
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ)
كلام مستأنف لبيان أن الخمر والميسر لا ينتظمان في الطيبات التي أحلّها الله. وإنما كافة ومكفوفة، والخمر مبتدأ، والميسر والأنصاب والأزلام عطف عليها، ورجس خبر، ومن عمل الشيطان متعلقان بمحذوف صفة لرجس، أو هو خبر ثان للخمر (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الفاء الفصيحة، واجتنبوه فعل أمر وفاعل ومفعول به، ولعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها، وجملة الرجاء حالية (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) كلام مستأنف لزيادة التوضيح للأسباب المؤدية الى تحريمهما.
وإنما كافة ومكفوفة، ويريد الشيطان فعل مضارع وفاعل، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول ليريد، وبينكم ظرف متعلق بيوقع أو بمحذوف حال، والعداوة مفعول به، والبغضاء عطف على العداوة، وفي الخمر متعلقان بمحذوف حال، والميسر معطوف على الخمر.
(وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) الواو حرف عطف، ويصدكم عطف على يوقع، وعن ذكر الله متعلقان بيصدكم، وعن الصلاة متعلقان أيضا بيصدكم، والفاء استئنافية، وهل حرف استفهام معناه الأمر، وأنتم مبتدأ، ومنتهون خبر.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)

الإعراب:
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) الواو عاطفة، والكلام معطوف على الاستفهام في الآية المتقدمة، لأن الاستفهام بمعنى الأمر كما تقدم. والمعنى انتهوا وأطيعوا. ولك أن تجعلها استئنافية، وأطيعوا الله فعل وفاعل ومفعول به، وأطيعوا الرسول عطف على أطيعوا الله، واحذروا عطف أيضا (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) الفاء استئنافية، وإن شرطية، وتوليتم فعل ماض وفاعل، وهو في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة لجواب الشرط، والجواب محذوف تقديره: فجزاؤكم علينا، وجملة فاعلموا عطف على الجواب، وأنما كافة ومكفوفة، وهي مع مدخولها سدت مسد مفعولي اعلموا، وعلى رسولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والبلاغ مبتدأ مؤخر، والمبين صفة (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على تساؤل بعض الصحابة الذين قالوا: يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم بشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فنزلت: ليس... وليس فعل ماض ناقص، وعلى الذين متعلقان بمحذوف خبر ليس المقدم، وجملة آمنوا لا محل لها لأنها صلة الموصول، وجملة وعملوا الصالحات عطف على الصلة، وجناح اسم ليس المؤخر، وفيما متعلقان بمحذوف صفة لجناح، وجملة طعموا لا محل لها لأنها صلة الموصول (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وما زائدة، وجملة اتقوا في محل جر بإضافة الظرف إليها، والعامل في إذا معنى النفي في ليس، أي: انتفى الإثم عنهم، وجواب إذا محذوف دل عليه ما قبله، أي: فليس عليهم جناح، وآمنوا عطف

على اتقوا، وعملوا الصالحات عطف على ما تقدم أيضا (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) عطف أيضا، وسيأتي سر التكرير البديع في باب البلاغة (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الواو استئنافية، والله مبتدأ، وجملة يحب خبر، والمحسنين مفعول به.
البلاغة:
تقدم البحث في التكرار أو التكرير، وهما مصدران لكرّر المضعفة، وقلنا: إن حده أن يكرر الكاتب أو الشاعر الكلمة أو الكلمتين فصاعدا، لتأكيد ما يتحدث عنه، ليزداد رسوخا في الذهن، أو لغرض آخر. وفي هذه الآية يحتمل أن يكون التكرار إشارة إلى العلاقات التي يرتبط بها الإنسان في حياته، وهي: علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بغيره، وعلاقة الإنسان بربه، ولذلك عقّب عليها بالإحسان في الكرة الثالثة، ويحتمل أن يكون إشارة إلى مراحل العمر الثلاث التي يجتازها الإنسان في رحلته الحياتية، وهي: مرحلة البدء بالحياة، ومرحلة الوسط في العمر، ومرحلة المنتهى. ولعل الاحتمالين مرادان في هذا التكرار البديع، زيادة في التقوى والتجمّل وإقامة الموازين القسط في جميع مراحل حياته وحالاته الثلاث، وسيأتي من التكرير في هذا الكتاب ما يسحر الألباب، واستمع الى قول البحتري متغزّلا:
ويوم تثنّت للوداع وسلّمت | بعينين موصول بلحظهما السحر |
توهمتها ألوى بأجفانها الكرى | كرى النوم أو مالت بأعطافها الخمر |
جزى الله عنّي غالبا من عشيرة | إذا حدثان الدهر نابت نوائبه |
فكم دافعوا من كربة قد تلاحمت | عليّ وموج قد علتني غواربه |
ونحب هنا أن نستدرك فنقول ليس كل تكرير حسنا، فبعضه يكون غثا كقول أبي الطيب المتنبي من قصيدته البديعة التي يقول في مطلعها:
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن | يخلو من الهمّ أخلاهم من الفطن |
العارض الهتن ابن العارض ال | هتن العارض الهتن ابن العارض الهتن |