آيات من القرآن الكريم

وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

ليسدّوا بها أفواه الأزقة. وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جسد الخشب والساج المليح. وأما المؤمنون فداعيهم إزالة متحصنهم ومتمنعهم، وأن يتسع لهم مجال الحرب. فإن قلت: ما معنى تخريبهم لها بأيدى المؤمنين؟ قلت:
لما عرضوهم لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه فَاعْتَبِرُوا بما دبر الله ويسر من أمر إخراجهم وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال. وقيل: وعد رسول الله ﷺ المسلمين أن يورثهم الله أرضهم وأموالهم بغير قتال، فكان كما قال.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٣ الى ٤]
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)
يعنى: أنّ الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل كما فعل بإخوانهم بنى قريظة وَلَهُمْ سواء أجلوا أو قتلوا عَذابُ النَّارِ يعنى: إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٥]
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)
مِنْ لِينَةٍ بيان لما قطعتم. ومحل ما نصب بقطعتم، كأنه قال: أى شيء قطعتم، وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله أَوْ تَرَكْتُمُوها لأنه في معنى اللينة. واللينة: النخلة من الألوان، ضروب النخل ما خلا العجوة «١» والبرنية، وهما أجود النخيل، وياؤها عن واو، قلبت لكسرة ما قبلها، كالديمة. وقيل: «اللينة» النخلة الكريمة، كأنهم اشتقوها من اللين.
قال ذو الرمّة:

(١). ذكر الزمخشري فيه تفسيرين أحدهما أنه النخل ما عدا العجوة والبرني وهما خير النخل... الخ. قال أحمد:
والظاهر أن الاذن عام في القطع والترك، لأنه جواب الشرط المضمر لهما جميعا ويكون التعليل باجزاء الفاسقين لهما جيعا، وأن القطع يحسرهم على ذهابها والترك يحسرهم على بقائها للمسلمين ينتفعون بها، فهم في حسرتين من الأمرين جميعا.

صفحة رقم 500

كأنّ قتودى فوقها عشّ طائر على لينة سوقاء تهفو جنوبها «١»
وجمعها لين. وقرئ: قوّما، على أصلها. وفيه وجهان: أنه جمع أصل كرهن ورهن. أو اكتفى فيه بالضمة عن الواو. وقرئ: قائما على أصوله ذهابا إلى لفظ ما فَبِإِذْنِ اللَّهِ فقطعها بإذن الله وأمره وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ولبذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها، وذلك أنّ رسول الله ﷺ حين أمر أن تقطع نخلهم وتحرق قالوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فكان في نفس المؤمنين من ذلك شيء «٢». فنزلت، يعنى: أنّ الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا ويتصرفون فيها ما شاءوا. واتفق العلماء أنّ حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة. وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. فإن قلت: لم خصت اللينة بالقطع؟ قلت: إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد وأشق.
وروى أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار «٣». وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك،
(١). لذي الرمة يصف ناقته: والقتود عبدان الرحل بلا أذاته. تتخذ من القتاد وهو شجر صلب ذو شوك.
واللينة: النخلة. والسوقاء: طويلة الساق. وهفا الريح والبصير يهفو: عدا بسرعة والجنوب: نوع من الريح، والضمير للينة: شبه عيدان الرجل فوق الناقة بعش الطائر فوق النخلة، ويلزم من ذلك تشبيه الناقة بالنخلة في الطول والنجابة. وهو المقصود، فلو قيل: إن استعمال التشبيه الأول في الثاني من باب المجاز، أو إرادة الثاني من الأول من باب الكناية لم يكن بعيدا. وفي ذلك إشارة لتشبيه بالطائر في الحذر والتيقظ. وفي قوله «تهفو جنوبها» دلالة على سرعة سير الناقة، واختراقها للرياح كسرعة سير الريح على النخلة، فهي مخترقة له، كأنها سائرة فيه بسرعة.
(٢). أخرجه ابن إسحاق في المغازي والطبري من طريقه: حدثنا يزيد بن رومان فذكره. وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق من غير ذكر شيخه: ورواه ابن مردويه من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس.
وذكر الواقدي في المغازي «أن الذي أرسل إلى النبي ﷺ هو حيي بن أخطب» وروى أبو داود في المراسيل من طريق عبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم نحوه مختصرا.
(٣). لم أجده بهذا السياق لكن للبخاري في الواقدي، واستعمل على قطع النخل وحرقها رجلين من أصحابه:
أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام فكان أبو ليلى يقطع العجوة وكان الآخر يقطع اللون. فقيل لهما في ذلك. فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم وقال ابن سلام: قد عرف أن الله سيغنمهم أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم فأنزل الله الآية. وروى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد قال «نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا: إنما هو من مغانم المسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو. فنزل القرآن.

صفحة رقم 501
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية