
أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَطْغَيَانِ عَلَى النَّاسِ بِالْغَرَقِ. وقال الحسن مرج البحرين يعني بَحْرَ الرُّومِ وَبَحْرَ الْهِنْدِ، وَأَنْتُمُ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا. وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا: بَحْرُ فَارِسٍ وَبَحْرُ الرُّومِ بَيْنَهُمَا برزخ يعني الجزائر. وقال مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: بَحْرُ السَّمَاءِ وَبَحْرُ الْأَرْضِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ عَامٍ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣).
يَخْرُجُ مِنْهُمَا، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ يَخْرُجُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئَانِ ثُمَّ يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِفِعْلٍ كما قال عزّ وجلّ: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
[الْأَنْعَامِ:
١٣٠] وَكَانَتِ [١] الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْبَحْرِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِذَا أَمْطَرْتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ أَفْوَاهَهَا فَحَيْثُمَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ كَانَتْ لُؤْلُؤَةً.
واللؤلؤ [٢] مَا عَظُمَ مِنَ الدُّرِّ، وَالْمَرْجَانُ صِغَارُهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ عَلَى الضِّدِّ [٣] مِنْ هَذَا.
وَقِيلَ: الْمَرْجَانُ الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هو البسر [٤].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ، السفن الكبار، الْمُنْشَآتُ، وقرأ حمزة وأبو بكر المنشآت بِكَسْرِ الشِّينِ أَيِ الْمُنْشِئَاتُ لِلسَّيْرِ يَعْنِي اللَّاتِي ابْتَدَأْنَ وَأَنْشَأْنَ السَّيْرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ الْمَرْفُوعَاتُ وَهِيَ الَّتِي رُفِعَ خَشَبُهَا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: هِيَ مَا رُفِعَ قَلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ وَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُنْشِئَاتِ. وَقِيلَ: الْمَخْلُوقَاتُ الْمُسَخَّرَاتُ، فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ، كَالْجِبَالِ جَمْعُ عَلَمٍ وَهُوَ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ شبه السفن في البحر وبالجبال فِي الْبَرِّ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣).
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٦ الى ٣٥]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها، أَيْ عَلَى الأرض من حيوان فإنه فانٍ، هالك.
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ، ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْإِكْرامِ، أَيْ مُكْرِمُ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِلُطْفِهِ مَعَ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: معناه لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَهْلُ السموات يَسْأَلُونَهُ [٥] الْمَغْفِرَةَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَسْأَلُونَهُ الرحمة الرزق وَالتَّوْبَةَ وَالْمَغْفِرَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُسْأَلُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَتَسْأَلُهُ الملائكة
(٢) في المطبوع «اللؤلؤة» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «الصدف».
(٤) في المطبوع «البسد» والمثبت عن «تفسير الطبري» وقال أبو جعفر: البسد له شعب، وهو أحسن من اللؤلؤ.
(٥) زيد في المخطوط «الرزق و».

أَيْضًا لَهُمُ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ.
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي يَوْمَ السَّبْتَ شَيْئًا.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ وَيَرْزُقَ وَيُعِزَّ قَوْمًا وَيُذِلَّ قَوْمًا وَيَشْفِيَ مَرِيضًا وَيَفُكَّ عَانِيًا وَيُفَرِّجَ مَكْرُوبًا وَيُجِيبَ دَاعِيًا وَيُعْطِيَ سَائِلًا وَيَغْفِرَ ذَنْبًا إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْدَاثِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ.
«٢٠٨٧» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم الثعلبي أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن عبدوس النحوي [١] إملاء أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن يحيى البزاز أنا يحيى بن الربيع المكي أنا سفيان بن عيينة أنا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ [٢] عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَوْحًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ قَلَمُهُ نُورٌ وَكِتَابُهُ نُورٌ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ ثلاث مائة وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الدَّهْرُ كُلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَانِ أَحَدُهُمَا مُدَّةُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَالْآخَرُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَالشَّأْنُ الذي هو فيه في الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ مُدَّةُ الدُّنْيَا الاختبار بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَشَأْنُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.
وَقِيلَ: شَأْنُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثَةَ عَسَاكِرَ، عَسْكَرًا مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَعَسْكَرًا مِنَ الْأَرْحَامِ إِلَى الدُّنْيَا، وَعَسْكَرًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْقُبُورِ، ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ جَمِيعًا إلى الله عز وجل.
- إسناده ضعيف جدا لأجل أبي حمزة.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٢٢ عن الثعلبي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٧٥ من طريق أحمد بن حرب عن سفيان بهذا الإسناد.
- وصححه الحاكم أو قال الذهبي: اسم أبي حمزة: ثابت، وهو واه بمرة.
- وأخرجه الطبري ٣٣٠١٣ وأبو الشيخ في «العظمة» ١٦٠ من طريقين عن أبي حمزة الثمالي به.
- وأخرجه الطبراني ١٠٦٠٥ من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير به، وهذا إسناد حسن.
- وقال الهيثمي: ٧/ ١٩١: رواه الطبراني من طريقين، ورجال هذه ثقات.
- وورد مرفوعا من طريق أبي حمزة الثمالي عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
أخرجه أبو الشيخ ١٦٢. وإسناده ضعيف جدا لضعف أبي حمزة، ولانقطاعه، الضحاك لم يلق ابن عباس.
- وأخرجه الطبراني ١٢٥١١ من وجه آخر، وإسناده ضعيف جدا، فيه ليث بن أبي سليم ضعيف، وعنه زياد البكائي، وهو ضعيف روى مناكير.
- وورد أيضا مرفوعا من حديث أنس عند أبي الشيخ ١٥٩ وإسناده ضعيف جدا، وعلته محمد بن عثمان الحراني، ذكره الذهبي في «الميزان» ٣/ ٦٤١ وقال: أتى بخبر باطل، وذكر له هذا الحديث.
- وأخرجه أبو الشيخ ١٦٣ من وجه آخر، وفيه أبو الدهماء غير قوي، وشيخه أبو ظلال واه، والخبر منكر جدا كونه مرفوعا، وحسبه الوقف على ابن عباس، فقد ورد عنه بأسانيد أحدها حسن.
(١) في المطبوع «المزكى» والمثبت عن «الوسيط» للواحدي ٤/ ٢٢٢.
(٢) في المطبوع «اليماني» والمثبت عن «الوسيط». [.....]

وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ سَوْقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
كُلُّ يَوْمٍ لَهُ إِلَى الْعَبِيدِ [١] بِرُّ جَدِيدٌ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: سَيَفْرُغُ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ، وَلَهُ الْجَوارِ، فَأَتْبَعَ الْخَبَرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْفَرَاغُ عَنْ شُغْلٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَلَكِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ بِالْمُحَاسَبَةِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْفَرَاغُ لِسَبْقِ ذِكْرِ الشَّأْنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ سَنَقْصِدُكُمْ بَعْدَ التَّرْكَ وَالْإِمْهَالِ وَنَأْخُذُ فِي أَمْرِكُمْ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ قد تفرغت لك [٢] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ التَّقْوَى وَأَوْعَدَ أَهْلَ الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ، وَأَخْبَرَنَاكُمْ فَنُحَاسِبُكُمْ وَنُجَازِيكُمْ وَنُنْجِزُ لكم ما وعدناكم، فنتم ذلك ونفرغ مِنْهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ ومقاتل: أَيُّهَ الثَّقَلانِ، أَيِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ سُمِّيَا ثقلين لأنهما ثقلا عَلَى الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) [الزَّلْزَلَةِ: ٢]، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ قَدْرٌ وَوَزْنٌ يُنَافَسُ فِيهِ [فَهُوَ] [٣] ثِقَلٌ.
«٢٠٨٨» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي».
فَجَعَلَهُمَا ثَقَلَيْنِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهِمَا، وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصادق عليهما السلام، سُمِّيَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا، أَيْ تَجُوزُوا وَتَخْرُجُوا، مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مِنْ جَوَانِبِهِمَا وَأَطْرَافِهِمَا، فَانْفُذُوا، مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أقطار السموات وَالْأَرْضِ. فَاهْرُبُوا وَاخْرُجُوا مِنْهَا، وَالْمَعْنَى حيث ما كُنْتُمْ أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النِّسَاءِ: ٧٨].
وَقِيلَ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أن تجوزوا أطراف السموات وَالْأَرْضِ فَتُعْجِزُوا رَبَّكُمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ فَجُوزُوا، لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ، أَيْ: بِمُلْكٍ، وَقِيلَ: بِحُجَّةٍ، وَالسُّلْطَانُ: الْقُوَّةُ الَّتِي يَتَسَلَّطُ بِهَا عَلَى الْأَمْرِ، فَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا سُلْطَانٌ، يُرِيدُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتُمْ كُنْتُمْ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا ما في السموات وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: إِلَّا بسلطان أي إِلَى سُلْطَانٍ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي [يوسف: ١٠٠] أي إليّ.
(١) في المخطوط (أ) «خلقه».
(٢) في ط والمخطوط (ب) :«فرغت لي» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ).
(٣) زيادة عن المخطوط.