من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به ومن آمن به وأشرك معه غيره فقد أشرك وكفر أيضا هذا ومن أول هذه الآية بغير ما ذكرناه فقد خالف ظاهرها وكلف نفسه ما لا يعنيها وعرضها للخطأ ولا سيما وان هنا مزالق الأقدام لأنك إذا أرخيت للعنان لنفسك تبعها هواها فتسترسل في كتاب الله فاياك أن تتجاوز حده فاحفظ نفسك حفظك الله «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً» من كان قلبه ميتا بالكفر لأن الكافر في حكم الميت «فَأَحْيَيْناهُ» بالإيمان والمعرفة «وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً» في قلبه يستضيء به طريقه بدل الكفر والضلال الكامنين فيه فصار «يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ» أي بينهم آمنا منهم بما هو عليه من الإيمان الكامل «كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ» ظلمة الكفر وظلمة الجهل وظلمة القلب «لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها» أي ليس هذا وذاك سواء وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، لأن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتا فأحيي وأعطي نورا يهتدي به في مصالحه فهو في مخبأة من المهالك والكافر بمنزلة المنغمس في الظلمات يبقى متحيرا لا يعرف كيف يتخلص منها، قال ابن عباس رضي الله عنه نزلت هذه الآية في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وفي أبي جهل بن هشام لأنه قبحه الله أمر عقبة ابن أبي معيط بأن يرمي النبي صلّى الله عليه وسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل فغضب وأقبل على أبي جهل وصار يضربه بالقوس فطفق أبو جهل يتضرع إليه ويقول له يا أبا يعلى أما تراه سفه عقولنا وأحلامنا وآلهتنا، فقال ومن أسفه منكم عقولا تعبدون الحجارة من دون الله، وأسلم في ذلك اليوم رضي الله عنه وأرضاه، وهناك أقوال أخر بأنها نزلت في النبي صلّى الله عليه وسلم أو في عمر أو في عثمان وأبي جهل أو في عامة المؤمنين والكافرين والأول أولى لنبوت واقعة إسلام حمزة فيه وهي أيضا عامة في كل مؤمن مهتد وفي كل كافر ضال، لأن خصوص نزولها لا يقيد عمومها «كَذلِكَ» كما زين للمؤمن إيمانه «زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٢٢» من الكفر والمعاصي و «كَذلِكَ» مثل ما جعلنا في مكة كبراء للمكر والكيد «جَعَلْنا» أيضا «فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها» أي مجرمين أكابر
صفحة رقم 400
من اضافة الصفة إلى الموصوف وقيل إن مجرميها بدل من أكابر وقيل مفعول أول وأكابر مفعول ثاني لأنه معرفة فيتعين أنه المبتدأ بحسب الأصل، والأول أولى، وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم أقدر على المكر والكيد وترويج الباطل بين الناس من غيرهم، وإنما حصل ذلك لأجل الرياسة وقد جرت سنة الله أن ينقاد الناس لرؤسائهم في الجاه والمال وكثرة الأنصار وأن يكون اتباع الرسل أول أمرهم ضعفاؤهم «لِيَمْكُرُوا فِيها» ليتجبروا على الناس بالمكر والخديعة والحيل والغرور والفجور وأنواع المكايد «وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ» لأن المكر يحيق بصاحبه راجع الآية ٦٣ من سورة فاطر في ج ١، «وَما يَشْعُرُونَ ١٢٣» أن مكرهم يعود عليهم ويضرهم قال بعض الأفاضل ويدخل في المكر الغيبة والنميمة والكذب وترويج الباطل بين الناس والأيمان الكاذبة وغيرها «فَإِذا جاءَتْهُمُ» بلغت هؤلاء المشركين، من آيات الله المنزلة على رسوله «آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ» بها وحدها ولا نؤمن «حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ» من النبوة ويأتينا جبريل بالوحي من عند الله، قال تعالى ردا على هؤلاء الفسقة «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» ومن هو صالح لنبوته وخلافته على خلقه فيشرفه بها وهذا مما يؤيد أنهم طلبوا النبوة لا كما قاله الغير من أنهم طلبوا نزول الملائكة
فقط لتشهد برسالة محمد صلّى الله عليه وسلم. وقد نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة حين قال زاحمنا بني عبد المطلب في الشرف حتى صرنا كفرسي رهان، قالوا منّا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه.
ولا مانع بأن يكون نزولها فيهما معا، وهذا من المكر الذي تضمنته هذه الآية الشريفة السابقة. قال أهل المعاني: الأبلغ في تصديق الرسل أن لا يكونوا قبل البعثة مطاعين لأن الطعن يتوجه عليهم فيقال إنهم كانوا رؤساء فاتبعهم قومهم، فكان الله تعالى أعلم بمن يستحقها فجعلها في محمد بن عبد الله وهو يتيم ويوجد من أهله من هو أقدم منه في الرياسة لقومه ولم يجعلها في المجرمين الأكابر كأبي جهل والوليد «سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا» من هؤلاء المتطاولين «صَغارٌ» ذل وهوان «عِنْدَ اللَّهِ» في الآخرة غير الذي حل بهم في الدنيا «وَعَذابٌ شَدِيدٌ»

فيها أيضا غير عذاب القتل والأسر والجلاء في الدنيا وذلك «بِما كانُوا يَمْكُرُونَ ١٢٤» بسبب مكرهم وصدهم وطلبهم ما لا يستحقونه وتمنيهم على الله الأماني مع إصرارهم على الكفر واستخفافهم بالإيمان بالله وبمن يأمرهم به «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ» للإيمان «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ» فيوسعه وينوره ويصيره مستعدا لقبوله فيؤمن.
مطلب ما يوجب ضيق الصدر والمثل المضروب لذلك من معجزات القرآن:
أسند الطبري عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله حين نزلت هذه الآية عن شرح الصدر قال نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح. قيل فهل لذلك أمارة؟ قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت. «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً» حتى لا يدخله الإيمان لأنه يشمئز من ذكر الله ويرتاح لذكر الأوثان، والحرج هو المكان الضيق والغابة الأشجار الملتفة التي لا يصل إليها شيء من الحيوانات الراعية السائمة والوحشية- شبه الله قلب الكافر الذي لا يصل إليه الخير بالحرجة الشجرة الملتفة بجامع الضيق في كل، وجعله بحيث لا يعي علما ولا استدلالا على توحيد الله تعالى والإيمان به وفي هذه الآية دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى وإرادته من إيمان المؤمن وكفر الكافر وهو كذلك وقد ألمعنا لهذا في الآية ٣٩- ١٠٧ من هذه السورة وفيها ما يرشدك لمراجعة غيرهما فترى ذلك الضال «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ» وهذا تمثيل لشدة ضيق الصدر على طريق المبالغة إذ شبهه بمن يزاول ما لا يقدر عليه لأن صعود السماء بدون جناحين أو خاصة أكرم بهما وبعض البشر خارج عن دائرة الاستطاعة ولهذا مثل فيه، وفي الآية تنبيه على أن الإيمان يمتنع ممن هذا شأنه كما يمتنع عليه صعود السماء، وقيل كأنه يكلف صعودها إذا دعي للإيمان إذ يرى أن الأرض ضاقت به، وفيها إيذان بأمر آخر وهو أن أو كسجين الهواء ينقص فى طبقات الجو وكلما ارتفع تناقص وأن الإنسان إذا صعد لتلك الطبقة ولو بالطائرة أو غيرها من الآلات المحدثة لا بطريق الكرامة أو المعجزة يشعر فيها بعوارض الاختناق من صعوبة التنفس حتى يقارب إلى أن يترشح الدم من مسام وجوده فتضعف قواه لضعف الضربة الدموية في قلبه، وقد يؤدي ذلك إلى الموت،

وهذا من معجزات القرآن العظيم، إذ لا يوجد زمن الرسول من يعرف هذا أو يخبر عنه حتى يضرب الله تعالى به المثل الذي لم يطلع عليه إلا الماهرون في علم الفلك وطبقات الجو ومن اجتاز طبقة عليا من الطيارين في هذا الزمن قرن العشرين ميلادي والرابع عشر هجري فاعتبروا يا أولي الأبصار وأجيلوا النظر في قوله تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) «كَذلِكَ» مثل ذلك الجعل «يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ» والعذاب الفظيع في الآخرة واللعنة المعقدة في الدنيا «عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ١٢٥» به مثل ما جعل صدورهم ضيقة عن قبول الإيمان وأصل الرجس الشيء القذر ويراد منه الخذلان وكل ما لا خير فيه وفي هذه الآية رد صريح على المعتزلة القائلين بعدم الإرادة والمشيئة كما ذكرنا في الآية ١٢٤ المارة، قال تعالى «وَهذا صِراطُ رَبِّكَ» يا محمد «مُسْتَقِيماً» عدلا فيمن اقتضت حكمته وسنته أن يشرح صدر من شاء من عباده إرادة هدايته من شاء أن يضيق صدره إرادة خذلانه، وهو منصوب على الحال والعامل فيه معنى الإشارة لأن ذا يتضمن معناها كقولك هذا زيد قائما أي أشير إليه حال قيامه، واعلم أنه إذا كان العامل في الحال معنى الفعل لم يجز تقديم الحال عليه فلا يجوز أن تقول قائما هذا زيد ويجوز ضاحكا جاء زيد «قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ١٢٦» بمعانيها فيتعظون بها، وإنما ختم هذه الآية بالتذكر لأنه تقرر في عقل كل أحد أن طرفي الممكن لا يترجح على الآخر إلا بمرجح فكأنه تعالى يقول لأهل الاعتزال تذكروا ما تقرر في عقولكم أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح حتى تزول الشبهة عن قلوبكم بالكلية في مسألة القضاء والقدر وهؤلاء المتذكرون «لَهُمْ دارُ السَّلامِ» الأمان من كل خوف وكدر وهي الجنة أضافها الله تعالى إليه تعظيما لها بقوله «عِنْدَ رَبِّهِمْ» في الآخرة «وَهُوَ وَلِيُّهُمْ» في الدنيا والآخرة «بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٢٦» من الخير «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ» لموقف الحساب في الآخرة «جَمِيعاً» الأنس والجن برهم وفاجرهم فيقول لهم «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ» في الإضلال حتى صيرتموهم أتباعا لكم «وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ» أولياء الجن «مِنَ الْإِنْسِ» الذين أطاعوهم وقبلوا وساوسهم «رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
صفحة رقم 403
بَعْضُنا بِبَعْضٍ»
كما استمتع الجن بدلالتنا على الشهوات المنهي عنها وأوصلونا إليها استمتعنا بطاعتهم وإغوائهم بحيث صار بينهم القبيح والخبيث متقابلا «وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا» في الدنيا وحضرنا يوم الجزاء الذي وعدتنا به وهذا اعتراف بما كان منهم
في الدنيا من طاعة الشيطان واتباع الهوى والتكذيب بالبعث والقضاء زمن الاستمتاع وإبداء زمن الحسرة والندم على مافات، فأجابهم الله بقوله «قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ» مأواكم ومنزلكم ومقركم «خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» من مقدار مبعثهم من قبورهم ومدة حشرهم وزمن حسابهم ووقوفهم إلى وقت دخولهم النار لأن الاستثناء من يوم القيامة المعنى بقوله تعالى ويوم نحشرهم أي منذ يبعثون ولا وجه لقول من قال إلا أوقات نقلهم من النار إلى الزمهرير وبالعكس، أو كلما يستغيثون من عذاب فينقلون لغيره، لأن هذا كله عذاب واختلاف تنوعه يكون فيما بعد يوم القيامة لا فيه، وقال ابن عباس المستثنيون قوم سبق في علم الله أنهم مؤمنون وتقدم بحثهم مستوفيا في الآيتين ١٠٧- ١٠٨ من من سورة هود المارة، والقول الحق أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله تعالى في خلقه أن لا ينزلهم جنة أو نارا لأنه الفعال لما يريد «إِنَّ رَبَّكَ» يا سيد الرسل «حَكِيمٌ» فيما يفعل بأوليائه وأعدائه «عَلِيمٌ ١٢٨» بما يصيرون إليه قبل أن يلقوه «وَكَذلِكَ» مثل ما أنزلنا العذاب بالجن والإنس الذين انتفعوا وتمتعوا ببعضهم في الدنيا في عصياننا وتكذيب رسلنا وإنكار ما جاءوهم به من عندنا «نُوَلِّي» في الآخرة «بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً» في النار ليذوقوا العذاب فيها سوية مثل ما ذاقوا المعاصي في الدنيا «بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ١٢٩» من الآثام وكما جعلنا المؤمنين بعضهم أولياء بعض في الدنيا، فبعضهم كذلك أولياء بعض في الآخرة، كذلك الكفرة بعضهم أولياء بعض في الدنيا وفي الآخرة يتبع بعضهم بعضا ونقول لهم على جهة التوبيخ والتقريع امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»
الذين ضللتم وأضللتم في الدنياَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ»
من جنسكم ليعود الضمير إلى الأخير وهم الإنس لأن الجن لم يرسل لهم رسولا منهم ما عدا الذين سمعوا القرآن من حضرة الرسول وأنذروا به قومهم فهم رسل محمد صلّى الله عليه وسلم إليهم مثل الحواريين الذين أرسلهم عيسى

عليه السلام لبث دعوته باسمه راجع الآية ٣٦ من سورة الأحقاف الآتية والآية ١٣ من سورة يس في ج ١. هذا وإن رجوع الضمير إلى أحد المذكورين جائز في كل ما اتفق في أصله ولما اتفق ذكر الجن والإنس جاز مخاطبتهما بما ينصرف لأحدهما كقوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) الآية ٢٢ من سورة الرحمن في ج ٣ وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب لأن ذكرهما قد جمع في قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) الآية ١٩ منها، والظاهر أنه تعالى أرسل إليهم رسلا منهم لأنهم مكلفون بالعبودية كالبشر الذين أرسل إليهم رسلا منهم، وعليه فإن ما جرينا عليه تأويل على خلاف الظاهر تبعنا فيه أقوال المفسرين الأعلام، والسائق إليه عدم العلم بإرسال رسل إلى الجن منهم من قبل الله تعالى وما جاء في هذه الآية صرف إلى غير الظاهر بما ذكر من التأويل المار ذكره مع أن الآية تدل دلالة صريحة لا غبار عليها أن الله أرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإنس وإذا عرفت أن الجن سكنوا هذه الأرض التي أنت عليها قبل الإنس أي قبل آدم عليه السلام وذريته من بعده آلاف السنين اعترفت بجواز إرسال الرسل إليهم، وأنهم أهلكوا بعد أن عاثوا في الأرض فسادا بعذاب من عند الله كما أهلكت الأقوام العاصية من البشر، يدل على هذا الآية ٣٠ من سورة البقرة في ج ٣ فراجعها، ولما لم يبق منهم إلا إبليس ألحقه الله تعالى بالملائكة لما كان عليه من العبادة والطاعة في الظاهر وشهرته بهما عند الملائكة، قال تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الآية ٥٠ من سورة الكهف الآتية وضمير الجمع في قوله تعالىَ قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي»
بما حللت وحرمت وأوجبت وأبحت ووعدت وأوعدت يؤيد إرسال الرسل إليهم كغيرهم والضمير فيَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا»
أي البعث بعد الموت يؤيد إرسال الرسل إليهم منهم أيضاالُوا»
أي كفار الفريقينَ هِدْنا عَلى أَنْفُسِنا»
بأن الرسل بلغونا آياتك وأنذرونا عقابك وحذرونا هول هذا اليوم، وقد كذبناهم لأنا استبعدنا ما أخبرونا به ولم نصدق الإعادة بعد الموتَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا»
بما فيها من الشهوات المموهة المزخرفةَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
١٣٠» إذ لم يروا بدا من