منصور، حدّثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحرث الواسطي ببغداد، حدّثنا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي، حدّثنا سفيان الثوري عن يزيد بن ابان عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً قال: «عجائزكنّ في الدنيا عمشا رمصا فجعلهن إبكارا» «١».
وقيل هي الحور العين.
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا عمر بن الخطاب، حدّثنا محمد بن عبد العزيز بن عبد الملك العثماني، حدّثنا العباس، حدّثنا الوليد عبد الله بن هارون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الحور العين من تسبيح الملائكة فليس فيهن أذى»
«٢» [١٩٨] قال الله عزّ وجل إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً عواشق لأزواجهن أَتْراباً.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٣٨ الى ٧٨]
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢)
فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧)
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢)
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من الأمم الماضية وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
أخبرني الحسين، حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق، حدّثنا محمد بن الوليد القرشي وعيسى بن المساور واللفظ له قالا: حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا عيسى بن موسى أبو محمد وغيره، عن عروة بن دويم قال: لما أنزل الله عزّ وجل على رسوله ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ بكى عمر رضي الله عنه فقال: يا نبي الله ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ؟ آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منّا قليل فأنزل الله عزّ وجل ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فدعا رسول الله عمر فقال: «يا بن الخطاب قد أنزل الله عز وجل فيما قلت، فجعل: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ.
فقال عمر: رضينا عن ربنا ونصدق نبينا.
(٢) كنز العمال: ١٤/ ٥١٩ ح ٣٩٤٦٨.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آدم إلينا ثلة ومني إلى [يوم] القيامة ثلة ولا يستتمها إلّا سودان من رعاة الإبل من قال لا إله إلّا الله» [١٩٩] «١».
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير، حدّثنا بشر، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيد عن قتادة قال الحسن: حدّثني عمر بن أبي حصين عن عبد الله بن مسعود قال: تحدثنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة حتى أكرينا الحديث ثم رجعنا إلى أهلنا فلما أصبحنا غدونا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأتباعها من أمتها، وكان النبي يجيء معه الثلاثة من أمته والنبي معه العصابة من أمّته والنبي معه النفر من أمّته والنبي معه الرجل من أمته والنبي ما معه من أمّته أحد حتى أتى موسى في كبكبة بني إسرائيل، فلما رأيتهم أعجبوني فقلت: أي رب من هؤلاء؟ قيل: هذا أخوك موسى بن عمران ومن حفه من بني إسرائيل.
قلت: ربي فأين أمتي؟ قيل: انظر عن يمينك فإذا ظراب «٢» مكة قد سدّت بوجوه الرجال.
فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء أمّتك أرضيت؟ فقلت: رب رضيت، قيل: انظر عن يسارك فإذا الأفق قد سدّ بوجوه الرجال.
فقلت: رب من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت: رب رضيت، فقيل: إن مع هؤلاء سبعين ألفا من أمتك يدخلون الجنة. لا حساب عليهم.
قال: فأنشأ كاشة بن محصن- رجل من بني أسد بن خزيمة فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم فقال: «اللهم اجعله منهم» ثم أنشأ رجل آخر فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم.
قال: «سبقك بهما عكاشة».
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «فداكم أبي وامي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون كثيرا».
قال: فقلت: من هؤلاء السبعون ألفا؟ فاتفق رأينا على أنهم أناس ولدوا في الإسلام فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه فنهي حديثهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ليس كذلك ولكنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لأرجو أن يكون من تبعني من امتي ربع أهل الجنة» فكبّرنا ثم
(٢) الظراب: الجبال، والظرب من الحجارة ما كان أصله ناتئا في جبل أو أرض حزنة، كتاب العين: ٨/ ١٥٩، وقيل: هي الروابي الصغار، الصحاح: ١/ ١٧٤- الظرب.
قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» فكبّرنا. ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة» ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [٢٠٠] «١».
وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحّاك ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من سابقي هذه الأمة وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ من هذه الأمة في آخر الزمان.
يدل عليه ما
أخبرنا الحسين بن محمد، حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب محمد بن كثير، حدّثنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هما جميعا من أمتي» [٢٠١] «٢».
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ ريح حارة وَحَمِيمٍ ماء حار وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ دخان شديد السواد. تقول العرب: أسود يحموم إذا كان شديد السواد.
وأنشد قطرب:
وما قد شربت ببطن [مكة] | فراتا لمد كاليحموم جاري |
مقاتل: طيب. قتادة: لا بارِدٍ المنزل وَلا كَرِيمٍ المنظر.
قال الفراء: يجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه فعلا فيه ذم «٥».
وقال ابن كيسان: اليحموم اسم من أسماء النار. وقال الضحّاك: النار سوداء وأهلها سود وكل شيء فيها أسود.
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في الدنيا مُتْرَفِينَ منعّمين وَكانُوا يُصِرُّونَ يقيمون عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ على الذنب الكبير، وهو الشرك.
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٢٤٩.
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢١٣.
(٤) سورة الشعراء: ٧.
(٥) كقولهم: ما هذه بدار واسعة ولا كريمة.
وقال أبو بكر الأصم: كانوا يقسمون أن لا بعث، وأن الأصنام أنداد لله وكانوا يقيمون عليه فذلك حنثهم.
وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لحق أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ثم يقال لهم: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ.
قرأ أهل المدينة وعاصم وحمزة والأعمش وأيوب: (شُرْبَ) بضم الشين، واختاره أبو حاتم، وقرأ الباقون: بفتحه، واختاره أبو عبيد.
وروي عن الكسائي عن يحيى بن سعيد عن جريج إنه قال: ذكرت لجعفر بن محمد قراءة أصحاب عبد الله (شَرْبَ الْهِيمِ) بفتح الشين، فقال: «أما بلغك إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث بديل بن ورقاء الخزاعي إلى أهل منى في أيام التشريق فقال: «إنها أيام أكل وشرب» [٢٠٢] «١».
ويقال هي بفتح الشين [و.......] «٢» وهما لغتان جيدتان.
تقول العرب: شربت شربا وشربا وشربا بضمتين.
وقال أبو زيد الأنصاري: سمعت العرب تقول: شربت شربا، بكسر الشين.
وأما (الهيم) فالإبل العطاش. وقال عكرمة وقتادة: هو داء بالإبل لا تروى [معه] «٣» ولا تزال تشرب حتى تهلك ويقال لذلك الداء الهيام، ويقال: حمل أهيم وناقة هيماء وإبل هيم.
قال لبيد:
أجزت على معارفها بشعث | وأطلاح من المهري هيم «٤» |
هذا نُزُلُهُمْ رزقهم وغذاؤهم وما أعدّ لهم يَوْمَ الدِّينِ نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ بالبعث أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ تصبون في الأرحام من النطف؟.
وقرأ أبو السماك: (تَمْنُونَ) بفتح التاء وهما لغتان.
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنا [قرأ مجاهد وحميد وابن محيصن (قَدَرْنا)
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) في المخطوط: معها.
(٤) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢١٥.
بتخفيف الدال] «١»، الباقون بالتشديد بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ فمنكم من يعيش إلى أن يبلغ الهرم، ومنكم من يموت شابا وصبيا صغيرا وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عاجزين عن إهلاككم عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
أو إبدالكم بامثالكم وَنُنْشِئَكُمْ
ونخلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ
من الصور. قال مجاهد: في أي خلق شئنا.
وقال سعيد بن المسيب فِي ما لا تَعْلَمُونَ
يعني في حواصل طير تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف، وبرهوت واد باليمن. وقال الحسن وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
أي نبدل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم.
وقال السدي: نخلقكم في سوى خلقكم.
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الخلقة الْأُولى ولم تكونوا شيئا، فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ أي قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم.
وقال الحسين بن الفضل في هذه الوجوه: وإن كانت غير مردودة، فالذي عندي في هذه الآية وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى
أي خلقتكم للبعث بعد الموت من حيث لا تعلمون كيف شئت وذلك أنكم علمتم النشأة الأولى كيف كانت في بطون الأمهات وليست الأخرى كذلك.
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أي تثيرون الأرض وتعملون فيها وتطرحون البذر أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ؟.
أخبرني الحسين، حدّثنا عمر بن محمد بن علي الزيات، حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق، حدّثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي، حدّثنا مخلد بن الحسين عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقولن أحدكم: زرعت وليقل حرثت» [٢٠٣] «٢».
قال أبو هريرة: ألم تسمعوا قول الله عزّ وجل أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ.
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء. وقال مرة: يعني نبتا لا قمح فيه.
فَظَلْتُمْ قرأت العامة بفتح الظاء. وقرأ عبد الله بكسره: والأصل ظللتم، فحذف إحدى
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢١٨.
اللامين تخفيفا، فمن فتحه فعلى الأصل ومن كسره نقل حركة اللام المحذوفة إلى الظاء.
تَفَكَّهُونَ قال يمان: تندمون على نفقاتكم، نظيره فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها «١».
قتادة: تعجبون. عكرمة: تلاومون. الحسن: تندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت لكم عقوبته حتى نالكم في زرعكم ما نالكم. ابن زيد: تتفجّعون. ابن كيسان:
تحزنون.
قال: وهو من الأضداد. تقول العرب: تفكهت: أي تنعّمت، وتفكهت: أي حزنت.
قال الفراء: تَفَكَّهُونَ وتفكنون واحد، والنون لغة عكل «٢».
وقيل: التفكه التكلم فما لا يعنيك، ومنه قيل للمزاح: فكاهة.
إِنَّا قرأ عاصم برواية أبي بكر والمفضل بهمزتين. الباقون على الخبر. ومجاز الآية فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ وتقولون إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قال مجاهد وعكرمة: لمولع بنا. قال ابن عباس وقتادة: يعذبون، والغرام: العذاب.
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ملقون للشر. مقاتل بن حيان: مهلكون.
وقال الضحّاك: غرّمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرمنا عليه. مرة الهمداني: محاسبون.
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ محدودون [ممنوعون] «٣» محارفون، والمحروم ضد المرزوق.
قال أنس بن مالك: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأرض الأنصار فقال: «ما يمنعكم من الحرث؟
قالوا: الجدوبة. قال: «فلا تفعلوا فإن الله عزّ وجل يقول: أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر» «٤» [٢٠٤] ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ الآيات.
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ السحاب، واحدتها مزنة.
قال الشاعر:
فنحن كماء المزن ما في نصابنا | كهام ولا فينا يعدّ بخيل «٥» |
(٢) عكل: قبيلة من العرب وقيل: عضل.
(٣) في المخطوط: ممنّعون بتشديد النون وفتحها.
(٤) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢٢٠.
(٥) تفسير القرطبي: ١٧/ ٢٢٠.
أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً قال ابن عباس: شديد الملوحة. وقال الحسن: قعاعا مرا.
فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ تقدحون وتستخرجون من زندكم أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ المخترعون؟
نَحْنُ جَعَلْناها يعني نار الدنيا تَذْكِرَةً للنار الكبرى.
أخبرنا ابن سعيد بن حمدون، حدّثنا ابن الشرقي، حدّثنا محمد بن يحيى وعبد العزيز بن بشير وأحمد بن يوسف قالوا: حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه التي توقد بنو آدم جزءا من سبعين جزءا من حرّ جهنم».
قالوا: والله إن كانت لكافيتنا برسول الله. قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرّها» «١» [٢٠٥].
وَمَتاعاً بلغة ومنفعة لِلْمُقْوِينَ المسافرين النازلين في الأرض القيّ والقوى، وهي القفر الخالية البعيدة من العمران والأهلين، يقال: أقوت الدار إذا دخلت من سكانها.
قال الشاعر:
أقوى وأقفر من نعم وغيّرها | هوج الرياح بهابي الترب موار «٢» |
يا دارميّة بالعلياء فالسند | بها أقوت وطال عليها سالف الأبد «٣» |
وقال الحسن: بلغة المسافرين يبلغون بها إلى أسفارهم يحملونها في الخرق والجواليق.
وقال الربيع والسدي: يعني للمرملين المعترين الذين لا زاد معهم، نارا يوقدون فيختبزون بها، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. قال ابن زيد: للجائعين. تقول العرب: أقويت مذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئا.
(٢) الهوج: الريح التي تستوي في هبوبها، والهابي من هباء الغبار أي سطع، وموار: تحرك بسرعة، والبيت في تفسير الطبري: ٢٧/ ٢٦٤.
(٣) ديوان النابغة الجعدي: ٣٥.