آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً
ﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋ ﮍﮎ ﮐﮑ ﮓﮔ ﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟ ﮡﮢﮣ ﮥﮦ ﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕ

- ٢٧ - وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابَ الْيَمِينِ
- ٢٨ - فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ
- ٢٩ - وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ
- ٣٠ - وَظِلٍّ مَمْدُودٍ
- ٣١ - وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ
- ٣٢ - وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
- ٣٣ - لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
- ٣٤ - وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ
- ٣٥ - إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً
- ٣٦ - فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
- ٣٧ - عُرُباً أَتْرَاباً
- ٣٨ - لأَصْحَابِ الْيَمِينِ
- ٣٩ - ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ
- ٤٠ - وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَآلَ السَّابِقِينَ وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ، عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَهُمُ الْأَبْرَارُ، كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: أصحاب اليمين منزلتهم دُونَ الْمُقَرَّبِينَ، فَقَالَ ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ أي ما حَالُهُمْ وَكَيْفَ مَآلُهُمْ؟ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ تعالى: ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ، وَعَنِ ابْنِ عباس: هو الموقر بالثمر، وقال قتادة: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ الْمُوقَرُ الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ سِدْرَ الدُّنْيَا كَثِيرُ الشَّوْكِ قَلِيلُ الثَّمَرِ، وَفِي الآخرة على العكس مِنْ هَذَا لَا شَوْكَ فِيهِ، وَفِيهِ الثَّمَرُ الكثير الذي أثقل أصله، كما روى الحافظ أبو بكر النجار، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَنْفَعُنَا بِالْأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ، قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا هي؟» قال: السدر، فإن له شوكاً مؤذياً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أليس الله تعالى يَقُولُ: ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ خَضَدَ اللَّهُ شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةً، فَإِنَّهَا لَتُنْبِتُ ثمراً

صفحة رقم 431

تَفَتَّقُ الثَّمَرَةُ مِنْهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ مَا فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ"، وَقَوْلُهُ: ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ الطَّلْحُ: شَجَرٌ عِظَامٌ يَكُونُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، مِنْ شَجَرِ الْعِضَاةِ وَاحِدَتُهُ طَلْحَةٌ، وَهُوَ شَجَرٌ كَثِيرُ الشَّوْكِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ لِبَعْضِ الْحُدَاةِ:
بشَّرها دَلِيلُهَا وَقَالَا * غَدًا تَرَيْنَ الطلح والجبالا
قال مُجَاهِدٌ ﴿مَّنضُودٍ﴾: أَيْ مُتَرَاكِمُ الثَّمَرِ، يُذَكِّرُ بِذَلِكَ قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْجَبُونَ مِنْ وَجٍّ وَظِلَالِهِ من طلح وسدر، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُشْبِهُ طَلْحَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَهُ ثَمَرٌ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالطَّلْحُ لُغَةٌ فِي الطَّلْعِ، (قُلْتُ) وَقَدْ رَوَى أن علياً يقول هذا الحرف في ﴿طلح مَّنضُودٍ﴾ قَالَ: طَلْعٌ مَنْضُودٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ صِفَةِ السِّدْرِ، فَكَأَنَّهُ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مَخْضُودٌ وَهُوَ الَّذِي لَا شَوْكَ لَهُ، وَأَنَّ طَلْعَهُ منضود، وهو كثرة ثمره والله أعلم. وعن أبي سعيد ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ قال: الموز (وهو قول ابن عباس وأبي هريرة والحسن وعكرمة وقتادة وغيرهم)، وأهل الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْمَوْزَ: الطَّلْحَ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ جرير غير هذا القول، وقوله تعالى: ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ روى البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شجرة يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يقطعها، اقرأوا إن شئتم ﴿وَظِلٍّ ممدود﴾ (رواه البخاري ومسلم). وقال الإمام أحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا إن شئتم ﴿وظل ممدود﴾ (أخرجه أحمد ورواه الشيخان). وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضْمَرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يقطعها» (أخرجه الشيخان)، فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وآله وَسَلَّمَ بَلْ مُتَوَاتِرٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ النُّقَّادِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَقُوَّةِ أَسَانِيدِهِ وَثِقَةِ رجاله. وقال الترمذي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فِي الْجَنَّةِ شجرة إلا ساقها من ذهب» (أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب). وقال الضحّاك والسدي في قوله تعالى: ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ لَا يَنْقَطِعُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا حَرٌّ مِثْلُ قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَ ابن مسعود: الجنة سَجْسَج (سَجْسَج: أي لا حر ولا برد) كَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وقد تقدمت الآيات كقوله تعالى: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾ وقوله: ﴿أُكُلُهَا دَآئِمٌ وظلها﴾، وقوله ﴿فِي ظِلاَلٍ وعيون﴾ إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى: ﴿وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ﴾ قال الثوري: يَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ الآية، بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تَعَالَى: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ أَيْ وَعِنْدَهُمْ مِنَ الْفَوَاكِهِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الْأَلْوَانِ، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خطر على قلب بشر، كما قال تَعَالَى: ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ أَيْ يُشْبِهُ الشَّكْلُ الشَّكْلَ، وَلَكِنَّ الطَّعْمَ غَيْرُ الطَّعْمِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ

صفحة رقم 432

في ذكر سدرة المنتهى: فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَنَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هجر، وروى الحافظ أبو يعلى، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذْ تَقَدَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمْنَا مَعَهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ شَيْئًا لِيَأْخُذَهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ الْيَوْمَ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ، قَالَ: «إِنَّهُ عُرِضَتْ عليَّ الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّضْرَةِ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ لِآتِيَكُمْ بِهِ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مِنْ بَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا ينقص منه» (أخرجه الحافظ أبو يعلى وأخرجه مسلم بنحوه). وقوله تعالى: ﴿لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ أَيْ لَا تَنْقَطِعُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، بَلْ أُكُلُهَا دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا، مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ بقدرة الله شيء، وقال قَتَادَةُ: لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَنَاوُلِهَا عُودٌ وَلَا شَوْكٌ وَلَا بُعْدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا تَنَاوَلَ الرَّجُلُ الثَّمَرَةَ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى».
وقوله تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ أي عالية وطيئة ناعمة، روى النسائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ قَالَ: «ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» (أخرجه النسائي والترمذي وقال: حسن غريب). وعن الْحَسَنِ: ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ قَالَ: ارْتِفَاعُ فِرَاشِ الرَّجُلِ من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة (أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري موقوفاً)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ جَرَى الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، لَكَنْ لَمَّا دَلَّ السِّيَاقُ وَهُوَ ذِكْرُ الْفُرُشِ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي يُضَاجِعْنَ فِيهَا اكْتَفَى بِذَلِكَ عن ذكرهَّن وعاد الضمير عليهن، قال الأخفش في قوله تعالى ﴿أنا أنشأهن﴾ أضمرهن ولم يذكرن قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذُكِرْنَ فِي قوله تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون﴾، فقوله تعالى: ﴿إنا أَنشَأْنَاهُنَّ﴾ أي أعدناهن في النشأة الأُخرى بعد ما كُنَّ عَجَائِزَ رُمْصًا، صِرْنَ ﴿أَبْكَاراً عُرُباً﴾ أَيْ بعد الثيوبة عدن أبكاراً عرباً، مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالْحَلَاوَةِ وَالظَّرَافَةِ وَالْمَلَاحَةِ، وَقَالَ بعضهم ﴿عُرُباً﴾ أي غنجات، عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً قَالَ: نِسَاءٌ عَجَائِزُ كنَّ فِي الدُّنْيَا عمشاً رمصاً" (أخرجه الترمذي وابن أبي حاتم وقال الترمذي: غريب). وعن سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً﴾ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالْأَبْكَارَ اللَّاتِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: أَتَتْ عَجُوزٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادع الله تعالى أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي، قَالَ: أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا، وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنشآء فجعلناهن أبكاراً﴾ (أخرجه التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ).
وعن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أخبرني عن قول الله تعالى: ﴿حُورٌ عِينٌ﴾ قَالَ: «حُورٌ» بِيضٌ «عِينٌ» ضِخَامُ الْعُيُونِ، شُفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: ﴿كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون﴾ قَالَ: «صَفَاؤُهُنَّ صَفَاءُ الدَّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي» قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ قَالَ: «خَيِّرَاتُ الْأَخْلَاقِ حِسَانُ الْوُجُوهِ»، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عن قوله: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ قال:

