
سورة الحشر
وتسمى سورة بنى النضير، وهي مدنية بالإجماع، وعدد آياتها أربع وعشرون آية، وتشتمل السورة على قصة إجلاء بنى النضير، وحكم الفيء في الإسلام، وموقف المنافقين من بنى النضير، ثم وعظ المسلمين بالتقوى وموجباتها.
إجلاء بنى النضير [سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥) صفحة رقم 641

المفردات:
سَبَّحَ لِلَّهِ أى: نزهه وقدسه. لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: في وقت أوله، أى: عند الحشر الأول، والثاني إخراجهم من خيبر إلى الشام. حُصُونُهُمْ، جمع حصن وهو: ما يمنع صاحبه من العدو. يَحْتَسِبُوا أى: لم يخطر لهم على بال. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أى: ألقى فيها الخوف إلقاء كإلقاء الحجارة في البئر.
الْجَلاءَ: الخروج الجماعى. شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: عادوه حتى كأنهم في شق وهو في شق. لِينَةٍ هي: النخلة مطلقا، وقيل: هي الكريمة فقط، وقد تطلق على أغصان الشجر.
إجلاء بنى النضير يحتاج فهمه إلى مقدمة تاريخية بسيطة، تتلخص في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حينما هاجر إلى المدينة وادع اليهود، وعقد معهم العهود على أن لا يقاتلهم، ولا يقاتلوه. وظل الحال كذلك حتى وقع ما جعل المسلمين يحاصرون بنى قينقاع ويجلونهم عن المدينة، عقب غزوة بدر، ثم كانت غزوة أحد التي هزم فيها جيش المسلمين، وكان لهذا أثر عميق في نفوس المنافقين واليهود، وقبائل العرب مما كان سببا في حوادث تتابعت كيوم الرجيع- وفيه قتلت هذيل ثلاثة من خيار الصحابة وأسرت ثلاثة قتلت منهم واحدا في الطريق، وباعت اثنين لقريش قتلوهما، وهما زيد بن الدثنة وخبيب- ويوم بئر معونة، وفيه قتل من المسلمين أربعون غيلة. ووجد المنافقون واليهود فيما أصاب المسلمين في بئر معونة والرجيع، وغزوة أحد ما شجعهم على الانتقاص من محمد وصحبه، ووجدوا ما أضعف في نفوسهم هيبته، وفكر النبي صلّى الله عليه وسلّم كثيرا في هذا الأمر، وعمل على تقوية الجبهة الداخلية حتى لا يكون هناك خلاف في وجهة النظر في المدينة وما حواليها، ورأى النبي من الحكمة السياسة أن يستطلع نوايا اليهود فذهب يوما إلى بنى النضير يسألهم المعونة في دية قتيلين قتلهما أحد المسلمين خطأ وهما من بنى عامر حلفائهم، ذهب إليهم في عشرة من أصحابه.
فلما ذكر لهم ما جاء من أجله أظهروا الغبطة والسرور، إلا أنهم بدت فيهم حركة مريبة وأنهم يدبرون قتله على يد عمر بن جحش بن كعب اليهودي بواسطة حجر يلقيه على النبي من فوق السطح وهو جالس بجوار الجدار، فلما أطلعه الله على ذلك خرج الرسول وحده وقصد المدينة، وظن من معه من الصحابة أنه قام لبعض شأنه فلما

استبطئوا النبي طلبوه فعلموا أنه قصد المدينة ودخل المسجد، فلما ذكر ما رابه من أمر اليهود، ومن اعتزامهم الغدر به، قرر المسلمون إجلاءهم من المدينة حتى يهدأ الجو، ويصفو، فأرسل النبي لهم محمد بن مسلمة وقال لهم على لسان الرسول: «اخرجوا من بلادي لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي ولقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ضاقت الدنيا في وجه بنى النضير وتشاوروا في أمرهم وبينا هم كذلك إذ جاءهم رسول عبد الله بن أبى المنافق يشير عليهم بالبقاء والتحصن، ويعرض عليهم ألفين من قومه وغيرهم، فانتهى الأمر فيما بينهم إلى التحصن بالحصون، وظنوا أنها تمنعهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
أما المسلمون فساروا إليهم وحاصروهم عشرين ليلة، وأمر النبي المسلمين أن يقطعوا نخلهم ويحرقوه حتى لا تبقى اليهود متعلقة بأموالها متحمسة لديارها، وجزع اليهود، ونادوا يا محمد: قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من يصنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها!! وفي ذلك نزل قوله: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها الآية.
المعنى:
يخبر الحق- تبارك وتعالى- بأن جميع ما في السموات وما في الأرض يسبحه ويقدسه ويصلى له ويوحده، وينقاد له ويسجد تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ «١» وكيف لا يكون ذلك كذلك! وهو العزيز الجناب الحكيم الفعال، ومن مظاهر هذا إجلاء بنى النضير الذي ذكر في قوله تعالى بما معناه: هو الحق سبحانه الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب- وهم بنو النضير- من ديارهم وأموالهم بعد ما نقضوا العهود، وعادوا الرسول والمؤمنين، أخرجهم في وقت الحشر الأول من ديارهم.
سبحانه أخرج بنى النضير من ديارهم رغم كثرة عددهم، ووفرة عددهم، وقرب بنى قريظة وأهل خيبر منهم، وعرض المنافقين مساعدتهم عليهم، لهذا كله ما ظن المسلمون أنهم يخرجون، وقد ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله إذا جاءهم، فما أغنى عنهم من ذلك شيء أبدا، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب، وكيف لا... ! والنبي نصر بالرعب من مسيرة شهر، فكان ما أراد