آيات من القرآن الكريم

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

اللَّه عليه وسلم الزانيين «١» فرجما عند باب مسجده «٢» وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ تركه مفتوناً «٣» وخذلانه «٤» فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلن تستطيع له من لطف اللَّه وتوفيقه شيئا أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها، لعلمه أنها لا تنفع فيهم ولا تنجع (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ) (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)
لِلسُّحْتِ كل ما لا يحل كسبه، وهو من- سحته- إذا استأصله لأنه مسحوت البركة كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا) والربا باب منه. وقرئ (لِلسُّحْتِ) بالتخفيف والتثقيل. والسحت بفتح السين على لفظ المصدر من سحته. والسحت، بفتحتين. والسحت، بكسر السين. وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وعن الحسن: كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه

(١). قوله «الزانيين» لعله بالزانيين. (ع)
(٢). أخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني ابن شهاب سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبى هريرة- فذكره، دون أوله، ودون قوله فيه: فقال له جبريل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال: هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور، يسكن فدك. ودون ما في آخره. وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية معمر عن الزهري مطولا- زاد فيه قصة الملك الذي كان زنى منهم فلم يرجموه، وأصله في الصحيحين من حديث أبى هريرة وغيره مختصرا.
(٣). قال محمود: «معنى ومن يرد اللَّه فتنته: ومن يرد تركه مفتونا... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: كم يتلجلج والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أن اللَّه تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر، لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل أحد الايمان وطهارة القلب، وأن الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأن غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد ولكن لم يقع، فحسبهم هذه الآية وأمثالها، لو أراد اللَّه أن يطهر قلوبهم من وضر البدع. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. وما أبشع صرف الزمخشري هذه الآية عن ظاهرها بقوله: لم يرد اللَّه أن يمنحهم ألطافه، لعلمه أن ألطافه لا تنجع فيهم ولا تنفع، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا لم تنجع ألطاف اللَّه تعالى ولم تنفع، فلطف من ينفع وإرادة من تنجع؟ وليس وراء اللَّه للمرء مطمع. [.....]
(٤). قوله «تركه مفتونا وخذلانه» قدر هذا بناء على أنه تعالى لا يريد الشر عند المعتزلة لكن عند أهل السنة يريد الشر والخير كما حقق في محله. (ع)

صفحة رقم 634

أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب. وحكى أن عاملا قدم من عمله فجاءه قومه، فقدم إليهم العراضة «١» وجعل يحدّثهم بما جرى له في عمله، فقال أعرابى من القوم: نحن كما قال اللَّه تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى «٢» به» قيل:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخيراً- إذا تحاكم إليه أهل الكتاب- بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم. وعن عطاء والنخعي والشعبي: أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين، فإن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا. وقيل: هو منسوخ بقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه: إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام، وإن زنى منهم رجل بمسلمة أو سرق من مسلم شيئا أقيم عليه الحدّ. وأما أهل الحجاز فإنهم لا يرون إقامة الحدود عليهم، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم الحدود. ويقولون: إنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجم اليهوديين قبل نزول الجزية فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأيسر والأهون عليهم، كالجلد مكان الرجم. فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم، شق عليهم وتكرهوا إعراضه عنهم وكانوا خلقاء بأن يعادوه ويضاروه، فأمن اللَّه سربه بِالْقِسْطِ بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ تعجيب من تحكيمهم

(١). قوله «فقدم إليهم العراضة» في الصحاح: العراضة- بالضم-: ما يعرض المائر، أى يطعمه من الميرة.
ويقال: اشتر عراضة لأهلك، أى هدية وشيأ تحمله إليهم. (ع)
(٢). أخرجه الحاكم من رواية زيد بن أرقم عن أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول «من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به» وأخرجه ابن عدى في ترجمة عبد الواحد بن زمعة وضعف به وفي الباب عن معمر عند الطبراني وابن عدى في أثناء حديث وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي. وهو ضعيف.
وعن حذيفة أخرجه إسحاق بن راهويه من طريق كردوس قال «خطب حذيفة بالمدائن- فذكر الخطبة. وفيها الحديث، بلفظ «ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنة» وأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية أيوب بن سويد عن الثوري عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة بلفظ «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به» قال أبو حاتم في العلل: أخطأ أيوب بن سويد فيه. والصواب موقوف. وعن ابن عمر أخرجه الطبراني والحارثي في الغريب.
وابن مردويه في الغريب من طريق عمر بن حمزة عنه. ورجاله ثقات إلا أن عمر لم يسمع من ابن عمر. وعن ابن عباس أخرجه الطبراني والبيهقي من وجهين ضعيفين. وروى الترمذي من حديث كعب بن عجرة في حديث طويل في آخره «يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا وكانت النار أولى به، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسألت محمدا عنه فاستغربه. وقال أبو يعلى من وجه آخر عن كعب بن عجرة، وله شاهد فيه ابن حبان من رواية عبد اللَّه بن خيثمة عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد اللَّه «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:
يا كعب بن عجرة- فذكر مثله سواء»
وأخرجه أحمد وإسحاق والبزار وأبو يعلى والحاكم من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة. فذكر مثل حديث كعب بن عجرة «أنه صلى اللَّه عليه وسلم خاطب به عبد الرحمن» وسعيد بن بشير ضعيف.

صفحة رقم 635
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية