
على الولدان وإن كان طواف الحور يقلق، ويجوز أن يعطف على الضمير المقدر في قوله: عَلى سُرُرٍ وفي هذا كله نظر، وقد تقدم معنى: حُورٌ عِينٌ.
وقرأ إبراهيم النخعي: «وحير عين».
وخص الْمَكْنُونِ من اللُّؤْلُؤِ لأنه أصفى لونا وأبعد عن الغير، وسألت أم سلمة رسول الله ﷺ عن هذا التشبيه فقال: «صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي».
و: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي هذه الرتب والنعم هي لهم بحسب أعمالهم، لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة، هي مقتسمة على قدر الأعمال، ونفس دخول الجنة هو برحمة الله وفضله لا بعمل عامل، فأما هذا الفضل الأخير أن دخولها ليس بعمل عامل، ففيه حديث صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل أحد الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة».
واللغو: سقط القول من فحش وغيره. والتأثيم: مصدر، بمعنى: لا يؤثم أحد هناك غيره ولا نفسه بقول. فكان يسمع ويتألم بسماعه. و: قِيلًا مستثنى، والاستثناء متصل، وقال قوم: هو منقطع.
و: سَلاماً نعت للقيل، كأنه قال: إلا قِيلًا سالما من هذه العيوب وغيرها. وقال أبو إسحاق الزجاج أيضا: سَلاماً مصدر، وناصبه قِيلًا كأنه يذكر أنهم يقول بعضهم لبعض سَلاماً سَلاماً. وقال بعض النحاة سَلاماً منتصب بفعل مضمر تقديره: أسلموا سلاما.
قوله عز وجل:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٧ الى ٤٠]
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
السدر: شجر معروف، وهو الذي يقال له شجر أم غيلان، وهو من العضاه، له شوك، وفي الجنة شجر على خلقته، له ثمر كقلال هجر، طيب الطعم والريح، وصفه تعالى بأنه مَخْضُودٍ، أي مقطوع الشوك، لا أذى فيه، وقال أمية بن أبي الصلت:
إن الحدائق في الجنان ظليلة | فيها الكواعب سدرها مخضود |
قال القاضي أبو محمد: ولأهل تحرير النظر هنا إشارة في أن هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا صفحة رقم 243

منها، إذ أهل اليمين توابون لهم سلام وليسوا بسابقين. والطلح كذلك من العضاه شجر عظام كثير الشوك وشبهه في الجنة على صفات مباينة لحال الدنيا. و: مَنْضُودٍ معناه مركب ثمره بعضه على بعض من أرضه إلى أعلاه.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعفر بن محمد وغيره: «طلع منضود»، فقيل لعلي إنما هو:
طَلْحٍ. فقال: ما للطلح وللجنة؟ فقيل له أنصلحها في المصحف فقال: إن المصحف اليوم لا يهاج ولا يغير. وقال علي بن أبي طالب وابن عباس: الطلح: الموز، وقاله مجاهد وعطاء. وقال الحسن: ليس بالموز، ولكنه شجر ظله بارد رطب. والظل الممدود، معناه: الذي لا تنسخه شمس، وتفسير ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ» إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى. وقال مجاهد: هذا الظل هو من طلحها وسدرها.
وقوله تعالى: وَماءٍ مَسْكُوبٍ أي جار في غير أخاديد، قاله سفيان وغيره، وقيل المعنى: يناسب.
لا تعب فيه بسانية ولا رشاء.
وقوله تعالى: لا مَقْطُوعَةٍ أي بزوال الإبان، كحال فاكهة الدنيا، وَلا مَمْنُوعَةٍ ببعد التناول ولا بشوك يؤذي في شجراتها ولا بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهة الدنيا.
وقرأ جمهور الناس: «وفرش» بضم الراء. وقرأ أبو حيوة: «وفرش» بسكونها، والفرش: الأسرة، وروي من طريف أبي سعيد الخدري: أن في ارتفاع السرير منها خمسمائة سنة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا والله أعلم لا يثبت، وإن قدر فمتأولا خارجا عن ظاهره. وقال أبو عبيدة وغيره: أراد بالفرش النساء.
و: مَرْفُوعَةٍ معناه: في الأقدار والمنازل، ومن هذا المعنى قول الشاعر [عمرو بن الأهتم التميمي] :[البسيط]
ظللت مفترش الهلباء تشتمني | عند الرسول فلم تصدق ولم تصب |
وأفرشتك كريمتي وقوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً قال قتادة: الضمير عائد على الحور العين المذكورات قبل وهذا فيه بعد، لأن تلك القصة قد انقضت جملة. وقال أبو عبيدة معمر: قد ذكرهن في قوله: فُرُشٍ فلذلك رد الضمير وإن لم يتقدم ذكر لدلالة المعنى على المقصد، وهذا كقوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] ونحوه: و: أَنْشَأْناهُنَّ معناه: خلقناهن شيئا بعد شيء. وقال رسول الله ﷺ في تفسير هذه الآية: «عجائز كن في الدنيا عمشا رمصا»، وقال لعجوز: «إن الجنة لا يدخلها العجز»، فحزنت، فقال: «إنك إذا دخلت الجنة أنشئت خلقا آخر». صفحة رقم 244