صفحة رقم 433

«رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي رَأَيْتَ فِي دَاخِلِ البيضة مما يلي القشر وهو الغرقيء» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عُرُباً أَتْرَاباً﴾ قَالَ: «هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدار الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْصًا شُمْطًا خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى عُرُبًا مُتَعَشِّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ أَتْرَابًا عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ الْعِينِ؟ قَالَ: «بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَبِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: "بِصَلَاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ وَعِبَادَتِهِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، أَلْبَسَ اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الْأَلْوَانِ خُضْرُ الثِّيَابِ، صُفْرُ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ، يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا"، قُلْتُ: يَا رسول الله! المرأة منا تتزوج الزوجين وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا؟ قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا مَعِي فَزَوِّجْنِيهِ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة" (رواه أبو القاسم الطبراني). وفي الحديث: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا جَامَعُوا نِسَاءَهُمْ عُدْنَ أبكاراً» (أخرجه الطبراني من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً). وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عذراء» (رواه الطبراني وقال الحافظ المقدسي: هو على شرط الصحيح).
وقوله تعالى: ﴿عُرُباً﴾، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّاقَةِ الضُّبَعَةِ هِيَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الضحّاك عنه: العرب العواشق لأزواجهن، وأزواجهن لهن عاشقون، وقال عكرمة: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ ﴿عُرُباً﴾ قَالَ: هي المَلِقة لزوجها، وقال عكرمة: هي الغنجة، وعنه: هي الشكلة، وقال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿عُرُباً﴾ قَالَ: الشِّكِلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْغَنِجَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ: هِيَ حسن التبعل، وقوله ﴿أَتْرَاباً﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَتْرَابُ: الْمُسْتَوِيَاتُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْأَمْثَالُ، وَقَالَ عَطِيَّةُ: الْأَقْرَانُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ ﴿أَتْرَاباً﴾ أَيْ فِي الْأَخْلَاقِ الْمُتَوَاخِيَاتُ بَيْنَهُنَّ، لَيْسَ بَيْنَهُنَّ تَبَاغُضٌ وَلَا تَحَاسُدٌ، يَعْنِي لَا كما كن ضرائر متعاديات، وقال ابن أبي حاتم، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ ﴿عُرُباً أَتْرَاباً﴾ قَالَا: الْمُسْتَوَيَاتُ الْأَسْنَانِ يَأْتَلِفْنَ جَمِيعًا وَيَلْعَبْنَ جَمِيعًا، وَقَدْ رَوَى الترمذي، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتًا لم تسمع الخلائق بمثلها - قال - يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ، طُوبَى لمن كان لنا وكنا له" (أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب). وعن أنَس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَيُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ يَقُلْنَ: نَحْنُ خَيِّرَاتٌ حِسَانٌ خُبِّئْنَا لِأَزْوَاجٍ كرام" (أخرجه الحافظ أبو يعلى). وقوله تعالى: ﴿لأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أَيْ خُلِقْنَا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ أَوِ زُوِّجْنَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إنآ أنشأناهن إنشآء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ فَتَقْدِيرُهُ أَنْشَأْنَاهُنَّ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَهَذَا تَوْجِيهُ ابْنِ جرير، قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَتْرَاباً

صفحة رقم 434

لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} أَيْ فِي أَسْنَانِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يتفلون، ولا يتمخطون؛ أمشاطهم الذهب وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأرواحهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السماء» (أخرجه الشيخان). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَهُمْ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذراعاً في عرض سبعة أذرع» (أخرجه الطبراني ورواه الترمذي بنحوه). وروى ابن وهب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَزِيدُونَ عليها أبداً وكذلك أهل النار». وروى ابن أبي الدنيا، عَنْ أنَس قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى طُولِ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمَلِكِ! عَلَى حُسْنِ يُوسُفَ وَعَلَى مِيلَادِ عِيسَى ثَلَاثٍ وثلاثين وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُونَ»، وَقَالَ أبو بكر بن أبي داود، عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ أَهْلُ الجنة على صورة آدم في ميلاد عيسى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ. ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ فَيُكْسَوْنَ مِنْهَا لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ»، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ﴾ أَيْ جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هما جميعاً من أُمتي» (أخرجه ابن جرير).

صفحة رقم 435
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
عدد الأجزاء
1