آيات من القرآن الكريم

وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

وأحسن ما قيل في مثل هذا الموضوع أن القوى النفسية والبدنية التي في العبد من الله قطعا، والاتجاه بها إلى الخير أو الشر من العبد، وهذا مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.
وهب أنك تقود سيارة لشخص وقد حذرك مرارا من المخالفات وأمرك بطاعة أوامر الحكومة، وعلى كل طريق لافتة واضحة تعلن الثواب والعقاب، فقدتها مرة في الطريق السهل وحافظت على الأوامر فلم يهلك حرثا ولا نسلا، ومرة خالفت الأوامر فأهلكت الحرث والنسل، أمن العدل أن تترك في الحالتين؟ أمن العدل أن تحاسب صاحب السيارة أم قائدها؟؟ المعقول أننا نحاسب القائد ونجازيه في الحالتين، وهكذا نحن في الدنيا!! والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، والله ذو الفضل العظيم.
وإنما وليكم الواجب الاتجاه إليه هو الله ومعه رسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة كاملة تامة ويؤتون الزكاة في ركوع وخشوع وخضوع، بلا نفاق وبلا رياء.
ومن يتول الله ورسوله والمؤمنين فإنه هو الناجي الفائز، لأن حزب الله وجماعته هم الغالبون إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ «١».
النهى عن موالاة الكفار والسبب في ذلك [سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٧ الى ٦٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١)
وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)

(١) سورة محمد آية ٧.

صفحة رقم 529

المفردات:
هُزُواً سخريا. وَلَعِباً اللعب: ضد الجد. نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ:
دعوتهم لها بالأذان والإقامة. تَنْقِمُونَ نقم ينقم: أنكر وعاب عليه قولا أو عملا.
مَثُوبَةً: جزاء وثوابا، من ثاب إليه: إذا رجع، ولا شك أن الجزاء يرجع إلى صاحبه. الطَّاغُوتَ: كل ما عبد من دون الله، وعبادته مجاز عن طاعته.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وكذا المشركين. لا تتخذوهم أولياء أبدا فإنهم يودون عنتكم ومشقتكم، وقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفى صدورهم أكبر، بعضهم أولياء بعض، مع أن موالاتهم تغضب الله ورسوله.

صفحة رقم 530

وهم الذين اتخذوا دينكم ومشاعره هزؤا وسخرية، ومظهرا من مظاهر اللعب والضحك ولا شيء أشق على النفس من استهزاء المعاند له وسخريته به وبرأيه وشعاره، واتقوا الله أيها الناس واخشوا عذابه ووعيده على الموالاة إن كنتم مؤمنين.
كرر الله نهى المؤمنين عن موالاة أعدائهم من الكفار تنفيرا لهم عنها، وتسجيلا على الكفار فعلهم.
وبعد أن أثبت الله استهزاءهم بالدين على وجه العموم وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ «١» سجل عليهم استهزاءهم بنوع خاص هو عماد الدين وأساسه: هو الصلاة.
وإذا ناديتم إلى الصلاة بالأذان والإقامة اتخذوا هذه المناداة والصلاة هزؤا ولعبا، ما ذلك الاستهجان القبيح إلا لأنهم قوم لا عقل لهم يرشدهم ولا رأى يهديهم بل هم في ضلالهم يعمهون.
إذا ما أروع هذا النداء الذي يهز القلوب ويجلوها، ويطهر النفوس ويزكيها، يا سبحان الله!! أهذا النداء يضحك؟
الله أكبر. الله أكبر. نعم، الله أكبر من كل شيء في الوجود، استفتاح يا له من استفتاح! وانظر إلى إتباعه بالشهادتين لله ورسوله وهما ركنا الإيمان ودعامته! وما أروع قول المؤذن: حي على الصلاة! أقبلوا عليها بجد ونشاط ونفس راضية مطمئنة، حي على الفلاح: وهل هناك فلاح أكثر من هذا وأعلى؟! قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [سورة الشمس الآيتان ٧ و ٨] الله أكبر، لا إله إلا الله!
روى ابن جرير عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفر من اليهود: أبو ياسر ابن أخطب، ورافع بن أبى رافع في جماعة فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال:
آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ «٢» فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به، وروى أنهم قالوا: لا نعلم شرا من دينكم
، فنزلت الآيات الآتية:

(١) سورة البقرة آية ١٤.
(٢) سورة البقرة آية ١٣٦.

صفحة رقم 531

قل يا أهل الكتاب ما تنقمون منا، وما تعيبون علينا إلا إيماننا بالله ورسله إيمانا صادقا خالصا، مع وصف الله- سبحانه وتعالى- بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص، وكذا الرسل جميعا- عليهم السلام- لا نفرق بين أحد منهم مع وصفهم بما يليق بهم شرعا، وكذا ما أنزل عليهم من الكتب.
وإن أكثركم لفاسقون وخارجون عن حدود العقل والرأى والدين الصحيح، يا عجبا كل العجب! أيكون مناط المدح عنوان الذم؟ ولله در الشاعر العربي حيث يقول:

ما نقموا من بنى أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا
قل يا محمد لهم: من أنبئكم أيها المستهزئون بديننا القائلون: لا نعلم شرا من دينكم- بما هو شر من ذلك الدين الذين تنقمون به علينا؟ دين من لعنه الله وغضب عليه بسبب سوء فعله، وهذا تبكيت لهم شديد بذكر جرائم آبائهم، وجزائهم عليها إذ اللعن والغضب نهاية العقاب والمؤاخذة من الله لهم.
ودين من جعل منهم القردة والخنازير وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [سورة البقرة آية ٦٥].
أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل، وكان التعبير ب (شر) مع أن هذا الدين خير محض مجاراة لهم في اعتقادهم ومشاكلة للفظهم.
وهاك سيئة أخرى تقتضي وحدها عدم الموالاة.
وإذا جاءوكم وحضروا مجالسكم وخاصة مجلس الرسول قالوا: آمنا باللسان فقط، والحال أنهم دخلوا متلبسين بالكفر مؤتزرين به لا يفارقهم، وهم قد خرجوا به والله أعلم بما يكتمون- حين الدخول- من النفاق وعند الخروج من العزم والكيد والمكر، وما ملئت به قلوبهم من الحسد والبغضاء لكم. فاحذروهم ولا توالوهم. وترى كثيرا منهم يسارعون في ارتكاب الإثم والعدوان ويقبلون عليهما راغبين فيهما بجد ونشاط، ويقبلون على أكل السحت والدنىء من المحرم، تالله لبئس العمل عملهم.
ويا ضلال هؤلاء أما وجدوا من يرشدهم؟ أما وجدوا من ينكر عليهم؟ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم والكذب والبهتان في أمور الدين، وأكلهم السحت؟
تالله لبئس ما كان يصنع هؤلاء الأحبار.

صفحة رقم 532
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية