آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

لِجَزَاءِ فِعْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ نَكالًا مِنَ اللَّهِ فَإِنْ شِئْتَ كَانَا مَنْصُوبَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَاقْطَعُوا وَالتَّقْدِيرُ: جَازُوهُمْ وَنَكِّلُوا بِهِمْ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّه.
أَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَالْمَعْنَى: عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ، حَكِيمٌ فِي شَرَائِعِهِ وَتَكَالِيفِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ كُنْتُ أَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ وَمَعِيَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقُلْتُ (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سَهْوًا، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: كَلَامُ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ كَلَامُ اللَّه. قَالَ أَعِدْ، فَأَعَدْتُ: (واللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ثُمَّ تَنَبَّهْتُ فَقُلْتُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَقَالَ: الْآنَ أَصَبْتَ، فَقُلْتُ كَيْفَ عَرَفْتَ؟ قَالَ: يَا هَذَا عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَأَمَرَ بِالْقَطْعِ فَلَوْ غَفَرَ وَرَحِمَ لما أمر بالقطع ثم قال تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٣٩]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَابَ فَإِنَّ اللَّه يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَأَصْلَحَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّوْبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَصْلَحَ أَيْ يَتُوبُ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ صَادِقَةٍ وَعَزِيمَةٍ صَحِيحَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ سَائِرِ الْأَغْرَاضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا تَابَ قَبْلَ الْقَطْعِ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ، وَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؟ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ:
يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ، وَالْعُقُوبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْحَدُّ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الْحَدُّ، بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى اللَّه تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ، وَالتَّمَدُّحُ إِنَّمَا يَكُونُ بِفِعْلِ التَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ، لَا بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ ثم قال تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٠]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ قَطْعَ الْيَدِ وَعِقَابَ الْآخِرَةِ عَلَى السَّارِقِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ إِنْ تَابَ أَرْدَفَهُ بِبَيَانِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ، فَيُعَذِّبَ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ التَّعْذِيبَ عَلَى الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ تَقَدُّمِ السَّرِقَةِ عَلَى التَّوْبَةِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْآيَةُ وَاضِحَةٌ لِلْقَدَرِيَّةِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ، وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ الرَّحْمَةِ لِلْمُطِيعِ، وَوُجُوبِ الْعَذَابِ لِلْعَاصِي عَلَى اللَّه، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَى الْمَشِيئَةِ وَالْوُجُوبُ يُنَافِي ذَلِكَ.
وَأَقُولُ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلًا قَوْلَهُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا حَسُنَ مِنْهُ التَّعْذِيبُ تَارَةً، وَالْمَغْفِرَةُ أُخْرَى، لِأَنَّهُ مَالِكُ الْخَلْقِ وَرَبُّهُمْ وَإِلَهُهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى

صفحة رقم 357
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية