آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏ

الْعِلْمِ إِلَى أَكْثَرِهِمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ رَأْيٍ وَنَظَرٍ يَتَوَقَّعُونَ حُلُولَ الشَّرِّ إِذَا كَانُوا فِي خَيْرٍ.
وَالظُّلْمُ: الشِّرْكُ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] وَهُوَ الْغَالِبُ فِي إِطْلَاقِهِ فِي الْقُرْآنِ.
[٤٨، ٤٩]
[سُورَة الطّور (٥٢) : الْآيَات ٤٨ الى ٤٩]
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ [الطّور: ٤٥] إِلَخْ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَكَانَ مُفْتَتَحُ السُّورَةِ خطابا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاء مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ [الطّور: ٧] الْمَسُوقِ مَسَاقَ التَّسْلِيَةِ لَهُ، وَكَانَ فِي مُعْظَمِ مَا فِي السُّورَةِ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا يُخَالِطُهُ فِي نَفْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَدَرِ وَالْأَسَفِ عَلَى ضَلَالِ قَوْمِهِ وَبُعْدِهِمْ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْهُدَى
خُتِمَتِ السُّورَةُ بِأَمْرِهِ بِالصَّبْرِ تَسْلِيَةً لَهُ وَبِأَمْرِهِ بِالتَّسْبِيحِ وَحَمْدِ اللَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى تَفْضِيلِهِ بالرسالة.
وَالْمرَاد بِحكم رَبِّكَ مَا حَكَمَ بِهِ وَقَدَّرَهُ مِنِ انْتِفَاءِ إِجَابَةِ بَعْضِهِمْ وَمِنْ إِبْطَاءِ إِجَابَةِ أَكْثَرِهِمْ.
فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِحُكْمِ رَبِّكَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (عَلَى) فَيَكُونَ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ اصْبِرْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [المزمل: ١٠]. وَيَجُوزُ فِيهَا مَعْنَى (إِلَى) أَيِ اصْبِرْ إِلَى أَنْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَيَكُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ [يُونُس: ١٠٩] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونَ لِحُكْمِ رَبِّكَ هُو مَا حَكَمَ بِهِ مِنْ إِرْسَالِهِ إِلَى النَّاسِ، أَيِ اصْبِرْ لِأَنَّكَ تَقُومُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْكَ.
فَلِلَّامِ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَوْقِعٌ جَامِعٌ لَا يُفِيدُ غَيْرُ اللَّامِ مِثْلَهُ.
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا تَفْرِيعُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ اصْبِرْ لِأَنَّكَ بِأَعْيُنِنَا، أَيْ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ وَالْكِلَاءَةِ مِنَّا، نَحْنُ نَعْلَمُ مَا تُلَاقِيهِ وَمَا يُرِيدُونَهُ بِكَ

صفحة رقم 83

فَنَحْنُ نُجَازِيكَ عَلَى مَا تَلْقَاهُ وَنَحْرُسُكَ مِنْ شَرِّهِمْ وَنَنْتَقِمُ لَكَ مِنْهُمْ، وَقَدْ وَفَّى بِهَذَا كُلِّهِ التَّمْثِيلُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، فَإِنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ لَا نَغْفُلُ عَنْكَ، يُقَالُ: هُوَ بِمَرْأًى مِنِّي وَمَسْمَعٍ، أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَأْنُهُ. وَذِكْرُ الْعَيْنِ تَمْثِيلٌ لِشِدَّةِ الْمُلَاحَظَةِ وَهَذَا التَّمْثِيلُ كِنَايَةٌ عَنْ لَازِمِ الْمُلَاحَظَةِ مِنَ النَّصْرِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِفْظِ.
وَقَدْ آذَنَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: لِحُكْمِ رَبِّكَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِنَا، أَوْ لِحُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمَرْبُوبِيَّةَ تُؤْذِنُ بِالْعِنَايَةِ بِالْمَرْبُوبِ.
وَجَمْعُ الْأَعْيُنِ: إِمَّا مُبَالَغَةٌ فِي التَّمْثِيلِ كَأَنَّ الْمُلَاحَظَةَ بِأَعْيُنٍ عَدِيدَةٍ كَقَوْلِهِ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود: ٣٧] وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات: ٤٧].
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ مُتَعَلِّقَاتِ الْمُلَاحَظَةِ فَمُلَاحَظَةٌ لِلذَّبِّ عَنْهُ، وَمُلَاحَظَةٌ لِتَوْجِيهِ الثَّوَابِ وَرَفْعِ الدَّرَجَةِ، وملاحظة لجزاء أعدائه بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَمُلَاحَظَةٌ لِنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ بِعُمُومِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَهَذَا الْجَمْعُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ:
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا [الْقَمَر: ١٣، ١٤] لِأَنَّ عِنَايَةَ اللَّهِ بِأَهْلِ السَّفِينَةِ تَتَعَلَّقُ بِإِجْرَائِهَا وَتَجْنِيبِ الْغَرَقِ عَنْهَا وَسَلَامَةِ رُكَّابِهَا وَاخْتِيَارِ الْوَقْتِ لِإِرْسَائِهَا وَسَلَامَةِ الرُّكَّابِ فِي هُبُوطِهِمْ، وَذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [طه: ٣٩] فَإِنَّهُ
تَعَلُّقٌ وَاحِدٌ بِمَشْيِ أُخْتِهِ إِلَى آلِ فِرْعَوْنَ وَقَوْلِهَا: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ [طه: ٤٠].
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩).
التَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ، وَالْمُرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ، وَأَشْهَرُ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ» وَمَا يُرَادِفُهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَلِذَلِكَ كَثُرَ إِطْلَاقُ التَّسْبِيحِ وَمَا يُشْتَقُّ مِنْهُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَآثَارٍ.

صفحة رقم 84

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِحَمْدِ رَبِّكَ لِلْمُصَاحَبَةِ جَمْعًا بَيْنَ تَعْظِيمِ اللَّهِ بِالتَّنْزِيهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَبَيْنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ.
وحِينَ تَقُومُ وَقْتَ الْهُبُوبِ مِنَ النَّوْمِ، وَهُوَ وَقْتُ اسْتِقْبَالِ أَعْمَالِ الْيَوْمِ وَعِنْدَهُ تَتَجَدَّدُ الْأَسْبَابُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرَ بِالصَّبْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ.
فَالتَّسْبِيحُ مُرَادٌ بِهِ: الصَّلَاةُ، وَالْقِيَامُ: جَعْلُ وَقْتٍ لِلصَّلَوَاتِ: إِمَّا للنوافل، وَإِمَّا لصَلَاة الْفَرِيضَةِ وَهِيَ الصُّبْحُ.
وَقِيلَ: التَّسْبِيحُ قَوْلُهُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ»، وَالْقِيَامُ: الِاسْتِعْدَادُ لِلصَّلَاةِ أَوِ الْهُبُوبُ مِنَ النَّوْمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكِ عَلَى تَقَارُبٍ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ، أَيْ يَقُولُ الْقَائِمُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» أَو يَقُول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ الْقِيَامُ مِنَ الْمَجْلِسِ لِمَا
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا فَكثر فِيهِ لغظه فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ»
وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.
ومِنَ اللَّيْلِ أَيْ زَمَنًا هُوَ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَيَشْمَلُ وَقْتَ النَّهْيِ لِلنَّوْمِ وَفِيهِ تَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذِكْرَيَاتُ مَهَمَّاتِهِ، وَيَشْمَلُ وَقْتَ التَّهَجُّدِ فِي اللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ: فَسَبِّحْهُ اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَاحْمِدْهُ.
وَانْتَصَبَ وَإِدْبارَ النُّجُومِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ: وَوَقْتَ إِدْبَارِ النُّجُومِ.
وَالْإِدْبَارُ: رُجُوعُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ جَاءَ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى جِهَةِ الدُّبُرِ، أَيِ الظَّهْرِ.
وَإِدْبَارُ النُّجُومِ: سُقُوطُ طَوَالِعُهَا، فَإِطْلَاقُ الْإِدْبَارِ هُنَا مَجَازٌ فِي الْمُفَارَقَةِ

صفحة رقم 85

وَالْمُزَايَلَةِ،
أَيْ عِنْدَ احْتِجَابِ النُّجُومِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا (الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَشْرِقِ) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا (الْإِشَارَةُ إِلَى جِهَة الْمغرب) فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»
. وَسُقُوطُ طَوَالِعِهَا الَّتِي تَطْلُعُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْفَجْرِ إِذَا أَضَاءَ عَلَيْهَا ابْتِدَاءَ ظُهُورِ شُعَاعِ الشَّمْسِ، فَإِدْبَارُ النُّجُومِ: وَقْتُ السَّحَرِ، وَهُوَ وَقْتٌ يَسْتَوْفِي فِيهِ الْإِنْسَانُ حَظَّهُ مِنَ النَّوْمِ، وَيَبْقَى فِيهِ مَيْلٌ إِلَى اسْتِصْحَابِ الدَّعَةِ، فَأُمِرَ بِالتَّسُبِيحِ فِيهِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ النَّوْمِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ وَبَيْنَ التَّنَاوُمِ النَّاشِئِ عَنِ التَّكَاسُلِ، ثُمَّ إِنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ التَّسْبِيحِ حَاجَةً إِلَى غَفْوَةٍ مِنَ النَّوْمِ اضْطَجَعَ قَلِيلًا إِلَى أَنْ يَحِينَ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ.
وَالنُّجُومُ: جَمْعُ نَجْمٍ وَهُوَ الْكَوْكَبُ الَّذِي يُضِيءُ فِي اللَّيْلِ غَيْرُ الْقَمَر، وَتقدم عِنْد قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [١٢].
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَوْقَاتِ الرَّغَائِبِ مِنَ النَّوَافِلِ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالْأَشْفَاعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ. وَقِيلَ: أَشَارَتْ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِوَجْهِ الْإِجْمَالِ وَبَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ.

صفحة رقم 86

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

٥٣- سُورَةُ النَّجْمِ
سُمِّيَتْ «سُورَةَ النَّجْمِ» بِغَيْرِ وَاوٍ فِي عَهْدِ أَصْحَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَفِي «الصَّحِيحِ» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ فَأَخَذَ رَجُلٌ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ. وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. وَهَذَا الرَّجُلُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ.
فَهَذِهِ تَسْمِيَةٌ لِأَنَّهَا ذُكِرَ فِيهَا النَّجْمُ.
وَسَمُّوهَا «سُورَةَ وَالنَّجْمِ»
بِوَاوٍ بِحِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ الْوَاقِع فِي أَولهَا، وَكَذَلِكَ تَرْجَمَهَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي «جَامِعِهِ».
وَوَقَعَتْ فِي الْمَصَاحِف والتفاسير بِالْوَجْهَيْنِ وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ السُّورَةِ بِلَفْظٍ وَقْعَ فِي أَوَّلِهَا وَهُوَ لَفْظُ (النَّجْمِ) أَوْ حِكَايَةُ لَفْظِ (وَالنَّجْمِ).
وَسَمُّوهَا وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [النَّجْم: ١] كَمَا
فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فَلَمْ يَسْجُدْ»
، أَيْ فِي زَمَنٍ آخَرَ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَهَذَا كُلُّهُ اسْمٌ وَاحِدٌ مُتَوَسَّعٌ فِيهِ فَلَا تُعَدُّ هَذِهِ السُّورَةُ بَيْنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ أَكْثَرَ مِنِ اسْمٍ.
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِإِجْمَاعِ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ: اسْتِثْنَاءَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النَّجْم: ٣٢] الْآيَةَ قَالَا: «هِيَ آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ». وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وَقِيلَ: السُّورَةَ كلهَا مَدَنِيَّة وَنسب إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن السُّورَة كُلَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَهُوَ شُذُوذٌ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ.

صفحة رقم 87

وَهِيَ السُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ فِي عَدِّ تَرْتِيبِ السُّوَرِ. نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقَبْلَ سُورَةِ عَبَسَ.
وَعَدَّ جُمْهُورُ الْعَادِّينَ آيَهَا إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَعَدَّهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَتَقَوَّلُ الْقُرْآنَ وَيَخْتَلِقُ أَقْوَالَهُ، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ فِي ذَلِكَ.
أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ
أَوَّلُ أَغْرَاضِهَا: تَحْقِيقُ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقٌ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَمَّا ادَّعَوْهُ.
وَإِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ.
وَتَقْرِيبُ صِفَةِ نُزُولِ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ فِي حَالَيْنِ زِيَادَةٌ فِي تَقْرِيرِ أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ.
وَإِبْطَالُ إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِ الْمُشْرِكِينَ.
وَإِبْطَالُ قَوْلِهِمْ فِي اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَأَنَّهَا أَوْهَامٌ لَا حَقَائِقَ لَهَا وَتَنْظِيرُ قَوْلِهِمْ فِيهَا بِقَوْلِهِمْ فِي الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ.
وَذَكَرَ جَزَاءَ الْمُعْرِضِينَ وَالْمُهْتَدِينَ وَتَحْذِيرَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ بِالظَّنِ دُونَ حُجَّةٍ.
وَإِبْطَالُ قِيَاسِهِمْ عَالَمَ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ ضَلَالٌ فِي الرَّأْيِ قَدْ جَاءَهُمْ بِضِدِّهِ الْهُدَى مِنَ اللَّهِ. وَذُكِرَ لِذَلِكَ مِثَالٌ مِنْ قِصَّةِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَوْ قِصَّةِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ.
وَإِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.

صفحة رقم 88
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية