آيات من القرآن الكريم

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
ﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

ثم أضرب سبحانه تهميماً بأمر الساعة التي هي أَشَدُّ عليهم من كُلِّ هزيمة وقَتْلٍ، فقال: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وأَدْهى: أفعل من الداهية، وهي الرَّزِيَّةُ العُظْمَى تنزل بالمرء، وَأَمَرُّ من المرارة.
ت: وقال الثعلبيُّ: الداهية الأَمَرُّ: الشديد الذي لا يُهْتَدَى للخلاص منه، انتهى.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أَنَّهم في الدنيا في حيرة وانتلاف، وفقد هدى، وفي الآخرة في احتراق وتسعُّر، وقال ابن عباس «١» : المعنى: في خسران وجُنُونٍ، والسُّعُرُ:
الجنون، وأكثر المفسرين على أَنَّ المجرمين هنا يراد بهم الكفّار، والسّحب: الجرّ.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٥]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
وقوله سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قرأ جمهور الناس: كُلَّ بالنصب، وقالوا: المعنى: إنَّا خلقنا كُلَّ شيء بقدر سابق، وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء، / وهذا مذهب أهل السُّنَّةِ وهذا المعنى يقتضى أَنَّ كُلَّ شيء مخلوق إلاَّ ما قام عليه الدليل أَنَّه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات.
ت: قال الثعلبيُّ: قال ابن عباس «٢» : خَلَقَ اللَّه الخَلْقَ كُلَّهم بقدر، وَخَلَقَ الخيرَ والشَّرَّ، فخيرُ الخير: السعادةُ، وَشَرُّ الشَّرِّ: الشقاوة.
وقوله سبحانه: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ قال ع «٣» : أي: إلاَّ قولة واحدة، وهي «كن».
ت: قوله: إلاَّ قوله فيه قَلَقٌ ما، وكأَنَّه فَهِمَ أَنَّ معنى الآية راجع إلى قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: ٤٠] وعبارة الثعلبيِّ:
أي: وما أمر الساعة إلاَّ واحدة، أي: إلاَّ رجفة واحدة، قال أبو عبيد: هي نعت للمعنى

(١) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢١).
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٥٦٩) برقم: (٣٢٨٤٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٨٥)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر. [.....]
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢١).

صفحة رقم 343

دون اللفظ، مجازه: وما أمرنا إلاَّ مرة واحدة كن فيكون كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، أي: كخطف بالبصر، فقيل له: إنَّه يعني الساعةَ، فقال: الساعة وجميع ما يريد، انتهى، وكلام أبي عبيد عندي حَسَنٌ.
والأشياع: الفِرَقُ المتشابهة في مذهب، أو دين، ونحوهِ، الأَوَّلُ شيعةٌ للآخر، والآخرُ شيعة للأَوَّلِ، وكُلُّ شيء فعلته الأُمَم المُهْلَكَةُ في الزبر، أي: مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب قاله ابن عباس وغيره «١»، ومُسْتَطَرٌ أي: مسطّر، وقرأ الجمهور «٢» :
ونَهَرٍ- بفتح النون والهاء- على أَنَّه اسم الجنس يريد به الأنهار، أو على أَنَّه بمعنى:
وَسَعَةٍ في الأرزاق والمنازل، قال أبو حيان «٣» : وقرأ الأعمش «وَنُهُرٍ» - بضم النون والهاء- جمع نَهْرٍ ك «رَهُنٍ» وَ «رَهْنٍ» انتهى.
وقوله تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ يحتمل أنْ يريدَ به الصّدقَ الذي هو ضِدُّ الكَذِبِ، أي: المقعد الذي صدقوا في الخبر به، ويحتمل أنْ يكون من قولك: عود صدق، أي:
جيد، وَرَجُلٌ/ صِدْقٌ، أي: خير، والمليك المقتدر: اللَّه تعالى.
ت: وقال الثعلبيُّ: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي: في مجلس حَقٍّ لا لَغْوَ فيه ولا تأثيمَ، وهو الجنة عند مليك مقتدر، وعِنْدَ: إشارة إلى القربة والرُّتْبَةِ، انتهى.
- ص-: قال أبو البقاء: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ: بدل من قوله: فِي جَنَّاتٍ انتهى، قال المُحَاسِبِيُّ: وإذا أخذ أهلُ الجنة مجالسَهم، واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعده اللَّه لهم، فهم في القُرْبِ من مولاهم سبحانه على قدر منازلهم عنده، انتهى من كتاب «التَّوَهُّمِ» ثم قال المُحَاسِبيُّ بإثْرِ هذا الكلام: فلو رأيتهم، وقد سمعوا كلامَ ربهم، وقد داخل قلوبَهم السرورُ، وقد بلغوا غايةَ الكرامة ومنتهى الرضا والغِبْطَةِ، فما ظَنُّك بنظرهم إلى العزيز العظيم الجليل الذي لا تقع عليه الأوهام ولا تحيطُ به الأفهام، ولا تحده الفِطَنُ، ولا تكيِّفه الفِكَرُ، الأَزَلِيُّ القديم، الذي حارت العقول عن إدراكه، وكَلَّتِ الألسن عن كُنْهِ صفاته؟! انتهى.

(١) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٨٦)، وعزاه لابن المنذر.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ١٨٢)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٣٤).
(٣) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١٨٢)، وفيه أيضا: أنها قراءة زهير الفرقبي وأبي نهيك، وأبي مجلز، واليماني.
وينظر: «المحتسب» (٢/ ٣٠٠).

صفحة رقم 344
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية