آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏ

و: «المصيطر» المسلط القاهر، وبذلك فسر ابن عباس وأصله السين، ولكن كتبه بعض الناس. وقرأه بالصاد مراعاة للطاء ليتناسب النطق. وحكى أبو عبيدة: تسيطرت علي إذا اتخذتني خولا. والسلم: السبب الذي يصعد به كان ما كان من خشب أو بناء أو حبال. ومنه قول ابن مقبل: [البسيط]

لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا تبنى له في السماوات السلاليم
وحكى الرماني قال: لا يقال سلم لما يبنى من الأدراج، وإنما السلم المشبك، وبيت الشعر يرد عليه، والمعنى: ألهم سُلَّمٌ إلى السماء يَسْتَمِعُونَ فِيهِ أي عليه ومنه، وهذه حروف يسد بعضها مسد بعض، والمعنى: يستمعون الخبر بصحة ما يدعونه فليأتوا بالحجة المبينة في ذلك وقوله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَناتُ الآية، معناه: أم هم أهل الفضيلة علينا فيلزم لذلك انتخاؤهم وتكبرهم، ثم قال تعالى:
أَمْ تَسْأَلُهُمْ يا محمد على الإيمان بالله وشرعه أجرة يثقلهم غرمها فهم لذلك يكرهون الدخول فيما يوجب غرامتهم ثم قال تعالى: أَمْ عِنْدَهُمُ علم الْغَيْبُ فهم يبينون ذلك للناس سننا وشرعا يكتبونه وذلك عبادة الأوثان وتسييب السوائب وغير ذلك من سيرهم. وقيل المعنى: فهم يعلمون متى يموت محمد الذي يتربصون به، و: يَكْتُبُونَ بمعنى يحكمون، وقال ابن عباس: يعني أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون به. ثم قال تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً بك وبالشرع، ثم جزم الخبر بأنهم هُمُ الْمَكِيدُونَ، أي المغلوبون، فسمى غلبتهم كَيْداً إذ كانت عقوبة الكيد. ثم قال تعالى: أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يعصمهم ويمنعهم منهم ويدفع في صدر إهلاكهم. ثم نزه تعالى نفسه عَمَّا يُشْرِكُونَ به من الأصنام والأوثان، وهذه الأشياء التي وقفهم تعالى عليها حصرت جميع المعاني التي توجب الانتخاء والتكبر والبعد من الائتمار، فوقفهم تعالى عليها أي ليست لهم ولا بقي شيء يوجب ذلك إلا أنهم قوم طاغون. وهذه صفة فيها تكسبهم وإيثارهم فيتعلق بذلك عقابهم. ثم وصفهم تعالى بأنهم على الغاية من العتو والتمسك بالأقوال الباطلة في قوله: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً الآية، وذلك أن قريشا كان في جملة ما اقترحت به أن تنزل من السماء عليها كسف وهي القطع، واحدها كسفة، وتجمع أيضا على كسف كثمرة وتمر، قال الرماني: هي التي تكون بقدر ما يكسف ضوء الشمس. فأخبر الله عنهم في هذه الآية أنهم لو رأوا كسفا ساقِطاً حسب اقتراحهم لبلغ بهم العتو والجهل والبعد عن الحق أن يغالطوا أنفسهم وغيرهم ويقولوا هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ. أي كثيف قد تراكم بعضه فوق بعض، ولهذه الآية نظائر في آيات أخر.
قوله عز وجل:
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٤٥ الى ٤٩]
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
قوله: فَذَرْهُمْ وما جرى مجراه من الموادعة منسوخ بآية السيف.
وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو بخلاف عنه «يلقوا»، والجمهور على «يلاقوا».

صفحة رقم 193

واختلف الناس في اليوم الذي توعدوا به، فقال بعض المتأولين: هو موتهم واحدا واحدا وهذا على تجوز، والصعق: التعذب في الجملة وإن كان الاستعمال قد كثر فيه فيما يصيب الإنسان من الصيحة المفرطة ونحوه. ويحتمل أن يكون اليوم الذي توعدوا به يوم بدر، لأنهم عذبوا فيه، وقال الجمهور: التوعد بيوم القيامة، لأن فيه صعقة تعم جميع الخلائق، لكن لا محالة أن بين صعقة المؤمن وصعقة الكافر فرقا.
وقرأ جمهور القراء: «يصعقون» من صعق الرجل بكسر العين. وقرأ أبو عبد الرحمن: «يصعقون» بفتح الياء وكسر العين. وقرأ عاصم وابن عامر وأهل مكة في قول شبل: «يصعقون» بضم الياء، وذلك من أصعق الرجل غيره. وحكى الأخفش: صعق الرجل بضم الصاد وكسر العين.
قال أبو علي: فجائز أن يكون منه فهو مثل يضربون، قال أبو حاتم: وفتح أهل مكة الياء في قول إسماعيل. و: يُغْنِي يكون منه غناء ودفاع.
ثم أخبر تعالى بأنهم لهم دون هذا اليوم، أي قبله عذاب، واختلف الناس في تعيينه، فقال ابن عباس وغيره: هو بدر والفتح ونحوه. وقال مجاهد: هو الجوع الذي أصاب قريشا. وقال البراء بن عازب وابن عباس أيضا: هو عذاب القبر، ونزع ابن عباس وجود عذاب القبر بهذه الآية. وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا في الأجسام وفي الأحبة وفي الأموال، هي للمؤمنين رحمة وللكافرين عذاب، وفي قراءة ابن مسعود:
دون ذلك قريبا وَلكِنَّ لا يَعْلَمُونَ. ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكم الله والمضي على نذارته ووعده بقوله: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، ومعناه بإدراكنا وأعين حفظنا وحيطتنا كما تقول: فلان يرعاه الملك بعين، وهذه الآية ينبغي أن يقررها كل مؤمن في نفسه، فإنها تفسح مضايق الدنيا. وقرأ أبو السمال: «بأعينا» بنون واحدة مشددة.
واختلف الناس في قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فقال أبو الأحوص عوف بن مالك: هو التسبيح المعروف، أن يقول في كل قيام له سبحان الله وبحمده. وقال عطاء: المعنى: حين تقوم من كل مجلس.
وقال ابن زيد: التسبيح هنا هو صلاة النوافل. وقال الضحاك وابن زيد: هذه إشارات إلى الصلاة المفروضة ف حِينَ تَقُومُ: الظهر والعصر، أي حِينَ تَقُومُ من نوم القائلة. وَمِنَ اللَّيْلِ المغرب والعشاء. وَإِدْبارَ النُّجُومِ الصبح. ومن قال هي النوافل جعل إدبارهم النُّجُومِ: ركعتي الفجر، وعلى هذا القول جماعة كثيرة، منهم عمر وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن رضي الله عنهم. وقد روي مرفوعا ومن جعله التسبيح المعروف، جعل قوله: حِينَ تَقُومُ مثالا، أي حين تقوم وحين تقعد وفي كل تصرفك. وحكى منذر عن الضحاك أن المعنى: حِينَ تَقُومُ في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فقل.
«سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، الحديث».
وقرأ سالم بن أبي الجعد ويعقوب: «وأدبار» بفتح الهمزة بمعنى: وأعقاب، ومنه قول الشاعر [قيس بن الملوح] :[الطويل]

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
وقرأ جمهور الناس: «وإدبار» بكسر الهمزة.

صفحة رقم 194
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية