
يوم، فلم يستثن جمعة ولا سبتا ولا أحدا، وهي شؤون عظيمة يبديها ولا يبتديها كما هي في أزله من إحياء وإماتة، وعز وذل وفقر وغنى، وصحة ومرض، وبسط وقبض، وسرور وحزن، وقيد وإفراج، وخير وشر، ونفع وضر، وما لا يحصى، لأن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال جاء الخضر عليه السلام بصورة رجل إلى عالم يحدث في المسجد وقد تطرق إلى تفسير هذه الآية، فسأله ما شأن ربك اليوم؟ فلم يقدر أن يعطيه جوابا فبقي مهموما نهاره وليله وهو يقدح فكرته لنسج جواب صالح فلم يوفق، فنام على حالته هذه فرأى المصطفى صلّى الله عليه وسلم فأخبره به، فنهض فرحا مسرورا، وبكر إلى الجامع وطفق يحدث، فجاءه السائل وسأله ثانيا، فقال له ما تلقاه وهو (يرفع أناسا ويخفض آخرين) فقال له صلّ على من علمك. وما يقرب من هذه الحادثة هو أن عالما قال في جملة حديثه الحيا من الإيمان وأسنده لحضرة الرّسول، وفي نومه رأى حضرة الرّسول فقال له ما قلت هذا فأفاق مرعوبا، وراجع مالديه من الصّحاح فوجد الحديث، وسأل من لديه من العلماء، فأجابوه به، ثم نام فرأى حضرة الرّسول فقال ما قلت، ثم ذهب إلى مصر فأجابه علماؤها بصحة الحديث، ثم نام فرأى حضرة الرّسول فقال ما قلت، ثم ذهب إلى المدينة المنورة وقص قصته على علمائها ففطن له بعضهم فقال الحيا هو المطر، ولم يكن من الإيمان، وإنما الحياء بالمد والهمزة هو من الإيمان وقد صدق المصدق باخبارك لأنك لم تتيقظ لهذه النّكتة فتنبه لغلطه، ونام فرأى حضرة الرّسول فقال له نعم قلت هذا الحديث كما تفطن له من سألته وعفا الله عنك اه شرح البردة للخربوطلي
«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ» (٣١) فيها وعيد شديد وتهديد عظيم كقولك لمن تريد الإيقاع به سأفرغ لك. وليس فراغ الله بفراغ عن شغل، لأن هذا من شأن الخلق به سأفرغ لك. وليس فراغ الله بفراغ عن شغل، لأن هذه من شأن الخلق وهو منزه عن ذلك، وإنما هو إنظار الخلق لأجل قدره عليهم من إنجاء وإهلاك وغيرهما. وسمي الانس والجن ثقلين لإثقالهما الأرض أحياء وأمواتا «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» جوانبها وأطرافها هربا من قضائي

عليكما «فَانْفُذُوا» إن كنتم قادر بن ولكنكم «لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ» (٣٣) عظيم وقوة قاهرة وليس لكم ذلك وأنى لكم هذه الغلبة على النّفوذ، بل أنتم عاجزون عنه وقدم الجن هنا على الإنس لأنهم أقدر على النّفوذ وأقوى من الإنس لا لفضلهم إذ لم يقل أحد به ولهذا قدم الإنس في الآية ٨٨ من سورة الإسراء ج ١ لأنه فيها أقدر من الجن ولو أنه لا قدرة له عليه، فعلى الّذين يريدون الصّعود إلى القمر أو المريخ كما يزعمون إن الصّعود إليهما بإمكانهم وهما في أقطار السّماء، والّذين يريدون اختراق القطب المتجمد الذي هو في أقطار الأرض أن يستحضروا مالديهم من قوة قاهرة للتوصل الى ذلك، لأن الله تعالى يقول إن هذا النفوذ من الممكنات لا تقدرون عليه إلّا بسلطان، ومن أين لكم هذا السّلطان الذي ذكره الله، بما يدل على وصفه بالعظمة، لأن العظيم لا يقوم إليه إلّا شيء عظيم، وقد صار لهؤلاء المتنطعين مئات السنين وهم يتغنون بالصعود للقمر والمريخ وغيره ويحتجون بأنهم لم يستكملوا بعد هذه القوة الكافية الدّافعة للوصول إليهما، ولهذا فيجدر أن يقال لهم إنكم عاجزون عن ذلك، لأن هذا وإن كان العقل يجوزه بالنسبة لما حدث في هذا القرآن من العجائب والغرائب إلّا أنه متوقف على قوة عظيمة لم يتسن للبشر إدراكها، وما على البشر بعد بذل جهده ووسعه في ذلك وعدم تمكنه منه إلا أن يظهر عجزه عن ذلك، وعن القول بأن كلا من هذه الكواكب كرة أرضية مسكونة رجما بالغيب، لأن أحدا لم يرها ولم يخبر عنها من يؤخذ بقوله من الأنبياء الّذين أطلعهم الله على بعض غيبه وأخبروا به قيل وقوعه، فضلا عن أن كلّ ما لا يرى عيانا يكون من الأمور الحدسية الغالب عليها الكذب، وما كان كذلك فلا ينبغي للعاقل أن يقطع بصحته «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ٣٤ يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ» لهب خالص لا دخان فيه «مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ» دخان محض لا لهب فيه، هذا فإن قيل من أين عرف هذا الأوربيون حتى اخترعوا الغيوم من الدّخان وغيره بحيث يمتنعون عن الرّؤية في البر والبحر والسّماء؟
فالجواب أنهم عرفوه لأنه من لوازم الحياة الدّنيا، وكلّ ما هو من هذا القبيل قد يطلعهم الله عليه. قال تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية ٨ من