آيات من القرآن الكريم

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ
ﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱ

فقال: يا مولاي، أخبرني، فلعلّ الله سبحانه يسهّل لك الفرج على يديّ، فأخبره بذلك فقال له:
عد إلى الأمير وقل له: إن لي غلاما أسود إن أذنت له فسّر لك هذه الآية، ففعل ذلك ودعا الأمير الغلام وسأله عن ذلك فقال: أيها الأمير شأن الله هو انه يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، ويُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، ويشفي سقيما، ويسقم سليما، ويبتلي معافى، ويعافي مبتلى، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويفقر غنيا ويغني فقيرا. فقال الأمير: أحسنت يا غلام، قد فرّجت عني. ثم أمر الوزير بخلع ثياب الوزارة وكساها الغلام، فقال: يا مولاي، هذا شأن الله عز وجل.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٨]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ قرأ عبد الله وأبي (سنفرغ إليكم)، وقرأ الأعمش بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية، وقرأ الأعرج بفتح النون والراء. قال الكسائي: هي لغة تميم، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح الراء، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فاتبع الخبر الخبر، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الراء، واختاره أبو حاتم.
فإن قيل: إن الفراغ لا يكون إلّا عن شغل والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن. قلنا:
اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال قوم: هذا وعيد وتهديد من الله سبحانه وتعالى لهم كقول القائل: لأتفرغنّ لك وما به شغل، وهذا قول ابن عباس والضحاك، وقال آخرون: معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم، وقد يقول القائل للذي لا شغل له: قد فرغت لي وفرغت لشتمي، أي أخذت فيه وأقبلت عليه. قال جرير بن الخطفي:

ولما التقى القين العراقي بأسته فرغت إلى القين المقيّد بالحجل «١»
أي قصدته بما يسوؤه، وهذا القول اختيار الفندي والكسائي.
وقال بعضهم: إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على الفجور، ثم قال: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مما أوعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم، وننجز لكم ما وعدناكم، ونوصل كلا إلى ما عدناه، فيتمّ ذلك ويفرغ منه، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل وابن زيد، وقال ابن كيسان: الفراغ
(١) تاج العروس: ٦/ ٢٥ ونسبه لجرير يهجو الفرزدق.

صفحة رقم 185

للفعل هو التوفر عليه دون غيره. أَيُّهَ الثَّقَلانِ أي الجن والإنس، دليله قوله في عقبه يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ سمّيا ثقلين لأنهما ثقل أحياء وأمواتا، قال الله سبحانه: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وقال بعض أهل المعاني: كل شيء له قدر ينافس فيه فهو ثقل، ومنه قيل لبيض النعام: ثقل لأن واجده وصائده يفرح إذا ظفر به قال الشاعر:

فتذكّرا ثقلا رثيدا بعد ما ألقت ذكاء يمينها في كافر «١»
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي»
[١٦٩] «٢» فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما، وقال جعفر الصادق: سمي الجن والانس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ولم يقل: استطعتما لأنهما فريقان في حال جمع كقوله سبحانه: فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ وقوله سبحانه:
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
أَنْ تَنْفُذُوا تجوزوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أطرافها فَانْفُذُوا ومعنى الآية إن استطعتم ان تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا، وانما يقال لهم هذا يوم القيامة، وقال الضحاك: يعني هاربين من الموت، فأخبر أنه لا يجيرهم من الموت ولا محيص لهم منه، ولو نفذوا من أقطار السماوات والأرض كانوا في سلطان الله عز وجل وملكه، وقال ابن عباس: يعني: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا، ولن تعلموه إلّا بسلطان يعني البيّنة من الله سبحانه. لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أي حجة.
قال ابن عباس وعطاء: لا تخرجون من سلطان، وقيل معناه إلّا إلى سلطاني كقوله وَقَدْ أَحْسَنَ بِي أي أحسن أليّ، وقال الشاعر: وفي الخبر «يحاط على الخلق الملائكة وبلسان من نار ثم ينادون: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ... فذلك قوله تعالى... » [١٧٠].
أسىء بنا أفأحسني لا ملومة لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ قرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق بكسر الشين، غيرهما بضمّه، وهما لغتان مثل صوار من البقر، وصوار وهو اللهب، قال حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت:
هجوتك فاختضعت لها بذلّ بقافية تأجج كالشواظ «٣»
(١) الصحاح: ٢/ ٤٧٢. [.....]
(٢) مسند احمد: ٣/ ١٨.
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٧١.

صفحة رقم 186

وقال رؤبة:

إن لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشواظا «١»
وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب وَنُحاسٌ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر السين عطفا على النار، واختاره أبو حاتم، وقرأ الباقون بالرفع عطفا على الشواظ، واختاره أبو عبيد.
قال سعيد بن جبير: النحاس: الدخان، وهي رواية أبي صالح وابن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال النابغة:
يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا «٢»
قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: السليط: دهن السنام ولا دخان له، وقال مجاهد وقتادة: هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. قال مقاتل:
هي خمسة أنهار من صفر ذائب تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار، وقال عبد الله بن مسعود: النحاس: المهل. ربيع: القطر.
الضحّاك: درديّ الزيت. الكسائي: هو الذي له ريح شديدة فَلا تَنْتَصِرانِ فلا تنتقمان وتمتنعان.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِذَا انْشَقَّتِ انفرجت السَّماءُ فصارت أبوابا لنزول الملائكة، بيانه قوله سبحانه: يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا فَكانَتْ صارت وَرْدَةً
مشرقة، وقيل: متغيّرة، وقيل: بلون الورد.
قال قتادة: إنها اليوم خضراء وسيكون لها يومئذ لون آخر كَالدِّهانِ اختلفوا فيه. قال ابن عباس والضحاك وقتادة والربيع: يعني كلون غرس الورد، يكون في الربيع كميتا أصفر، فإذا ضربه أول الشتاء يكون كميتا أحمر، فإذا اشتدّ الشتاء يكون كميتا أغبر، فشبه السماء في تلوّنها عند انشقاقها بهذا الغرس في تلوّنه، وقال مجاهد وأبو العالية: كالدّهن، وهي رواية شيبان عن قتادة، قال: الدهان جمع الدهن، وللدهن ألوان، شبّه السماء بألوانه. [وقال:] عطاء بن أبي رياح: كعصير الزيت يتلوّن في الساعة ألوانا.
[وقال:] الحسين بن الفضل: كصبيب الدهن يتلوّن. [وقال:] ابن جريج: تذوب السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم، [وقال:] مقاتل: كدهن الورد الصافي. [وقال] مؤرخ: كالوردة الحمراء، [وقال:] الكلبي: كالأديم الأحمر، وجمعه أدهنة.
(١) تفسير القرطبي: ٧/ ٤٤٦.
(٢) تاج العروس: ٤/ ٢٥٤.

صفحة رقم 187
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية