آيات من القرآن الكريم

وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

الرابع: قوله تعالى: وَما جاءَنا يجوز أن يكون في موضع جرّ، أي: وبما جاءنا، ومِنَ الْحَقِّ حال من الفاعل المستتر، أو لغو متعلق بجاء أي: وبما جاءنا من عند الله. ويجوز أن يكون مبتدأ ومِنَ الْحَقِّ الخبر، والجملة في موضع الحال. وقوله تعالى: وَنَطْمَعُ يجوز أن يكون معطوفا على نُؤْمِنُ أي: وما لنا لا نطمع. ويجوز أن يكون التقدير: ونحن نطمع، فتكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في نُؤْمِنُ- أفاده أبو البقاء.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٨٦]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ أي: الذين جحدوا الحقّ الذي جاءهم وكذّبوا بحجج الله وبراهينه أولئك أصحاب الجحيم، أي: النار الشديدة الحرارة. جزاء وفاقا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٨٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أي: ما طاب ولذّ منه.
كأنه- لما تضمن ما سلف مدح النصارى على الترهب، والحث على كسر النفس.
ورفض الشهوات- عقبه النهي عن الإفراط في ذلك بتحريم اللذائذ من المباحات الشرعية. ثم أشار إلى أنه اعتداء بقوله سبحانه وَلا تَعْتَدُوا أي: عمّا حدّ الله سبحانه وتعالى بجعل الحلال حراما. أو: ولا تعتدوا في تناول الحلال فتجاوزوا الحدّ فيه إلى الإسراف كما قال تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: ٣١].
وقال وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً [الفرقان:
٦٧]. أو: ولا تعتدوا على النفس والأهل بمنع الحقوق. أو: ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ في كل ما ذكر، وهو تعليل لما قبله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٨٨]
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً أي: كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم

صفحة رقم 233

الله. فيكون حَلالًا مفعول كُلُوا ومِمَّا حال منه، أو متعلقة ب كُلُوا، أو هو المفعول وحَلالًا حال من ما أو من عائده المحذوف، أو صفة لمصدر محذوف، أي: أكلا حلالا. وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ تأكيد للتوصية بما أمر به، وزاده تأكيدا بقوله: الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ لأن الإيمان به يوجب التقوى، في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه.
قال المهايميّ: مقتضى إيمانكم أن لا تغيروا شيئا من أحكام دينكم، وأن لا تعارضوا في أحكامه ولو بكراهة من أنفسكم، وأن تتقوه في وضع قواعد تخالف قواعد الشرع، بل غاية ما يجوز أخذ معان من علم الشريعة مؤكدة لمقتضاه.
تنبيهات.
الأول: فيما روي في سبب نزولها:
أخرج الترمذيّ «١» عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتى النبيّ ﷺ فقال: إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت عليّ اللحم.
فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا.. الآية.
وروى ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان. فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء. فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني. وروى ابن مردويه نحوه.
وفي (الصحيحين) «٢» من حديث عائشة رضي الله عنها، أنّ ناسا من أصحاب

(١) أخرجه الترمذي في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ١٤- حدثنا عمرو بن عليّ أبو حفص الفلاس.
(٢)
أخرجه البخاري في: النكاح، ١- باب الترغيب في النكاح، حديث ٢٠٩٩ ونصه: عن حميد بن أبي حميد، الطويل، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهطا إلى بيوت أزواج النبيّ ﷺ يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم. فلما أخبروا كأنهم تقالّوها. فقالوا: وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا.
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله ﷺ فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله! إني لأخشاكم لله وأتقاكم له.
لكني أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني»
.
وأخرجه عن أنس، مسلم أيضا في: النكاح، حديث ٥
.

صفحة رقم 234

رسول الله ﷺ سألوا أزواج النبيّ ﷺ عن عمله في السرّ؟ فقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فبلغ ذلك النبيّ ﷺ فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم. وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.
وروى ابن أبي حاتم، أن عبد الله بن مسعود جاءه معقل بن مقرن فقال: إني حرمت فراشي. فتلا عليه هذه الآية.
وأخرج أيضا عن مسروق قال: كنا عند عبد الله بن مسعود. فجيء بضرع فتنحّى رجل. فقال عبد الله: ادن. فقال: إني حرمت أن آكله. فقال عبد الله: ادن فاطعم وكفّر عن يمينك. وتلا هذه الآية. ورواه الحاكم أيضا.
الثاني: قال بعض الزيدية: ثمرة الآية النهي عن تحريم الطيبات من الحلال.
وذكر الحاكم: أن هذا النهي يحتمل وجوها لا مانع من الحمل على جميعها:
أحدهما لا تعتقدوا التحريم. ومنها: لا تحرّموا على غيركم بالفتوى والحكم. ومنها:
لا تجروه مجرى الحرمات في شدة الاجتناب. ومنها: لا تلتزموا تحريمه بنذر أو غيره.
وقال القاضي: لا تحرموا الحلال بفعل يصدر منكم. ، كالبياعات الربوية وخلط الحلال بالمغصوب والطاهر بالنجس.
ثم قال: ويتعلق بهذا أمرين: الأول إذا حرم الحلال، هل يجب عليه الحنث والرجوع؟ قلنا: ظاهر الآية يدل على ذلك، ويلزم مع ذلك التوبة. الأمر الثاني: هل يلزمه في ذلك كفارة؟ قلنا: هذه الآية قد يستدل بها على اللزوم، لأن النهي يقتضي فساد المنهيّ عنه. وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء. انتهى.
وقال ابن كثير: ذهب الشافعيّ إلى أنه من حرّم مأكلا أو ملبسا أو شيئا، ما عدا النساء، أنّه لا يحرم عليه، ولا كفارة عليه أيضا. لإطلاق هذه الآية. ولأن الذي حرم اللحم على نفسه- كما في الحديث المتقدم- لم يأمره النبي ﷺ بكفارة.
وذهب آخرون- منهم الإمام أحمد- إلى أنّ من حرم شيئا- مما ذكر- فإنه يجب عليه كفارة يمين، كما إذا التزم تركه باليمين. فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاما له بما التزمه، كما أفتى بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

صفحة رقم 235

[التحريم: ١]. ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: ٢]..
الآية. وكذلك هنا. لما ذكر هذا الحكم عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدلّ على أنّ هذا منزل منزلة اليمين في اقتصاء التكفير. والله أعلم.
وفي (زاد المعاد) لابن القيّم فصل مهمّ في حكم من حرم أمته أو زوجته أو متاعه. تنبغي مراجعته.
الثالث: هذه الآية أصل في ترك التنطع والتشدّد في التعبّد- كذا في (الإكليل).
قال ابن جرير: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء، ممّا أحلّ الله لعباده المؤمنين، على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولذلك ردّ النبيّ ﷺ التبتّل على عثمان بن مظعون. فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحلّه الله لعباده.
وأن الفضل والبرّ إنما هو في فعل ما ندب الله إليه عباده، وعمل به رسول الله ﷺ وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون. إذ كان خير الهدى هدى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.. فإذا كان ذلك كذلك تبيّن خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان، إذا قدر على لباس ذلك من حله. وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء.. قال: فإن ظنّ ظان أن الفضل في غير الذي قلنا- لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل منهما من القيمة إلى أهل الحاجة- فقد ظنّ خطأ. وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربّها، ولا شيء أضر على الجسم من المطاعم الرديئة. لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببا إلى طاعته.. انتهى.
وللرازيّ هنا مبحث جيّد في حكمة هذا النهي. مؤيد لما ذكر. فليراجع فإنه نفيس.
وقد أخرج الترمذيّ «١» عن عائشة قالت: كان رسول الله يحب الحلواء والعسل.
وله «٢» عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله ﷺ بلحم فرفع إليه الذراع- وكانت تعجبه- فنهش منها. قالت «٣» عائشة: ما كان الذراع أحبّ إلى رسول الله ﷺ ولكن كان لا يجد اللحم إلّا غبّا، وكان يعجل إليه الذراع لأنه أعجلها نضجا.
أخرجه الترمذيّ.

(١) أخرجه الترمذي في: الأطعمة، ٢٩- باب ما جاء في حب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحلواء والعسل. [.....]
(٢) أخرجه الترمذي في: الأطعمة، ٣٤- باب ما جاء في أي اللحم كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٣) أخرجه الترمذي في: الأطعمة، ٣٤- باب ما جاء في أي اللحم كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صفحة رقم 236
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية