آيات من القرآن الكريم

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي فِيهَا اعْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ:
كَالْجِنَايَاتِ، وَالدُّيُونِ، وَتَخَاصُمِ الزَّوْجَيْنِ. فَهَذَا الْقِسْمُ إِذَا تَرَاضَوْا فِيهِ بَيْنَهُمْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، فَإِنِ اسْتَعْدَى أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ بِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي الْحَاكِمُ الْمُسْلِمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وُجُوبًا، لِأَنَّ فِي الِاعْتِدَاءِ ضَرْبًا مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَرَاضَى الخصمان مَعًا.
[٤٣]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٤٣]
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)
وَهَذِه الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جملَة فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [الْمَائِدَة:
٤٢]. وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْجِيبِ، وَمَحَلُّ الْعَجَبِ مَضْمُونُ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، أَيْ مِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ كِتَابَهُمْ وَيُحَكِّمُونَكَ وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِكَ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ حُكْمِكَ إِذَا لَمْ يُرْضِهِمْ. فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ يُحَكِّمُونَكَ، أَيْ جمعُوا عدم الرضى بِشَرْعِهِمْ وَبِحُكْمِكَ. وَهَذِهِ غَايَةُ التَّعَنُّتِ الْمُسْتَوْجِبَةُ لِلْعَجَبِ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ حَالَ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النُّور: ٤٨، ٤٩].
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ هُمْ لَا يُحَكِّمُونَكَ حَقًّا. وَمَحَلُّ الْإِنْكَارِ هُوَ أَصْلُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنْ كَوْنِ فَاعِلِهِ جَادًّا، أَيْ لَا يَكُونُ تَحْكِيمُهُمْ صَادِقًا بَلْ هُوَ تَحْكِيمٌ صُورِيٌّ يَبْتَغُونَ بِهِ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، لِأَنَّ لَدَيْهِمُ التَّوْرَاةَ فِيهَا حُكْمُ مَا حَكَّمُوكَ فِيهِ، وَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ، وَقَدْ نَبَذُوهَا لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهَا أَهْوَاءَهُمْ، وَلِذَلِكَ قَدَّرُوا نَبْذَ حُكُومَتِكَ إِنْ لَمْ تُوَافِقْ هَوَاهُمْ، فَمَا هُمْ بِمُحَكِّمِينَ حَقِيقَةً. فَيَكُونُ فِعْلُ يُحَكِّمُونَكَ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّظَاهُرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ وُقُوعِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا [التَّوْبَة: ٦٤] الْآيَةَ. وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ التَّحْكِيمُ، وَكَوْنُ التَّوْرَاةِ عِنْدَهُمْ،

صفحة رقم 206
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية