آيات من القرآن الكريم

وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة ويحصنوا ما خرّبه المسلمون من الأسوار، والثاني ليحملوا معهم ما أعجبهم من الخشب والسواري وغير ذلك. الثالث أن لا تبقى مساكنهم مبنية للمسلمين فهدموها شحا عليها فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ استدل الذين أثبتوا القياس في الفقه بهذه الآية، واستدلالهم بها ضعيف خارج عن معناها
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا الجلاء هو الخروج عن الوطن، فالمعنى لولا أن كتب الله على بني النضير خروجهم عن أوطانهم لعذبهم في الدنيا بالسيف كما فعل بإخوانهم بني قريظة، ولهم مع ذلك عذاب النار شَاقُّوا ذكر في الأنفال.
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ اللينة هي النخلة وقيل: هي الكريمة من النخل، وقيل: النخلة التي ليست بعجوة، وقيل: ألوان النخل المختلط، وسبب الآية أن رسول الله ﷺ لما نزل على حصون بني النضير قطع المسلمون بعض نخلهم، وأحرقوه فقال بنو النضير: ما هذا إلا فساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد، فنزلت الآية معلمة أن كل ما جرى من قطع أو إمساك فإن الله أذن للمسلمين في ذلك لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعني بني النضير، واستدل بعض الفقهاء بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب، فإن الله قد صوب فعل من قطع النخل ومن تركها، واختلف العلماء في قطع شجر المشركين وتخريب بلادهم فأجازه الجمهور لهذه الآية، ولإقرار رسول الله ﷺ على تحريق نخل بني النضير، وكرهه قوم لوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه الجيش الذي وجهه إلى الشام أن لا يقطعوا شجرا مثمرا.
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ معنى أفاء الله:
جعله فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوجفتم من الوجيف وهو سرعة السير، والركاب هي الإبل، والمعنى أن ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير لم يمش المسلمون إليه بخيل ولا إبل ولا تعبوا فيه ولا حصلوه بقتال، ولكن حصل بتسليط رسوله ﷺ على بني النضير، فأعلم الله من هذه الآية أن ما أخذه من بني النضير وما أخذه من فدك: فهو فيء خاص بالنبي ﷺ يفعل فيه ما يشاء، لأنه لم يوجف عليها، ولا قوتلت كبير قتال. فهما بخلاف الغنيمة التي تؤخذ بالقتال فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لنفسه من أموال بني النضير قوت عياله، وقسم سائرها في المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا غير أن أبا دجانة وسهل بن حنيف شكوا فاقة فأعطاهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منها سهما، هذا قول جماعة، وقال عمر بن الخطاب كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله.

صفحة رقم 358

وقال قوم من العلماء: وكذلك كل ما فتحه الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة يأخذون منه حاجتهم ويصرفون باقيه في مصالح المسلمين، ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية اضطرب الناس في تفسير هذه الآية وحكمها اضطرابا عظيما فإن ظاهرها أن الأموال التي تؤخذ للكفار تكون لله وللرسول ومن ذكر بعد ذلك ولا يخرج منها خمس، ولا تقسم على من حضر الوقيعة وذلك يعارض ما ورد في الأنفال من إخراج الخمس، وقسمة سائر الغنيمة على من حضر الوقيعة فقال بعضهم: إن هذه الآية منسوخة بآية الأنفال، وهذه خطأ لأن آية الأنفال نزلت قبل هذه بمدة. وقال بعضهم: إن آية الأنفال في الأموال التي تغنم ما عدا الأرض، وأن هذه الآية في أرض الكفار. قالوا:
ولذلك لم يقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض مصر والعراق بل تركها لمصالح المسلمين، وهذا التخصيص لا دليل عليه وقيل: غير ذلك، والصحيح أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال، فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإيجاف الخيل والركاب، فهذا يخرج منه الخمس ويقسم باقية على الغانمين، وأما هذه الآية ففي حكم الفيء وهو ما يؤخذ من أموال الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، وإذا كان كذلك فكل واحدة من الآيتين في معنى غير معنى الأخرى. ولها حكم غير حكم الأخرى فلا تعارض بينهما ولا نسخ، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء وفي الأنفال لفظ الغنيمة وقد تقرر في الفقه الفرق بين الفيء والغنيمة، وأن حكمهما مختلف، قاله أبو محمد بن الفرس: وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال.
وأما فعل عمر في أرض مصر والعراق، فالصحيح أنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين بعد استطابة نفوس الغانمين بقوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى يريد بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كما كانت أموال بني النضير، ولكنه حذف هذا لقوله في الآية قبل هذا: فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، فاستغنى بذكر ذلك أولا عن ذكره ثانيا، ولذلك لم تدخل الواو العاطفة في هذه الجملة لأنها من تمام الأولى فهي غير أجنبية منها فإنه بين في الآية الأولى حكم أموال بني النضير، وبين في هذه الآية حكم ما كان مثلها من أموال غيرهم على العموم، ويصرف الفيء فيما يصرف فيه خمس الغنائم لأن الله سوّى بينهما في قوله: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وقد ذكرنا ذلك في الأنفال فأغنى عن إعادته، وقد ذكرنا في الأنفال معنى قوله: لله وللرسول وما بعد ذلك كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ
أي كيلا يكون الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة ينتفع به الأغنياء دون الفقراء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإنهم كانوا حينئذ فقراء، ولم يعط الأنصار منها شيئا، فإنهم كانوا أغنياء فقال بعض الأنصار: لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل

صفحة رقم 359
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية