آيات من القرآن الكريم

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
ﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ

مُسْتَقِرٌّ ٣٨»
ثابت دائم إلى يوم القيامة حتى يقضى بسوقهم إلى النار ويقال لهم فيها «فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ ٣٩» تشديدا للعذاب وزيادة للحسرة «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ٤٠» وفي تكرير هذه الآية معنى آخر وهو حث للسامع على تجديد الاتعاظ وتكرير الانتباه عند سماع تكرار هذه الآية آخر كل قصة لتكون عبرة دائمة في القلوب مستمرا تصورها في الأذهان وكذلك الأمر في تكرار (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في سورة المرسلات المارة، وجملة فبأي آلاء ربكما تكذبان من سورة الرحمن في ج ٣
قال تعالى «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ٤١» أي موسى وهرون «كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها» أي الآيات التسع الآتية في سورة الأعراف مفصلة من الآية ١٠٢ فما بعد «فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ٤٢» غالب قهار جبار لا يعجزه شيء ولا يحول دون أمره شيء «أَكُفَّارُكُمْ» يا أمة محمد ويا أهل مكة «خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ» الذين قصصنا عليكم أمرهم وكيفية تعذيبهم في الدنيا وما خبأناه لهم في الآخرة أدهى وأمر وأدوم «أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ» يأمنكم من الإهلاك أخبرتم بها أم نزلت عليكم «فِي الزُّبُرِ ٤٣» الكتب المتقدمة، كلا لا مأمن لكم من العذاب البتة ولستم بأحسن ممن قبلكم ولا أقل كفرا منهم ولم ينزل بأمتكم من عذاب الله شيء وسيصيبكم ما أصابهم إن لم تؤمنوا.
مطلب الآيات المدنية وحكم ما تأخر حكمه عن نزوله:
وهذه أولى الآيات المدنيات قال تعالى «أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ» الذين حضروا واقعة بدر كما سيأتي بيانها في الآية ٥ من سورة الأنفال في ج ٣ «جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ٤٤» كثيرون أقوياء ممتنعون لا نظلم ولا نرام فردّ عليهم بقوله «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ٤٥» هاربين لا يلوون على أحد، واعلم يا حبيبي أن ليس الأمر كما يقولون ويتوهمون «بَلِ السَّاعَةُ» هذه التي يتوخون النصر فيها هي «مَوْعِدُهُمْ» للقتل والأسر والسبي في الدنيا وهذه من علامات النبوة حيث صدق الله وعده رسوله «وَالسَّاعَةُ» الداهية الدهماء الموعودون بها يوم القيامة «أَدْهى» من عذاب هذه

صفحة رقم 292

الساعة الدنيوية «وَأَمَرُّ ٤٦» منها مذاقا وأدوم عذابا من القتل والأسر والسبي.
انتهت الآيات المدنيات. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله وهو في قبة يوم بدر: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم أبدا. فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك، فخرج وهو في الدرع وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر. وقد مر في الآية ١٤ من سورة الأعلى المارة أن هذه الآية مما تأخر حكمها عن نزولها وهو الصحيح والله أعلم لأنها إحدى الآيات السبع المبينين هناك أربع منها وهذه الخامسة والسادسة الآية ٥٦ من سورة النور ج ٣ وهي (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) والسابعة قوله (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ) الآية ٢١ من سورة الفتح في ج ٣ أيضا وللبحث صلة في تفسير هاتين الآيتين الأخيرتين بمحلهما إن شاء الله. أما الأربع الأول فقد تقدم في سورة الأعلى بيانها وسببها قال تعالى «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ» من الأولين والآخرين «فِي ضَلالٍ» في هذه الدنيا «وَسُعُرٍ ٤٧» في الآخرة «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ» وتقول لهم زبانية العذاب «ذُوقُوا» أيها المجرمون «مَسَّ سَقَرَ ٤٨» ألمها عند ما تمس جلودكم كما يقال الآن ذق طعم الضرب ومس الحمّى قال تعالى ردا لما يقال من قبل أهل الضلال «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ٤٩» معلوم وتقدير سابق مثبت في اللوح المحفوظ وسنظهره عند إرادتنا له قال ابن عباس كل شيء بقدر حتى وضع يدك على خذك، روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وكان عرشه على الماء، أي قبل خلقهما. راجع الآية ٦ من سورة هود في ج ٢.
مطلب في القدر وما يتعلق به:
والمراد من هذا تحديد وقت الكتابة في اللوح لا أصل القدر لأنه أزلي لا أول له، وروي أيضا عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية. وروي عن طاووس قال: أدركت أناسا من أصحاب

صفحة رقم 293

رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر الله تعالى. وسمعت عبد الله بن عمر يقول:
قال صلّى الله عليه وسلم: كل شيء يقدر حتى العجز (عدم القدرة على الفعل) والكيس (النشاط والحذق بالأمور) أي قدر الله ذلك في البشر أيضا وأخرج الترمذي عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله: لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، واني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت وبالبعث، ويؤمن بالقدر. وأخرج أيضا عن جابر قال: قال صلّى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وهذا حديث غريب يعرف من طريق عبد الله بن ميمون وهو منكر الحديث. أما الحديث المتفق عليه فهو حديث جبريل عليه السلام المشهور الذي فيه، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت. وهو الذي رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه، والحديث الآخر الذي رواه الترمذي عن ابن عباس وكلاهما في حديث الأربعين، وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه ابن ماجه وابن عدي وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال صلّى الله عليه وسلم صنفان من أمتي ليس لهما نصيب في الإسلام: المرجئة والقدرية، أنزلت فيهم آية في كتاب الله (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) الآية المارة وإن الذين ينكرون القدر هم خصماء الله لأنهم يقولون لا يقدر الله المعصية على العبد ثم يعذبه عليها ويسمون القدرية لإنكارهم القدر وزعمهم ان الله تعالى لم يتقدم علمه بالأشياء وانه يعلمها بعد وقوعها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقد أجمعت الأئمة من أهل السنة والجماعة على اثبات القدر وانه تعالى قدر جميع الأشياء في القدم وعلم انها ستقع في أوقات معلومة عنده على صفات مخصوصة فتقع بحسب ما قدرها. والحكم الشرعي هو وجوب اعتقاد ما قرره هذا المذهب الحق وأجمع عليه جمهور المحققين ورفض قول المبتدعة وتفسيقهم. قال امام الحرمين قال رسول الله: القدرية مجوس هذه الأمة رواه ابو حاتم عن ابن عمر عن رسول الله وأخرجه أبو داوود في سننه والحاكم ابو عبد الله في المستدرك على شروط الصحيحين، وقال صحيح على شرط الشيخين ان صح سماع ابي حاتم عن ابن عمر.
قال الخطابي: انما جعلهم حضرة الرسول مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس لقولهم

صفحة رقم 294
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية