
أجبته، وكم من جديد أحدثته، وكم من ضعيف فى الحياة أرحته، إما بصحة تسعده، أو بموت من سجن المادة يخرجه.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
تفسير المفردات
سنفرغ لكم: أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة، والمراد التوفر على الجزاء والانتقام منهما.
قال الزجاج: الفراغ فى اللغة على ضربين: أحدهما الفراغ من الشغل، والآخر القصد للشىء والإقبال عليه كما هنا اه.
والثقلان: الجن والإنس كما علمت، أن تنفذوا: أي تخرجوا، والأقطار:
الجوانب واحدها قطر، والسلطان: القوة والقهر، والشواظ: اللهب الخالص، والنحاس:
الدخان الذي لا لهب فيه، قال النابغة الذبياني:
تضىء كضوء السراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا فلا تنتصران: أي فلا تمتنعان من الله ولا يكون لكما منه ناصر.
المعنى الجملي
بعد أن عدّد سبحانه نعماءه على عباده فى البر والبحر وفى الأرض والسماء، ليشكروه على ما أنعم، ويعبدوه وحده على ما أعطى وتمم، وذكر أنهم مفتقرون إليه آناء الليل

وأطراف النهار، ثم أرشد إلى أن هذه النعم لا تدوم، بل هى إلى زوال، فكل ما على وجه الأرض سيفنى، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات نبههم إلى أنه فى يوم القيامة سيلقى كل عامل جزاء ما عمل، وثواب ما اكتسب، ولا مهرب حينئذ من العقاب، ولا سبيل إلى الامتناع منه، وسيكون جزاء المشركين به العاصين لأوامره، نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كفر بربه وكذب برسله، فاستعدوا لهذا اليوم قبل أن تندموا، ولات ساعة مندم.
الإيضاح
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي سنقصد لحسابكم ومجازاتكم على أعمالكم، وهذا وعيد شديد وتهديد من الله لعباده، كما يقول القائل لمن يهدده: إذا أتفرغ لك:
أي أقصد قصدك.
هذا، وإن شأن الآخرة ما هو إلا شأن من الشئون، فلا يشغله شأن عن شأن وهو القائل: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» والقائل: «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ».
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى نعم ربكما تكذبان يا معشر الثقلين، ومن جملتها التنبيه إلى ما ستلقونه من الجزاء فى هذا اليوم، تحذيرا مما سيؤدى إلى سوء الحساب، وشديد العقاب.
ثم ذكر أنه لا مهرب فى هذا اليوم من جزاء كل عامل على عمله فقال:
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من عقاب الله، فارّين من عذابه فافعلوا، والمراد أنكم لا تستطيعون ذلك، فهو محيط بكم لا تقدرون على الخلاص منه، فأينما ذهبتم أحيط بكم.