آيات من القرآن الكريم

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ

كأنه قال يفتدوا بذلك، أو تكون الواو بمعنى مع عَذابٌ مُقِيمٌ أي دائم، وكذلك: نعيم مقيم وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما عموم الآية يقتضي قطع كل سارق إلا أن الفقهاء اشترطوا في القطع شروطا خصصوا بها العموم فمن ذلك من اضطره الجوع إلى السرقة لم يقطع عند مالك لتحليل الميتة له، وكذلك من سرق مال والده أو سيده، أو من سرق من غير حرز، [مكان محفوظ] أو سرق أقل من النصاب، وهو عند مالك ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما يساوي أحدهما، وأدلة التخصيص بهذه الأشياء في غير هذه الآية، وقد قيل: إن الحرز مأخوذ من هذه الآية، لأن ما أهمل بغير حرز أو ائتمن عليه، فليس أخذه سرقة وإنما هو اختلاس أو خيانة، وإعراب السارق عند سيبويه مبتدأ، وخبره محذوف: كأنه قال فيما يتلى عليكم السارق والسارقة، والخبر عند المبرد وغيره فاقطعوا أيديهما، ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ الآية: توبة السابق هي أن يندم على ما مضى، ويقلع فيما يستقبل، ويردّ ما سرق إلى من يستحقه، واختلف إذا تاب قبل أن يصل إلى الحاكم، هل يسقط عنه القطع وهو مذهب الشافعي لظاهر الآية؟ أو لا يسقط عنه وهو مذهب مالك لأن الحدود عنده لا تسقط بالتوبة إلا عن المحارب للنص عليه يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ
قدم العذاب على المغفرة لأنه قوبل بذلك تقدم السرقة على التوبة.
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ الآية: خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم على وجه التسلية مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ هم المنافقون وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا يحتمل أن يكون عطفا على الذين قالوا آمنا، ثم يكون سماعون استئناف إخبار عن الصنفين المنافقين واليهود، ويحتمل أن يكون من الذين هادوا: استئنافا منقطعا مما قبله، وسماعون راجع إليهم خاصة سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ أي سماعون كلام قوم آخرين من اليهود الذين لا يأتون النبي صلّى الله عليه وسلّم لإفراط البغضة والمجاهرة بالعداوة، فقوله: لم يأتوك صفة لقوم آخرين، والمراد بالقوم الآخرين يهود خيبر، والسماعون للكذب بنو قريظة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أي يبدلونه من بعد أن يوضع في موضعه، وقصدت به وجوهه القويمة، وذلك من صفة اليهود يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ نزلت بسبب أن يهوديا زنى بيهودية فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليهود عن

صفحة رقم 231

حد الزاني عندهم فقالوا: نجلدهما ونحمم وجوههما. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن في التوراة الرجم، فأنكروا ذلك، فأمرهم أن يأتوا بالتوراة فقرأوها، فجعل أحدهم يده على آية الرجم، فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع، فإذا آية الرجم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باليهودي واليهودية فرجما، فمعنى قولهم إن أوتيتم هذا فخذوه: إن أوتيتم هذا الذي ذكرتم من الجلد والتحميم تسويد الوجه بالقار فخذوه واعملوا به، وإن لم تؤتوه أفتاكم محمد صلّى الله عليه وسلّم بغيره فاحذروا فِتْنَتَهُ أي ضلالته في الدنيا أو عذابه في الآخرة فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذلة والمسكنة والجزية سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ إن كان الأول في اليهود فكررها هنا تأكيدا، وإن كان الأول في المنافقين واليهود فهذا في اليهود خاصة أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أي للحرام من الرشوة والربا وشبه ذلك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ هذا تخيير للنبي صلّى الله عليه وسلّم في أن يحكم بين اليهود أو يتركهم وهو أيضا يتناول الحاكم، وقيل إنه منسوخ بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ الآية: استبعاد لتحكيمهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وهم لا يؤمنون به، مع أنهم يخالفون حكم التوراة التي يدعون الإيمان بها، فمعنى ثم يتولون من بعد ذلك أي: يتولون عن اتباع حكم الله في التوراة من بعد كون حكم الله فيها موجودا عندهم، ومعلوما في قضية الرجم وغيرها وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ يعني: أنهم لا يؤمنون بالتوراة وبموسى عليه السلام، وهذا إلزام لهم لأن من خالف كتاب الله وبدّله فدعواه الإيمان به باطلة النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا هم الأنبياء الذين بين موسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، ومعنى أسلموا هنا أخلصوا لله وهو صفة مدح أريد به التعريض باليهود لأنهم بخلاف هذه الصفة، وليس المراد هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر لأن الأنبياء لا يقال فيهم: أسلموا على هذا المعنى، لأنهم لم يكفروا قط، وإنما هو كقول إبراهيم عليه السلام: أسلمت لرب العالمين، وقوله تعالى فقل: أسلمت وجهي لله لِلَّذِينَ هادُوا متعلق بيحكم أي يحكم الأنبياء بالتوراة للذين هادوا، ويحملونهم عليها، ويتعلق بقوله فيه هدى ونور بِمَا اسْتُحْفِظُوا أي كلفوا حفظه، والباء هنا سببية قاله الزمخشري، ويحتمل أن تكون بدلا من المجرور في قوله يحكم بها فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وما بعده خطابا لليهود، ويحتمل أن تكون وصية للمسلمين يراد بها التعريض باليهود، لأن ذلك من أفعالهم وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ

صفحة رقم 232
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية