آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﰿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ

يكتمون حين الدخول من النفاق، وعند الخروج من العزم على الكيد والمكر، فهم جميعا أغبياء وشذاذ. وترى أيها النّبي كثيرا من هؤلاء المستهزئين بدينك، يبادرون إلى ارتكاب الإثم والظلم والمعاصي، ويأكلون السّحت (المال الحرام) فبئس الاعتداء اعتداؤهم، وقبح الفعل سوء فعلهم. ثم عاتب الله علماءهم على تقصيرهم، ووبّخهم على سكوتهم على الباطل، فهلا نهوا أتباعهم عن قولهم الإثم والكذب، وأكلهم الأموال بالباطل، تالله لبئس ما كان يصنع أولئك الأحبار (العلماء) من ترك النّصح والرّضا بالمنكر.
بعض أوصاف اليهود
من المعلوم أن البشر جميعا هم عباد الله الذين خلقهم وأراد لهم الخير، ولا فرق بين إنسان وآخر، ولا فضل لأحد على آخر إلا بما يقتضي التفاضل ويستدعي التفريق. واليهود كسائر الناس ميزانهم بحسب أعمالهم وأفعالهم وما يظهرونه من طبائع قبيحة وخصال سيئة، والحكم عليهم بمقدار إساءتهم للخالق المعبود والمخلوقات البشرية.
قال الله تعالى مبيّنا بعض أوصاف اليهود الذميمة مع ربّهم ومع عباد الله:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]
وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦)
«١»

(١) مقبوضة عن العطاء. [.....]

صفحة رقم 477

«١» [المائدة: ٥/ ٦٤- ٦٦].
سبب نزول الآيات ما قال ابن عباس- فيما
أخرجه الطبراني وابن إسحاق- قال رجل من اليهود يقال له: النباش بن قيس للنّبي: إن ربّك بخيل لا ينفق، فأنزل الله:
وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ
وفي رواية أخرى سمي الرجل بأنه فنحاص رأس يهود بني قينقاع.
هذه الآيات تعداد لألوان من الكبائر، ووصف لأقوال وأفعال في غاية القبح والإساءة، والخزي والجرأة على الله تعالى، وأشد هذه الأوصاف شناعة وسوءا وصفهم الله تعالى بما لا يتفق مع ميزان العقل، ويأباه الواقع المشاهد، إنهم وصفوا الله تعالى بأنه فقير وهم أغنياء، وأنه بخيل في تعبيرهم المجازي: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وهو مجاز عن البخل والإمساك، فردّ الله عليهم بالدّعاء عليهم بقوله: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا إنه دعاء عليهم بالبخل والنّكد والإمساك عن الخير، فكانوا أبخل خلق الله وأنكدهم، والرّد الواقعي: أن يدي الله مبسوطتان، أي هو الجواد الواسع الفضل، الجزيل العطاء، الذي ما من شيء لأي مخلوق إلا عنده خزائنه ومنه الرزق وحده، فهو المنعم المتفضّل.
وتالله أيها النّبي ليزيدن ما أنزل إليك من آيات القرآن الواضحات طغيانا، أي تجاوزا للحدّ في الأشياء، وكفرا، أي تكذيبا، أي أن نعمة القرآن تكون نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم لأنها تكشف زيفهم وتفضح أوضاعهم، وكان من جزاء الله لهم على نكدهم وتمرّدهم إلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة، وإن تظاهروا بوحدة الصّف وتماسك الكلمة، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى، فلا يهمنّك

(١) معتدلة، وهم من أسلم منهم.

صفحة رقم 478

أمرهم وتآمرهم، ولا تغتر بما هم عليه الآن في فلسطين المحتلة، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله في الخارج والداخل بإثارة الفتنة ومحاولة التفرقة وإثارة العداوة، وهم في مساعيهم يسعون في الأرض فسادا، فمن سجيّتهم وطبعهم دائما الإفساد لا الإصلاح، والتّهديم لا البناء، والله لا يحبّ المفسدين، وإنما يبغضهم ويعاقبهم ويسخط عليهم.
ثم فتح الله تعالى باب الأمل والتوبة والإصلاح أمامهم، فهم لو آمنوا بالله ورسوله، واتّقوا ما يتعاطونه من المآثم والمعاصي، لكفّر الله عنهم سيئاتهم التي اقترفوها، وأدخلهم جنات النعيم التي ينعمون بها. وهذا دليل واضح للبشرية جمعاء على أن العمل الصالح مع الإيمان الكامل سبب لرضوان الله وتوسيع الرزق، وزيادة النعم وإفاضة الخيرات، والتوفيق لسعادة الدنيا والآخرة.
ولو أنّهم نفّذوا تعاليم التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم، لكفّر الله عنهم سيّئاتهم، وغاصوا في نعم الله من فوقهم وجوانبهم وتحتهم.
لكن من اليهود أو غيرهم جماعة معتدلة، تؤمن بما أنزل الله، ويحبون الخير، ولكن الكثيرين منهم فاسقون خارجون عن الطاعة، فبئس ما عملوا وكذبوا وحرّفوا، وأكلوا الحرام، وظلموا العباد.
تبليغ رسالة الوحي الإلهي
الكتب الإلهية والوحي الرّبّاني نداء دائم من الله تعالى لعباده في أن يصلحوا أمرهم، ويوحّدوا ربّهم، ويقبلوا على الله بطاعته وعبادته، دون إهمال ولا تقصير، والرّسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى مهمتهم تبليغ الرسالة الإلهية، وإقناع الناس بجدواها وضرورتها في حياتهم، وترغيب الناس بالعمل بها، وتحذيرهم من تعطيلها أو إهمالها.
والرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم الرّسل والأنبياء جميعا، أمره ربّه بمهمة التّبليغ والبيان والجهاد في سبيل دعوته، فقال الله تعالى له:

صفحة رقم 479
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية