آيات من القرآن الكريم

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ
ﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

﴿مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ مِنْ جَوَانِبِهِمَا وَأَطْرَافِهِمَا، ﴿فَانْفُذُوا﴾ مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ من أقطار السموات وَالْأَرْضِ: فَاهْرُبُوا وَاخْرُجُوا مِنْهَا. [وَالْمَعْنَى] (١) حَيْثُمَا كُنْتُمْ أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ"، (النِّسَاءِ-٧٨) وَقِيلَ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تجوزوا أطراف السموات وَالْأَرْضِ فَتُعْجِزُوا رَبَّكُمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ فَجُوزُوا، ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ أَيْ: بِمُلْكٍ، وَقِيلَ بِحُجَّةٍ، وَالسُّلْطَانُ: الْقُوَّةُ الَّتِي يَتَسَلَّطُ بِهَا عَلَى الْأَمْرِ، فَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا سُلْطَانٌ، يُرِيدُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتُمْ كُنْتُمْ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعْنَاهُ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا ما في السموات وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (٢). وَقِيلَ قَوْلُهُ: "إِلَّا بِسُلْطَانٍ" أَيْ إِلَّا إِلَى سُلْطَانٍ كَقَوْلِهِ: "وَقَدْ أَحْسَنَ بِي" (يُوسُفَ-١٠٠) أَيْ إِلَيَّ.
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) ﴾
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، وَفِي الْخَبَرِ: يُحَاطُ عَلَى الْخَلْقِ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِلِسَانٍ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُنَادَوْنَ ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا﴾ الْآيَةَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾. ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلَ صِوَارٍ مِنَ الْبَقَرِ وَصُوَارٍ. وَهُوَ اللَّهِيبُ الَّذِي لَا دُخَانَ فِيهِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ اللَّهَبُ الْأَخْضَرُ الْمُنْقَطِعُ مِنَ النَّارِ، ﴿وَنُحَاسٌ﴾، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو "وَنُحَاسٍ" بِجَرُّ السِّينِ عَطْفًا عَلَى النَّارِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا عَطْفًا عَلَى الشُّوَاظِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْكَلْبِيُّ: "النُّحَاسُ": الدُّخَانُ وَهُوَ رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمَعْنَى الرَّفْعِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ، وَيُرْسَلُ نُحَاسٌ، أَيْ يُرْسَلُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَا مَعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَزِجَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَمَنْ كَسَرَ بِالْعَطْفِ عَلَى النَّارِ يَكُونُ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شُوَاظٌ مِنْ نُحَاسٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ: شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَشَيْءٌ مِنْ نُحَاسٍ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ أَنَّ الشُّوَاظَ لَا يَكُونُ مِنَ النَّارِ وَالدُّخَانِ جَمِيعًا.

(١) ساقط من "أ".
(٢) أخرجه الطبري: ٢٧ / ١٣٧. وذكره القرطبي: ١٧ / ١٧٠.

صفحة رقم 448
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية