
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٩ الى ٢٣]
أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ أصنام كانت لهم، وهي مؤنثات، فاللات كانت لثقيف بالطائف.
وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فعلة من لوى، لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة. أو يلتوون عليها «١» : أى يطوفون. وقرئ: اللات، بالتشديد. وزعموا أنه سمى برجل كان يلت عنده السمن بالزيت ويطعمه الحاج. وعن مجاهد: كان رجل يلت السويق بالطائف، وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثنا، والعزى كانت لغطفان وهي سمرة، وأصلها تأنيث الأعز، وبعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عزّ كفرانك لا سبحانك | إنى رأيت الله قد أهانك «٢» |
(٢). لخالد بن الوليد رضى الله عنه. وعز: مرخم عزى. وترخيمه شاذ، لأنه ليس رباعيا ولا مؤنثا بالهاء، وهي شجرة كانت نعبدها الجاهلية، فضربها بسيقه فخرجت منها جنية صارخة، فقال لها ذلك البهت. وقيل: ضربها بالفأس حتى قطعها وقتل الجنية. وكفرانك: نصب بمحذوف وجوبا، كسبحان، أى: أكفر كفرانا بك، لا أنزه تنزيها لك، فهما مصدران مغنيان عن اللفظ بفعليهما. والاهانة: الا ذلال.

ورجع فأخبر رسول الله ﷺ فقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا «١». ومناة: صخرة كانت لهذيل وخزاعة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: لثقيف. وقرئ:
ومناءة، وكأنها سميت مناة لأنّ دماء النسائك كانت تمنى عندها، أى: تراق، ومناءة مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها. والأخرى ذمّ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ أى وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم.
ويجوز أن تكون الأوّلية والتقدّم عندهم للات والعزى. كانوا يقولون إنّ الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات، فقيل لهم أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ويجوز أن يراد: أنّ اللات والعزى ومناة إناث، وقد جعلتموهنّ لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله وتسمونهنّ آلهة قِسْمَةٌ ضِيزى جائرة، من ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل: ضوزى «٢». ففعل بها ما فعل ببيض، لتسلم الياء. وقرئ: ضئزى، من ضأزه بالهمز. وضيز: بفتح الضاد هِيَ ضمير الأصنام، أى ما هي إِلَّا أَسْماءٌ ليس تحتها في الحقيقة مسميات، لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشدّه منافاة لها. ونحوه قوله تعالى ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أو ضمير الأسماء وهي قولهم، اللات والعزى ومناة، وهم يقصدون بهذه الأسماء الآلهة، يعنى: ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتموها بهواكم وشهوتكم، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به. ومعنى سَمَّيْتُمُوها سميتم بها، يقال: سميته زيدا، وسميته بزيد إِنْ يَتَّبِعُونَ وقرئ بالتاء إِلَّا الظَّنَّ إلا توهم أنّ ما هم عليه حق، وأنّ آلهتهم شفعاؤهم، وما تشتهيه أنفسهم، ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أنّ دينهم باطل.
(٢). قوله «والأصل قوله ضوزى» لعل صوابه «ضيزى» بكسر الضاد. ويؤيده ما قبله وما بعده اه ملخصا من هامش. (ع)