آيات من القرآن الكريم

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
ﰍﰎﰏﰐﰑ

وَإِنْكَارِ الْحَشْرِ وَإِنْكَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ، وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً أَحَدُهَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الدُّنْيَا أَيْ هُمْ فِي الدُّنْيَا فِي ضَلَالٍ وَجُنُونٍ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: يُسْحَبُونَ بَيَانُ حَالِهِمْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ ثَانِيهَا: الْجَمْعُ فِي الْآخِرَةِ أَيْ هُمْ فِي ضَلَالِ الْآخِرَةِ وَسُعُرٍ أَيْضًا. أَمَّا السُّعُرُ فَكَوْنُهُمْ فِيهَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الضَّلَالُ فَلَا يَجِدُونَ إِلَى مَقْصِدِهِمْ أَوْ إِلَى مَا يَصْلُحُ مَقْصِدًا وَهُمْ مُتَحَيِّرُونَ سَبِيلًا، فَإِنْ قِيلَ: الصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ لَا غَيْرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ ظَرْفُ الْقَوْلِ أَيْ يَوْمَ يُسْحَبُونَ يُقَالُ لَهُمْ ذُوقُوا، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فَنَقُولُ: يَوْمَ يُسْحَبُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِعَامِلٍ مَذْكُورٍ أَوْ مَفْهُومٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: الْعَامِلُ سَابِقٌ وَهُوَ مَعْنًى كَائِنٌ وَمُسْتَقِرٌّ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ نَسْيًا مَنْسِيًّا ثَانِيهِمَا: الْعَامِلُ مُتَأَخِّرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: ذُوقُوا تَقْدِيرُهُ: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ يَوْمَ يُسْحَبُ الْمُجْرِمُونَ، وَالْخِطَابُ حِينَئِذٍ مَعَ مَنْ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ:
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ [الْقَمَرِ: ٤٣] وَالِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ «١» : أَنَّ الْمَفْهُومَ هُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: يَوْمَ يُسْحَبُونَ ذُوقُوا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذُوقُوا اسْتِعَارَةٌ وَفِيهِ حِكْمَةٌ وَهُوَ أَنَّ الذوق من جملة الإدراكات فإن المذوق إذا لَاقَى اللِّسَانَ يُدْرِكُ أَيْضًا حَرَارَتَهُ وَبُرُودَتَهُ وَخُشُونَتَهُ وَمَلَاسَتَهُ، كَمَا يُدْرِكُ سَائِرُ أَعْضَائِهِ الْحِسِّيَّةِ وَيُدْرِكُ أَيْضًا طَعْمَهُ وَلَا يُدْرِكُهُ غَيْرُ اللِّسَانِ، فَإِدْرَاكُ اللِّسَانِ أَتَمُّ، فَإِذَا تَأَذَّى مِنْ نَارٍ تَأَذَّى بِحَرَارَتِهِ وَمَرَارَتِهِ إِنْ كَانَ الْحَارُّ أَوْ غَيْرُهُ لَا يُتَأَذَّى إِلَّا بِحَرَارَتِهِ فَإِذَنِ الذَّوْقُ إِدْرَاكٌ لَمْسِيٌّ أَتَمُّ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمَلْمُوسَاتِ فَقَالَ:
ذُوقُوا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ إِدْرَاكَهُمْ بِالذَّوْقِ أَتَمُّ الْإِدْرَاكَاتِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْعَذَابِ شِدَّتُهُ وَإِيلَامُهُ بِطُولِ مُدَّتِهِ وَدَوَامِهِ، وَيَكُونُ الْمُدْرِكُ لَهُ لَا عُذْرَ لَهُ يَشْغَلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى أَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْإِدْرَاكِ فَيَحْصُلُ الْأَلَمُ الْعَظِيمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يُقَالُ لَهُمْ أَوْ نَقُولُ مُضْمَرٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْإِضْمَارِ إِذَا كَانَ الْخِطَابُ مَعَ غَيْرِ مَنْ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: ذُوقُوا أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَّ سَقَرَ يَوْمَ يُسْحَبُ الْمُجْرِمُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي النار. / ثم قال تعالى:
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٩]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: الْمَشْهُورُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: ذُوقُوا فَإِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، أَيْ هُوَ جَزَاءٌ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدُّخَانِ: ٤٩] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: ٤٨] ثُمَّ ذَكَرَ بَيَانَ الْعَذَابِ لِأَنَّ عَطْفَ: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [الْقَمَرِ: ٥٠] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
لَيْسَ آخِرَ الْكَلَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى الْخَلْقَ بِقَوْلِهِ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ فَيَكُونُ مِنَ اللَّائِقِ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَ فَقَالَ: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْجَدَلِ فَنَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَسَّكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ إِلَى قَوْلِهِ: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: ٤٧، ٤٨] وَتَلَا آيَةً أُخْرَى عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ، وَلَمْ يَقْرَأِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ مَنْ عَلِمَ الْآيَةَ كَمَا تَقُولُ فِي الِاسْتِدْلَالَاتِ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ

(١) في النسخة الأميرية والاحتمال الثاني وهو خطأ ظاهر وقد علق عليها بما لا طائل تحته.

صفحة رقم 325

[النساء: ٢٩] الآية: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: ١٢١] الآية: وإِذا تَدايَنْتُمْ [الْبَقَرَةِ:
٢٨٣] الْآيَةَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كُلَّ قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ، وَبِالرَّفْعِ فَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ فَنَصْبُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ كَقَوْلِهِ: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ [يس: ٣٩] وَقَوْلِهِ: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ [الْإِنْسَانِ: ٣١] وَذَلِكَ الْفِعْلُ هُوَ خَلَقْنَاهُ وَقَدْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: خَلَقْناهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، وَخَلَقْنَاهُ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ صِفَةً لِشَيْءٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذَّارِيَاتِ: ٤٩] غَيْرَ أَنْ هُنَاكَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً كَوْنُهُ خَالِيًا عَنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَانِعُ، وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ أَفْعَالَنَا شَيْءٌ فَتَكُونُ دَاخِلَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَتَكُونُ مَخْلُوقَةً للَّه تَعَالَى، وَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فُصِّلَتْ: ١٧] حَيْثُ قُرِئَ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ نَكِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ مُبْتَدَأً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ فَهُوَ بِقَدَرٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ [الرَّعْدِ: ٨] فِي الْمَعْنَى، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ يَتَمَسَّكُ بِقِرَاءَةِ الرَّفْعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ:
الْقِرَاءَةُ الْأُولَى وَهُوَ النَّصْبُ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: نَصْبُهُ بِفِعْلٍ مَعْلُومٍ لَا بِمُضْمَرٍ مُفَسَّرٍ وَهُوَ قَدَّرْنَا أَوْ خَلَقْنَا، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرِ، أَوْ قَدَّرْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ مَعْلُومٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ:
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [غَافِرٍ: ٦٢] دَلَّ عَلَيْهِ، وَقَوْلَهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدَرٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بطلان قوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:
٦٢] وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الرَّفْعُ، فَنَقُولُ: جاز أن يكون كل شيء مبتدأ وخلقناه بِقَدَرٍ خَبَرَهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْحُجَّةُ قَائِمَةً عَلَيْهِمْ بِأَبْلَغَ وَجْهٍ، وَقَوْلُهُ: كُلَّ شَيْءٍ نَكِرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ مُبْتَدَأً ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُلَّ شَيْءٍ عَمَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِأَسْرِهَا، فَلَيْسَ فِيهِ/ الْمَحْذُورُ الَّذِي فِي قَوْلِنَا: رَجُلٌ قَائِمٌ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً ظَاهِرَةً، وَقَوْلُهُ: كُلَّ شَيْءٍ يُفِيدُ مَا يُفِيدُ زَيْدٌ خَلَقْنَاهُ وَعَمْرٌو خَلَقْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ، وَلِهَذَا جَوَّزُوا مَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْكَ لِأَنَّهُ أَفَادَ الْعُمُومَ وَلَمْ يَحْسُنْ قَوْلُ الْقَائِلِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنْكَ حَيْثُ لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَا مَعْنَى الْقَدَرِ؟ قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: الْمِقْدَارُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ [الرعد: ٨] وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ شَيْءٍ مُقَدَّرٌ فِي ذَاتِهِ وَفِي صِفَاتِهِ، أَمَّا الْمُقَدَّرُ فِي الذَّاتِ فَالْجِسْمُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ بِالْجِسْمِ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، وَأَمَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ مَا لَا مِقْدَارَ لَهُ وَالْقَائِمُ بِالْجَوْهَرِ مَا لَا مِقْدَارَ لَهُ بِمَعْنَى الِامْتِدَادِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَغَيْرِهِمَا، فنقول: هاهنا مقادير لا بمعنى الامتداد، أما الجواهر الْفَرْدُ فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْهُ أَصْغَرُ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْلَا أَنَّ حَجْمًا يَزْدَادُ بِهِ الِامْتِدَادُ، وَإِلَّا لَمَا حَصَلَ دُونَ الِامْتِدَادِ فِيهِ، وَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْجَوْهَرِ فَلَهُ نِهَايَةٌ وَبِدَايَةٌ، فَمِقْدَارُ الْعُلُومِ الْحَادِثَةِ وَالْقُدُرُ الْمَخْلُوقَةُ مُتَنَاهِيَةٌ، وَأَمَّا الصِّفَةُ فَلِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ابْتُدِئَ زَمَانًا فَلَهُ مِقْدَارٌ فِي الْبَقَاءِ لِكَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ حَادِثًا، فَإِنْ قِيلَ: اللَّه تَعَالَى وُصِفَ بِهِ، وَلَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، نَقُولُ: الْمُتَكَلِّمُ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ أَوْ مُسَمًّى بِاسْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ الْمُسَمَّاةَ بِذَلِكَ الِاسْمِ أَوِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْصُوفَةَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَأَسْنَدَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِهِ إِلَيْهِ يَخْرُجُ هُوَ عَنْهُ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: رَأَيْتُ جَمِيعَ مَنْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَرَأَيْتُهُمْ كُلُّهُمْ أَكْرَمَنِي، وَيَقُولُ مَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا وَضَرَبَنِي أَوْ ضَرَبْتُهُ يَخْرُجُ هُوَ عَنْهُ لَا لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُقْتَضَى الِاسْمِ، بَلْ بِمَا فِي التَّرْكِيبِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى خُرُوجِهِ عَنِ الْإِرَادَةِ، فَكَذَلِكَ قوله: خَلَقْناهُ وخالِقُ كُلِّ

صفحة رقم 326
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية