
التي في هذه الآية معادلة عند قوم من النحاة، وأما إذا تغاير الفعلان فليست بمعادلة إجماعا.
وقرأ الجمهور: «تمنون» بضم التاء، وقرأ ابن عباس وأبو السمال «تمنون» بفتح التاء، ويقال أمنى الرجل ومنى بمعنى واحد.
وقرأ جمهور القراء: «قدّرنا» بشد الدال. وقرأ كثير وحده: «قدرنا» بتخفيفها. والمعنى فيها يحتمل أن يكون بمعنى قضينا وأثبتنا، ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا، وعدلنا التقدم والتأخر، أي جعلنا الموت رتبا، ليس يموت العالم دفعة واحدة، بل بترتيب لا يعدوه أحد.
وقال الطبري معنى الآية: «قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم» أي تموت طائفة ونبدلها بطائفة، هكذا قرنا بعد قرن.
وقوله: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على تبديلكم إن أردناه وإن ننشئكم بأوصاف لا يصلها عملكم ولا يحيط بها كفركم. قال الحسن: من كونكم قردة وخنازير.
قال القاضي أبو محمد: تأول الحسن هذا، لأن الآية تنحو إلى الوعيد، وجاءت لفظة «السبق» هنا على نحو قوله عليه السلام: «فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم».
وقرأ جمهور الناس: «النشأة» بسكون الشين. وقرأ قتادة وأبو الأشهب وأبو عمرو بخلاف «النشأة» بفتح الشين والمد. وقال أكثر المفسرين: أشار إلى خلق آدم ووقف عليه، لأنه لا تجد أحدا ينكر أنه من ولد آدم وأنه من طين. وقال بعضهم: أراد ب النَّشْأَةَ الْأُولى نشأة إنسان إنسان في طفوليته فيعلم المرء نشأته كيف كانت بما يرى من نشأة غيره، ثم حضض على التذكر والنظر المؤدي إلى الإيمان.
وقرأ الجمهور: «تذكرون» مشددة الذال. وقرأ طلحة: «تذكرون» بسكون الذال وضم الكاف، وهذه الآية نص في استعمال القياس والحض عليه.
قوله عز وجل:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٦٣ الى ٧٤]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)
وقف تعالى الكفار على أمر الزرع الذي هو قوام العيش، وبين لكل مفطور أن الحراث الذي يثير الأرض ويفرق الحب ليس يفعل في نبات الزرع شيء، وقد يسمى الإنسان زارعا، ومنه قوله عز وجل:

يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ [الفتح: ٢٩] لكن معنى هذه الآية: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ زرعا يتم أَمْ نَحْنُ. وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تقولن زرعت، ولكن قل حرثت»، ثم تلا أبو هريرة هذه الآية.
والحطام: اليابس المتفتت من النبات الصائر إلى ذهاب، وبه شبه حطام الدنيا. وقيل المعنى: نبتا لا قمح فيه و: تَفَكَّهُونَ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه: تعجبون، وقال عكرمة: تلامون. وقال الحسن معناه: تندمون وقال ابن زيد: تتفجهون، وهذا كله تفسير لا يخص اللفظة، والذي يخص اللفظ، هو: تطرحون الفاكهة عن أنفسكم وهي المسرة والجدل، ورجل فكه إذا كان منبسط النفس غير مكترث بالشيء، وتفكه من أخوات تحرج وتحوب.
وقرأ الجمهور: «فظلتم» بفتح الظاء، وروى سفيان الثوري في قراءة عبد الله كسر الظاء. قال أبو حاتم: طرحت عليها حركة اللام المجزومة، وذلك رديء في القياس، وهي قراءة أبو حيوة. وروى أحمد بن موسى: «فظللتم» بلامين، الأولى مفتوحة عن الجحدري، ورويت عن ابن مسعود، بكسر اللام الأولى.
وقوله: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قبله حذف تقديره: يقولون.
وقرأ الأعمش وعاصم الجحدري: «أإنا لمغرمون» بهمزتين على الاستفهام، والمعنى يحتمل أن يكون إنا لمعذبون من الغرام وهو أشد العذاب ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الفرقان: ٦٥] ومنه قول الأعشى: [الخفيف]
إن يعذّب يكن غراما وإن يع | ط جزيلا فإنه لا يبالي |
ونحن كماء المزن ما في نصابنا | كهام ولا فينا يعد بخيل |
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول فيه تكلف.
وقرأ الجمهور: «آنتم» بالمد، وروي عن أبي عمرو وعيسى: «أنتم» بغير مد، وضعفها أبو حاتم.
و: تَذْكِرَةً معناه: تذكر نار جهنم، قاله مجاهد وقتادة. والمتاع: ما ينتفع به. والمقوي في هذه صفحة رقم 249