آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏ

وهذا تصريح بالمقصود الكلي من الآيات، لذا وبخهم على إشراكهم، ونزه نفسه عن ذلك بقوله: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي عن إشراكهم وعن الذين يشركون.
الإعراض عن الكفار لمكابرتهم في المحسوسات
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٩]
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
الاعراب:
كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً ساقِطاً إما مفعول به ثان، أو حال.
يَوْمَهُمُ مفعول يُلاقُوا. ويَوْمَ لا يُغْنِي منصوب على البدل من يَوْمَهُمُ وليس بمنصوب على الظرف.
وَإِدْبارَ النُّجُومِ إدبار بكسر الهمزة: مصدر أدبر يدبر إدبارا، وتقديره: وسبّحه وقت إدبار النجوم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقرئ بفتح الهمزة، على أنه جمع دبر: وهو منصوب لأنه ظرف زمان.
البلاغة:
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً أسلوب الفرض والتقدير، أي لو رأوا ذلك لقالوا ما قالوا.
بِأَعْيُنِنا مجاز عن الحفظ.

صفحة رقم 84

المفردات اللغوية:
كِسْفاً قطعة. يَقُولُوا من فرط طغيانهم وعنادهم. سَحابٌ مَرْكُومٌ أي هذا سحاب تراكم بعضه على بعض، نرتوي به، ثم لا يؤمنون. والآية جواب قولهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء ٢٦/ ١٨٧].
فَذَرْهُمْ اتركهم وأعرض عنهم. حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يموتون أو يقتلون. يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً أي لا يفيد شيئا من الإغناء في ردّ العذاب. وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يمنعون من عذاب الله تعالى في الآخرة. وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بكفرهم، وهو يحتمل العموم والخصوص فإن كان العذاب هو عذاب القبر فالذين ظلموا عام في كل ظالم، وإن كان العذاب هو عذاب يوم بدر فالذين ظلموا هم أهل مكة. عَذاباً دُونَ ذلِكَ أي دون عذاب الآخرة، أي في الدنيا قبل موتهم، كعذاب الجوع والقحط سبع سنين، والقتل يوم بدر، أو عذاب القبر.
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم وتبليغ الرسالة، ولا يضق صدرك بعنائهم وإعراضهم وجدالهم. فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا بمرأى منا، نراك ونحفظك ونكلؤك، وجمع مبالغة بكثرة أسباب الحفظ. وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قارنا التسبيح بالتحميد، فقل: سبحان الله وبحمده حِينَ تَقُومُ من منامك أو من مجلسك أو إلى الصلاة، أي من أي مكان قمت. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ نزهه بقولك: سبحان الله، وخصه بالليل وقدمه على الفعل، لأن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرياء. وَإِدْبارَ النُّجُومِ أي عقب غروبها سبحه أيضا، أي إذا أدبرت النجوم من آخر الليل.
المناسبة:
بعد تفنيد مزاعم المشركين في الحشر والمعاد، والألوهية والوحدانية، والنبوة والشرك، وإثبات المعاد والتوحيد وصدق النبوة ونفي الشرك، أجاب الله تعالى عن بعض مقترحاتهم بإسقاط قطعة من السماء تعذيبا لهم، وبين مدى مكابرتهم في إنكار المحسوسات، فضلا عن المعقولات، ثم أمر نبيه بالإعراض عنهم، والصبر على مساوئهم ومكائدهم، فإن الله ناصرك عليهم وحافظك، وأخبره بأن العذاب واقع بهم في الدنيا قبل الآخرة، وقوّى معنوية نبيه بالاعتصام بالله، والإقبال على طاعته، وذكره صباحا ومساء، نهارا وليلا حين يقوم من منامه أو من مجلسه أو بعد غياب النجوم، وإصباح الصباح.

صفحة رقم 85

التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن عناد المشركين ومكابرتهم للمحسوس، فيقول:
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا: سَحابٌ مَرْكُومٌ أي إن ير هؤلاء المشركون قطعة من نار السماء ساقطة عليهم لتعذيبهم، لما صدقوا ولما أيقنوا، ولما انتهوا عن كفرهم، بل يقولون: هذا سحاب متراكم ملقى بعضه على بعض، نرتوي به. وهذه غاية المكابرة، لأنهم ينكرون ما تبصره الأعين وتشاهده النفوس.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ، فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقالُوا: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا، بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر ١٥/ ١٤- ١٥].
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ أي إذا كان هذا شأنهم وتبين أنهم لا يرجعون عن كفرهم، فدعهم يا محمد ولا تأبه بهم حتى يلقوا أو يأتي يوم مجازاتهم بأعمالهم السيئة الذي يحدث فيهم هلاكهم السريع، وهو يوم موتهم أو قتلهم وهو يوم بدر، وهو الظاهر في الآية كما قال البقاعي، لأنهم عذبوا فيه، أو يوم النفخة الأولى يوم القيامة، لأن صعقته تعم جميع الخلائق، وهو قول الجمهور، كما ذكر أبو حيان.
وإسقاط كلمة الإشارة قبل كلمة سَحابٌ أي هذا سحاب لوضوح الأمر وظهور العناد، كما أن كلمة يَقُولُوا تدل على العناد.
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي ذلك اليوم يوم لا ينفعهم فيه مكرهم ولا كيدهم الذي كادوا به رسول الله ﷺ في الدنيا، ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع ولا ينصرهم ناصر، بل هو واقع بهم لا محالة.

صفحة رقم 86

والكيد: هو فعل يسوء من نزل به، وإن حسن ممن صدر منه. وإنما قال تعالى: يَوْمَ لا يُغْنِي... للرد على ما كانوا يعتقدون أنه أحسن أعمالهم.
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي وإن للظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي وكيد النبي وعبادة الأوثان عذابا في الدار الدنيا وهو قتلهم يوم بدر، أو هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا، وذهاب الأموال والأولاد، والقحط والجوع سبع سنين قبل يوم بدر الذي حدث في السنة الثانية من الهجرة، غير أن أكثرهم لا يعلمون ما سينزل بهم من عذاب الله وبأسه وبلاياه، لعلهم يرجعون عما هم عليه من الكفر والعناد، ولو كشف عنهم العذاب لعادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه. والمراد بالأكثر الكل على عادة العرب حيث تعبر عن الكل بالأكثر، أو هم في أكثر أحوالهم لم يعلموا.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة ٣٢/ ٢١].
وجاء في الحديث لبيان عودة الكفار بعد جلاء العذاب إلى كفرهم: «إن المنافق إذا مرض وعوفي، مثله في ذلك كمثل البعير، لا يدري فيما عقلوه، ولا فيما أرسلوه».
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي إلى أن يحكم الله أو لقضاء الله، والمعنى: واصبر أيها الرسول على أذى هؤلاء القوم، ولا تبال بهم، إلى أن يقع بهم العذاب الذي وعدناهم به، فإنك بمرأى ومنظر منا، وفي حفظنا وحمايتنا وتحت كلاءتنا، والله يعصمك من الناس، ونزّه ربك عما لا يليق به لإنعامه عليك تنزيها مصحوبا بالحمد، حين تقوم من مجلسك، أي من كل مجلس جلسته، فتقول: (سبحان الله وبحمده) أو (سبحانك اللهم وبحمدك) أو حين تقوم إلى الصلاة، كما قال الضحاك:
«سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك».

صفحة رقم 87

روى مسلم في صحيحة عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة، ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره عن النبي ﷺ أنه كان يقول ذلك.
وقال أبو الجوزاء: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ أي من نومك من فراشك، واختاره ابن جرير، ويتأيد هذا القول
بما رواه الإمام أحمد والبخاري وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت عن رسول الله ﷺ قال: «من تعارّ من الليل «١»، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي- أو قال: ثم دعا- استجيب له، فإن عزم فتوضأ، ثم صلى قبلت صلاته».
ويتأيد الرأي الأول في كون التسبيح والتحميد بعد كل مجلس بما
أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك وابن مردويه وابن أبي شيبة عن أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله ﷺ يقول بآخر عمره إذا أراد أن يقوم من المجلس:
«سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ أي وإذا قمت من نومك فسبّحه واذكره واعبده في بعض الليل، وفي آخر الليل حين أفول النجوم، لأن العبادة حينئذ أشق على النفس وأبعد عن الرياء. وقال مقاتل: أي صلّ المغرب والعشاء، وقيل: ركعتي الفجر. قال الرازي: والظاهر أن المراد من وَإِدْبارَ النُّجُومِ وقت الصبح حيث يدبر النجم، ويخفى، ويذهب ضياؤه بضوء الشمس. وحينئذ يكون قوله: حِينَ تَقُومُ المراد به النهار، وقوله:
وَمِنَ اللَّيْلِ ما عدا وقت النوم.

(١) تعارّ الرجل من الليل: إذا هب من نومه مع صوت [.....]

صفحة رقم 88

ونظير الآية: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسرار ١٧/ ٧٩] وهذا يتفق مع
الحديث الصحيح: «خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوّع».
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- شأن الكفار وديدنهم العناد ومكابرة المحسوسات، حتى إنهم لو رأوا بأعينهم أمارات العذاب النازل عليهم من السماء كالشهب والصواعق، لما أيقنوا وظلوا على كفرهم، وزعموا أنه سحاب محفّل بالمطر متراكم بعضه على بعض، وليس صواعق. وهذا جواب قولهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء ٢٦/ ١٨٧] وقولهم: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [الإسراء ١٧/ ٩٢].
٢- هددهم الله تعالى بالهلاك السريع وأمر نبيه ﷺ بتركهم والإعراض عنهم حتى يوم بدر، أو يوم يموتون أو يوم النفخة الأولى في يوم القيامة حيث يأتيهم فيه من العذاب ما تشيب منه الرؤوس وتزول به العقول. وليس قوله:
فَذَرْهُمْ للتخلي عن دعوتهم إلى الإسلام، والقول بأن ذلك منسوخ بآية القتال ضعيف كما ذكر الرازي، وإنما المراد التهديد.
٣- في ذلك اليوم الذي يلاقونه لا ينفعهم فيه شيء من مكرهم وما كادوا به النبي ﷺ في الدنيا، وما تآمروا به عليه، ولا يجدون فيه ناصرا ينصرهم من الله، أو مانع يمنعهم من عذاب الله. وقوله: يَوْمَ لا يُغْنِي فيه تمييز يوم الكفار والفجار عن يوم المؤمنين حيث قال تعالى فيه: يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة ٥/ ١١٩].

صفحة رقم 89

٤- للكفار عذابان: عذاب جهنم في الآخرة، وهو الأدهى والأمر، لأنه عذاب خالد دائم، وعذاب في الدنيا قبل موتهم وهو أخف من عذاب الآخرة بالتعرض لمصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا وذهاب الأموال والأولاد، والجوع والجهد والقحط سبع سنين، وقد عذب به أهل مكة، والقتل في المعارك كمعركة يوم بدر الذي قتل فيه زعماء قريش، ولكن أكثر الكفار لا يعلمون أن العذاب نازل بهم، ولا ما يصيرون إليه في الآخرة أو الدنيا.
٥- الصبر مفتاح الفرج، لذا أمر الله نبيه وكل مؤمن بالصبر على قضاء ربه فيما حمّله من رسالته، وأعلمه بأنه بمرأى ومنظر من الله يراه ويسمع ما يقول ويفعل، والله حافظه وحارسه وراعيه.
٦- إن الإقبال على طاعة الله والاعتصام بقوته وقدرته وتفويض الأمور إليه يقوي النفس البشرية، وينفخ فيها روح الجدّ والعزيمة والإقدام والجرأة على أداء رسالة الحياة، لذا أمر الله تعالى نبيه ﷺ وكل مؤمن بتسبيح الله وحمده كل وقت وعقب كل مجلس، وبالصلاة، والتهجد ليلا. وقد سبق إيراد الآيات والأحاديث الآمرة والمرغبة بكل ما ذكر، ومنها
حديث الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جلس في مجلس، فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك»
وأخرج الترمذي أيضا عن ابن عمر قال: «كنا نعدّ لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور» «١».
وفي الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: «اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيّوم السموات والأرض

(١) قال الترمذي عن كل من الحديثين: حديث حسن صحيح غريب.

صفحة رقم 90

ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحقّ، ووعدك الحق، وقولك الحقّ، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حقّ، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخرت، وأسررت وأعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك».
وعن ابن عباس أيضا أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ من الليل، مسح النوم عن وجهه، ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من سورة [آل عمران] أي من قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٩٠) إلى آخر السورة.

صفحة رقم 91

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النجم
مكيّة، وهي اثنتان وستون آية.
تسميتها:
سميت سورة النجم، لأن الله تعالى افتتحها بالقسم بالنجم، وأل للجنس، أي بنجوم السماء وقت سقوطها وغربها، لأن النجم إذا كان في وسط السماء لم يهتد به الساري، لأنه لا يعلم المغرب من المشرق والجنوب من الشمال، فإذا مال إلى الأفق عرف به هذه الجهات، والميل إلى أفق المغرب أولى بالذكر، لأن الناظر إليه يستدل بغروبه على الجهة.
مناسبتها لما قبلها:
ترتبط هذه السورة بما قبلها بوجوه أربعة:
١- إن سورة الطور ختمت بقوله: وَإِدْبارَ النُّجُومِ وافتتحت هذه السورة بقوله: وَالنَّجْمِ.
٢- في سورة الطور ذكر تقوّل القرآن وافتراؤه، وهذه السورة بدئت بذلك وردت عليه.
٣- ذكر في الطور ذرية المؤمنين، وأنهم تبع لآبائهم، وفي هذه السورة ذكرت ذرية اليهود في آية: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ (٣٢).

صفحة رقم 92

٤- في حق الآباء المؤمنين قال تعالى في الطور: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (٢١) أي ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين، مع نفعهم بعمل آبائهم، وقال في النجم في حق الكفار أو أبناء الكفار الكبار: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩).
ما اشتملت عليه السورة:
موضوع هذه السورة كسائر موضوعات السورة المكية المعنية بأصول العقيدة، وهو إثبات الرسالة وصدق الرسول ﷺ في تلقي القرآن بالوحي عن الله، والتوحيد والكلام على الأصنام وبيان عدم جدواها، والتحدث عن قدرة الله عز وجل، وعن البعث والنشور.
افتتحت السورة بإثبات ظاهرة الوحي بوساطة جبريل عليه السلام، والكلام عن (المعراج) وقرب النبي ﷺ من ربه، ورؤيته عجائب ملكوت الله تعالى، ومشاهدته جبريل على صورته الحقيقية الملكية مرتين.
ثم قرّعت المشركين على عبادة الأوثان والأصنام، ووصفتها بأنها عبادة باطلة لآلهة مزعومة لا وجود لها، ووبختهم أيضا على جعل الملائكة إناثا، وتسميتهم إياها: بنات الله، وبيان أن الملائكة لا تملك الشفاعة إلا بإذن الله تعالى.
ثم وصفت الجزاء العادل يوم القيامة، حيث يجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وذكرت أوصاف المحسنين، ونددت بإعراض الكافرين عن الإسلام، وأعلمت الناس جميعا أن المسؤولية فردية شخصية، فيسأل كل إنسان عن سعيه وعمله، ولا تتحمل نفس إثم أو وزر نفس أخرى، ولا تقبل تزكية المرء نفسه.

صفحة رقم 93

وأبانت السورة إحاطة علم الله بما في السموات والأرض ومظاهر قدرة الله تعالى في الإحياء والإماتة، والإغناء والإفقار، وخلق الإنسان من النطفة، والبعث والحشر والنشر.
وهددت المشركين الذين أنكروا الوحدانية والرسالة والبعث بالإهلاك كإهلاك أقوام أخرى أشداء، كعاد وثمود وقوم نوح ولوط.
وختمت بالتعجب من استهزاء المشركين بالقرآن وإعراضهم عنه، وأمر المؤمنين بالعبادة الخالصة لله تعالى.
فضلها:
أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن سورة النجم أول سورة أعلن النبي ﷺ بقراءتها، فقرأها في الحرم والمشركون يسمعون.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود أيضا قال: «أول سورة أنزلت فيها سجدة: وَالنَّجْمِ فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب، فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا»
وهو أمية بن خلف.
وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب، فإنه رفع حفنة من تراب، وقال: يكفي هذا.
فيحتمل أنه وأمية فعلا كذلك.

صفحة رقم 94
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية