آيات من القرآن الكريم

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ ؛ وذلك أنَّ مَن شربَ الخمر وسَكِرَ زال عقلهُ وارتكبَ القبائحَ، وربَّما عَرْبَدَ على جُلسائه، فيؤدِّي ذلك إلى العداوةِ والبغضاء، وكذلك القمارُ يؤدِّي إلى ذلك. قال قتادةُ :(كَانَ الرَّجُلُ يُقَامِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَالِهِ وَأهْلِهِ، فَيَقْمِرُهُ وَيَبْقَى حَزِيناً سَلِباً، فَيُكْسِبُهُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ لِذهَاب مَالِهِ عَنْهُ بغَيْرِ عِوَضٍ وَلاَ مِنَّةٍ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ ﴾ ؛ أي يريدُ الشيطان أن يَصرِفَكم عن طاعةِ الله وعن الصَّلوات الخمسِ على ما هو معلومٌ في العادةِ من أحوال أهلِ الشَّراب والقِمار.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ ؛ معناهُ : انْتَهُوا عنهُما، وهذا نَهيٌ بألطفِ الوجُوهِ ؛ ليكون أدعى إلى تنهاكما، كما قال تعالى :﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾[هود : ١٤] معناه : أسلِمُوا. فلمَّا نزَلت هذه الآيةُ قالوا :(انْتَهَيْنَا يَا رَبُّ). فأنزلَ الله تعالى هذه الآيةَ :
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ ﴾ ؛ أي أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ في تركِ جميعِ المعاصي عُموماً، واحذرُوا شُربَ الخمرِ وتحليلها وسائرِ المعاصي، ﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ ؛ أي أعرَضتُم عن طاعةِ الله وطاعة الرسولِ، ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ ؛ أي تبليغُ الرسالة عن اللهِ بأوامره ونواهيه بلُغَة تعرفونَها. وأما التوفيقُ والخذلان والثواب والعقابُ، فإلى الله عَزَّوَجَلَّ.
فلمَّا نزلَ تحريمُ الخمرِ والميسر قال الصحابةُ :(يَا رَسُولَ اللهِ! فَكَيْفَ بإخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟) حتى قال المهاجِرون :(يَا رَسُولَ اللهِ! قُتِلَ أصْحَابُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَمَاتُوا فِيْمَا بَيْنَ بَدْر وأحُدٍ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ؛ فَمَا حَالُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ؟) فأنزل اللهُ قَولَهُ تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ ﴾ ؛ أي فيما شَرِبوا من الخمرِ، ﴿ إِذَا مَا اتَّقَواْ ﴾ ؛ الشِّركَ، ﴿ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ ؛ وصدقوا واجتنبوا الخمرَ والميسرَ بعد تحرِيمها، ﴿ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ ؛ ما حرَّمَ الله كلَّهُ، ﴿ وَّأَحْسَنُواْ ﴾.
وَقِيْلَ : معناه :(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا - بالله ورسوله - وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني الطاعاتِ (جُنَاحٌ) أي حرَجٌ ومَأْثَمٌ (فيمَا طَعِمُوا) من الحرامِ وشربوا من الخمرِ قبل تحريمها، وقبل العلمِ بتحريمها إذا ما اجتَنبوا الكفرَ والشِّركَ وسائرَ المعاصي فيما مضى، ﴿ وَآمَنُوا ﴾ أي وصدَّقوا بمُحَمَّدٍ ﷺ والقرآنِ ﴿ وَعَمِلُواْ ﴾ الطاعات ﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ شربَ الخمرِ بعد التحريم ﴿ وَآمَنُوا ﴾ أي أقَرُّوها بتحريمها ﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ ﴾ أي ثم دَاوَمُوا على ذلك وضَمُّوا إلى ذلك الإحسانَ في العملِ.
وَقِيْلَ : أرادَ بالاتقاءِ الأول : اتقاءُ جميع المعاصِي فيما مضَى، وأراد بالثانِي : اتقاءُ المعاصي في المستقبلِ، وأراد بالثالثِ : اتقاءُ ظُلمِ العباد في المعاملاتِ. وَقِيْلَ : أرادَ بقوله :(إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ) إذا ما اجتَنبوا شُربَ الخمرِ بعد تحريمها وصدَّقوا بتحريمها، ﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ سائرَ المعاصي، وأقرُّوا بتحريم ما يحدُثُ تحريمهُ من بعد مجانبته، ثم جَمعوا بين اتِّقاء المعاصي وإحسانِ العمل والإحسان إلى الناسِ.

صفحة رقم 189
كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو بكر الحداد اليمني
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية