آيات من القرآن الكريم

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎﰏﰐﰑ

ان الله تعالى هو العزيز المقتدر ولذا أخذهم بتكذيبهم ولم يمنعه من ذلك مانع والمراد بالعذاب هو الإغراق في بحر القلزم او النيل يقول الفقير لعل سر الغرق ان فرعون وصل الى موسى بسبب الماء الذي ساقه اليه في تابوته فلم يشكر لا نعمة الماء ولا نعمة موسى فانقلب الحال عليه بضد ذلك حيث أهلكه الله وقومه بالماء الذي هو سبب الحياة لغيرهم ووجه إدخال الطمس في العذاب بالنسبة الى قوم لوط ودرج الطوفان ونحوه في الآيات بالاضافة الى آل لوط ظاهر لان المقصود هو العذاب المتعلق بالوجود والطمس كذلك دون بعض آيات فرعون أَكُفَّارُكُمْ يا معشر العرب خَيْرٌ عند الله قوة وشدة وعدة وعدة مِنْ أُولئِكُمْ الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون والمعنى انه أصابهم ما أصابهم مع ظهور خيريتهم منكم فيما ذكر من الأمور فهل تطمعون أن لا يصيبكم مثل ذلك وأنتم شر منهم مكانا وأسوأ حالا أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ إضراب وانتقال من التبكيت بما ذكر الى التبكيت بوجه آخر اى بل الكم براءة وأمن من عذاب الله بمقابلة كفركم ومعاصيكم نازلة في الكتب السماوية فلذلك تصرون على ما أنتم عليه وتأمنون بتلك البراءة والمعنى به الإنكار يعنى لم ينزل لكم في الكتب السماوية ان من كفر منكم فهو فى أمن من عذاب الله أَمْ يَقُولُونَ جهلا منهم نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ تبكيت والالتفات للايذان باقتضاء حالهم للاعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم يقال نصره من عدوه فانتصر اى منعه فامتنع اى بل أيقولون واثقين بشوكتهم نجن أولوا حزم ورأى أمرنا مجتمع لانرام ولا نضام او منتصر من الأعداء منتقم لا نغلب او متناصر بنصر بعضنا بعضا على أن يكون افتعل بمعنى تفعل كاختصم والافراد في منتصر باعتبار لفظ الجميع قال ابو جهل وقد ركب يوم بدر فرسا كميتا كان يعلفه كل يوم فرقا من ذرة وقد حلف انه يقتل محمدا صلّى الله عليه وسلّم نحن تنتصر اليوم من محمد وأصحابه فقتلوه يومئذ وجر رأسه الى رسوله الله ابن مسعود رضى الله عنه وفيه اشارة الى كفار صفات النفس واختلاف أنواعها مثل البهيمية والسبعية والشيطانية والهوائية والحيوانية وتناصر بعضها بنصر بعض وتعاون بعض بمعاونة بعض سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ رد وابطال لذلك والسين للتأكيد اى سيهزم جمع قريش البتة وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ اى الأدبار والتوحيد لارادة الجنس يعنى ينصرفون عن الحرب منهزمين وينصر الله رسوله والمؤمنين وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدرى اى جمع فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله عليه السلام يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله عليه السلام لانه اخبر عن غيب فكان كما اخبر قال ابن عباس رضى الله عنهما كان بين نزول هذه الآية وبين يوم بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ اى ليس هذا تمام عقوبتهم بل القيامة موعد اصل عذابهم وهذا من طلائعه وَالسَّاعَةُ إظهارها في موقع اضمارها لتربية تهويلها أَدْهى أعظم داهية

صفحة رقم 282

وفي أقصى غاية من الفظاعة والداهية الأمر الفظيع لا يهتدى الى الخلاص منه وَأَمَرُّ أشد مرارة وفي أقصى نهاية من المرارة وحاصله ان موقف القيامة اهول من موقف بدر وعذابها أشد وأعظم من عذابه لان عذاب الدنيا مثل الاسر والقتل والهزيمة ونحوها أنموذج من عذاب الآخرة كما ان نارها جزؤ من سبعين جزأ من نارها إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى المشركين من الأولين والآخرين فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ اى في هلاك ونيران مسعرة والتسعير آتش نيك افروختن وقيل في ضلال عن الحق في الدنيا ونيران في الآخرة يَوْمَ يُسْحَبُونَ منصوب اما بما يفهم من قوله في ضلال اى كائنون في ضلال وسعر يوم يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ واما بقوله مقدر بعده اى يوم يسحبون يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ سقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف وقيل اسم لطبقتها الخامسة من سقرته النار إذا بوخته اي غيرته والمس كاللمس وهو ادراك بظاهر البشرة والمعنى قاسوا حرها وألمها فان مسها سبب للتألم بها فمس سقر مجاز عن ألمها بعلاقة السببية وفي القاموس ذوقوا مس سقر اى أول ما ينالكم منها كقولك وجد مس الحمى انتهى وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل استشهد أتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فى سبيلك حتى استشهدت قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جريئ فقد قيل فأمربه فسحب على وجه حتى ألقى في النار وجل تعلم العلم وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال تعلمت العلم وقرأت القرآن وعملت قال كذبت انما أردت فلان عالم وفلان قارئ فقد قيل فأمر به فسحب وجهه حتى ألقى في النار ورجل آتاه الله تعالى من انواع المال فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال ما عملت فيها قال ما تركت من شيء يجب ان ينفق فيه لك قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار وعن عطاء السلمى قال خرجت يوما مع أصحابي نستسقى فلقينى سعدون فقال يا عطاء هل خرجتم بقلوب سماوية او بقلوب ارضية قلت بل بقلوب سماوية فقال يا عطاء لا تتعوج فان الناقد بصير فخجلت منه فلما دعونا ولم نمطر قلت له ادع الله حتى يسقينا فرفع رأسه الى السماء فقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال بحرمة ما كان بينى وبينك البارحة أن تسقينا فلم يفرغ من كلامه حتى مطرنا ثم بكى ورجع والكلام في تصحيح النية وتطهير القلب عن الغير والإخلاص لله تعالى ومن بقي في صفات نفسه واعرض عن الحق وأقبل على الدنيا وشهواتها فهو يجر في نار جهنم البعد والطرد ويذوق حر نار الهجران والخذلان إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ من الأشياء وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده خَلَقْناهُ حال كون ذلك الشيء ملتبسا بِقَدَرٍ متعين اقتضته الحكمة التي عليها يدور امر التكوين فقدر بمعنى التقدير وهو تسوية صورته وشكله وصفاته الظاهرة والباطنة على مقدار مخصوص اقتضته الحكمة وترتبت عليه المنفعة المنوطة بخلفه او خلقناه مقدرا مكتوبا في اللوح قبل وقوعه لا يغير ولا يبدل (مصرع)

صفحة رقم 283
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
قضى الله امرا وجف القلم سر بر خط لوح ازلى دار وخموش