
واشتقاقه في اللغة كونوا جانباً منه أي في ناحية.
* * *
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤)
هذه اللام لامُ القَسَمِ، واللام مفتوحة لالتقاءِ السَّاكنين في قول بعضهم اغزُوَنَ يا رَجُل، فأمَّا لام لَتُبْلَوُن، فزعم سيبويه أنها مبنية على الفتح.
وقد أَحكمنا شرحَ هذا قبل هذا الموضِع.
ومعنى: " ليبلونكم ": ليختبرنَّ طاعتكم من معصيتكم.
ميه بِشيءٍ مِنَ الصيدِ).
فَقال عزَّ وجلَّ بشيءٍ من الصيْدِ فبَّعض، وهو يحتمل وَجْهَيْن
أَحدهما أنه على صيد البَر دُونَ صَيْدِ البَحْر، والثاني أَنه لَمَّا عَنى الصَّيدَ ما داموا في الإحرام كان ذلك بعضَ الصََّيْدِ. وجائز أن يكون على وجه ثالث، ويكون " مِنْ " هذه تبين جنساً من الأَجناس، تقول: لأمتحننك بشيءٍ من الوَرِق، أي لامتحننك بالجنس الذي هو ورق، كما قال جلّ ثناؤُه: (وفَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ) والأَوثان كلها رجس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
ومعنى قوله: (تَنالُه أَيدِيكمْ ورماحُكُمْ).
الذي تناله الأيدي نحو بيض النَعام وفراخِه وما كان صغيراً ينهض من
مجْثمِهِ مِن غَيرِ النعام وسائر ما يفوق اليد بحركته من سائر الوحش.
فحرم جميع صيد البر الجراد وكل ما يصطاد فحرام صيده ما داموا حرماً. وبيَّن رسول اللَّه - ﷺ - أَنَّ كل ما اصْطِيد في الحرم حرام، كانوا محرمين أَو غير محرمين.
وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥)

(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا)
أي عمداً لِقتلِه، كأنه ناسٍ إنَّه محرِم، ومتَعمِّد للقتل، وجائز أن يقصد
القتل وهو يعلم أنَّه محرم.
وقوله: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ).
و (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) برفع مثل وجرَها، فمن رفَعهُما جميعاً فرفعه على
معْنى فعليه جزاء مثل الذِي قَتلَ، فيكون " مِثْل " من نَعْتِ الجزاء، ويكون أن ترفع " جزاءَ " على الابتداءِ ويكون مثل قتَل خبر الابتداءِ، ويكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مِثلُ ما قَتَلَ، ومن جرَّ أراد فعليه جزاءُ مِثل ذلك المقتول من النَّعمِ، والنعمً في اللغة هي الِإبل والبقر والغَنَمُ، وإِن انفَردت الِإبل منها قيل لها نَعم وإِن انفردت الغنمُ والبقرُ لم تسَمَّ نعَماً.
فكان عليه بحذاءِ حمار الوحش وبقرةِ الوحش بَدَنةً، وعليه بحذاءِ الظباءِ
من الغنم شاة.
وقوله عزَّ وجلَّ: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
أَي من أَهل ملتكم، فعلى قاتل الصيد أَن يسْألى فقيهيْنِ عَدْلَيْن عن جزاءِ
ما قَتَل، ويقولان له: أَقتلتَ صيْداً قبْل هَذَا وأنْتَ مُحرِم فإِن اعْترف بأنه قتل صيداً قبْل ذَلِك لم يَحْكُمَا عليه بشيء، لقول الله عزَّ وجلَّ:
(ومن عاد فيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ).
وإِن لم يعترف نَظَرا فيما قتل. فإِن كان كالِإبل حكماً عليه بها
(هَدْياَ بَالِغَ الكعْبةِ) وإِن كان كالشاءَ حكما عليه بمثل ذلك.
وإِن كانت القيمة لا تبلغ نظرا فقدرا قيمة ذلك، وأطعم بثمن ذلك المساكين، كل مِسكين - قال بعضهم - صاعاً من حِنطة، وقال بعضهم نصف صاع أَوْ صَامَ بعَدْلِ ذلك على ما توجِبُه السُّنَّةُ.
ويجوز أَن تكون " أَو " - وهو الَأجود في اللغة - للتخيير، فإن
شاءَ أَهدىَ وإن شاتَ قوَّما له الهدْيَ وأَطْعَم بدلَه على ما وصفنا.
وجعل مثل ذلك صياماً لَأن " أَو " للتخيير، وقال بعضهم كأَنَّهُ إِن لم يقدر على الِإبلِ والغَنمِ

فينبغِي أن يُطعِم أو يصُومَ، والذي يوجبه اللفظُ التخييرُ، وأهلُ الفِقْهِ أعلمُ
بالسنة في ذلك، إِلَّا أَني أختارُ على مذهب اللغة أنَّه مخير.
وقوله: (هَدْياً بَالِغَ الكعْبَةِ).
منصوب على الحال. المعنى يحكمان به مقَذَراً أن يُهْدَى.
و (بالغ الكعبة) لفظُه لفظ مَعْرفة، ومعناه النكرة، المعنى بالغاً الكعبة، إِلا أن التَّنْوِينَ حُذِف استِخفَافاً.
ومعنى قوله: (أوعَدْلُ ذلِك).
أو مِثل ذلك، قال بعضهم عَدْلُ الشيء مثله من جنسه، وعَدْلُه مثله من
غير جنسه - بفتح العين، وقال إِلا أن بعض العرب يغلط فيجعل العَدْل والعِدْل في معنى المثل، وإِن كان من غير جنس الأول.
قال البصريون العَدْل والعِدل في معنى المثل، والمعنى واحد كان، لمثل من الجنس أو من غير الجنس، كما أن المثل ما كان من جِنْسِ الشيءِ ومِنْ غير جِنْسِه، مِثْل، ولم يقولوا إِن العرب غلطت، وَلَيْسَ إِذا أخْطا مخطئ يوجب أن تقول أن بعض العرب غلط.
وقوله: (صِيَاماً).
منصوب على التمييز. المعنى أو مثل ذلك من الصيام.
(لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِه).
" الوَبَالُ " ثِقْلُ الشيءِ في المكروه، ومنه قولهم طعام وبيل، وماء وبيل، إِذا
كانا ثقيلين غيرُ نَامِيَينِ في المَالِ، قال عزَّ وجلَّ: (فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا)
أَي ثقتيلَاَ شديداً، والوبيلُ خشبةُ القصَّارِ ومن هذا قيل لها وبيل.
قال طرفة ابن العبدِ.