[يَسْرِقُ] [١] «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، [ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» ] [٢].
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سرق ثالثا بعد ما قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لا يقطع، بل يحبس، روي ذَلِكَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَسْتَنْجِي بِهَا وَلَا رِجْلًا يَمْشِي بِهَا [٣]، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: جَزاءً بِما كَسَبا، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، وَمِثْلُهُ: نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً، مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١)
اقتلوه. قالوا: يا رسول الله إنما سرق. قال: اقطعوا يده. ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق الخامسة فأمر بقتله... » الحديث. وفيه: قال أبو بكر: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أعلم به حين قال: اقتلوه».
أخرجه النسائي (٨/ ٨٩، ٩٠) والحاكم (٤/ ٣٨٢) والطبراني كما في «نصب الراية» (٣/ ٣٧٢) والبيهقي (٨/ ٢٧٢).
وصححه الحاكم. ورده الذهبي بقوله: بل منكر اه.
ولم يبين الذهبي وجه النكارة، ولعله استنكر المتن، ورجاله ثقات إلا أن عفان بن مسلم الباهلي وثقه ابن حجر في «التقريب» لكن أنه عاد فقال: قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة. أي: ٢١٩ ومات بعدها بيسير اهـ.
وله شاهد آخر من حديث جابر بنحو حديث الحارث اللخمي المتقدم، أخرجه أبو داود ٤٤١٠ والنسائي (٨/ ٩٠، ٩١) والبيهقي (٨/ ٢٧٢) وسكت عليه أبو داود، وقال النسائي: هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم اهـ.
وذكر المنذري في «مختصره» ٤٢٤٨ كلام النسائي وزاد: مصعب الزبيري ضعفه غير واحد اهـ.
قلت: وهذا خبر منكر لم يعمل الفقهاء بقتل السارق، ولو تكرر منه، وإن صح فهو محمول على كون هذا الرجل إما منافقا أو فاسقا، وأن الله عز وجل أطلع نبيه على حقيقة هذا الرجل.
وقد جاء في «تلخيص الحبير» (٤/ ٦٩) ما ملخصه: قال النسائي: هذا حديث منكر. ولا أعلم فيه حديثا صحيحا.
وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له. وقد قال الشافعي: هذا حديث منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
الخلاصة: الحديث غير قوي، وهو معارض بحديث: «لا يباح دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....» الحديث. وبقوله تعالى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما فلا يجوز التعدي بذلك إلى القتل أضف إلى ذلك الإجماع، فالحديث لم يصح، وهو منسوخ بكل حال وهذا الكلام: أن يصل الأمر به إلى القتل أما أن تقطع يده الأخرى أو رجله، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم، وسيأتي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا، ووافقه كثير من الصحابة.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (٥/ ٣٦٥) وكتاب «العدة شرح العمدة» ص ٦٣٥ و «أحكام القرآن» ٧١١، ٧١٤ و «تفسير القرطبي» ٢٦٨١، ٢٦٨٣ وجميعا بتخريجي، ولله الحمد والمنة.
(١) زيادة عن ط.
(٢) زيد في المخطوط وط.
(٣) أثر علي أخرجه الدارقطني (٣/ ١٨٠) والبيهقي (٨/ ٢٧٥) وهو موقوف صحيح.
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ، أَيْ: سَرِقَتِهِ، وَأَصْلَحَ الْعَمَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ [١] وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْقَطْعُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
[قَطْعُ] [٢] السَّارِقِ تَوْبَتُهُ [٣] فَإِذَا قُطِعَ حَصَلَتِ التَّوْبَةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْجِنَايَةِ، كَمَا قَالَ:
جَزاءً بِما كَسَبا، ولا بدّ من التوبة بعده، وَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ يَجِبُ عَلَيْهِ غرم ما صرف [٤] مِنَ الْمَالِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَبِالِاتِّفَاقِ إن كان المسروق قائما عِنْدَهُ يُسْتَرَدَّ [٥] وَتُقْطَعْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغُرْمَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الآخر، كاسترداد العين.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ، الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهَا الإنسان فيكون خطابا لكل واحد مِنَ النَّاسِ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، قَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يشاء مَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، أَيْ: فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فإنهم لن [٦] يُعْجِزُوا اللَّهَ، مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، سَمَّاعُونَ، أَيْ: قَوْمٌ سماعون، لِلْكَذِبِ، أي: قابلون [٧] لِلْكَذِبِ، كَقَوْلِ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ: قَبِلَ اللَّهُ، وقيل: معناه: سَمَّاعُونَ لِأَجْلِ الْكَذِبِ، أَيْ: يَسْمَعُونَ مِنْكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا مِنْهُ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، أَيْ: هُمْ جَوَاسِيسُ، يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ.
«٧٩٥» وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَكَانَ حَدُّهَمَا الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ
٧٩٥- لم أره مطولا بهذا السياق. وأخرجه الطبري ١١٩٢٦ والبيهقي (٨/ ٢٤٧) من حديث أبي هريرة مختصرا، وفيه راو مجهول.
وأصل الخبر صحيح فقد ورد بمعناه من حديث جابر عند أبي داود ٤٤٥٢ وإسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وكرره أبو داود ٤٤٥٣ و٤٤٥٤ من وجه آخر عن الشعبي مرسلا، وقال: ليس فيه: «فدعا بالشهود فشهدوا».
ومن حديث البراء عند مسلم ١٧٠٠ وأبي داود ٤٤٤٧ و٤٤٤٨ والنسائي في «الكبرى» ٧٢١٨ وابن ماجه ٢٥٥٨ وأحمد (٤/ ٢٨٦) والبيهقي (٨/ ٢٤٦).
(١) في المطبوع «بينهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «السارق لا توبة له».
(٤) في المطبوع وط «سرق».
(٥) في المطبوع «يسترده».
(٦) في المطبوع «لم».
(٧) كذا في المطبوع والمخطوط أ، وفي المخطوط ب، وط، «قائلون» والمثبت أقرب يدل عليه ما بعده.
فَكَرِهَتِ الْيَهُودُ رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بِيَثْرِبَ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ الرَّجْمُ وَلَكِنَّهُ الضرب، فأرسلوا إلى إخوانكم بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَصُلْحٌ لَهُ فَلْيَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثُوا رَهْطًا مِنْهُمْ مُسْتَخْفِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الزَّانِيَيْنِ إِذَا أُحْصِنَا مَا حَدُّهُمَا؟ فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بالرجم فاحذروا وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ، وَأَرْسَلُوا مَعَهُمُ الزَّانِيَيْنِ فَقَدِمَ الرَّهْطُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ جِيرَانُ هَذَا الرَّجُلِ وَمَعَهُ فِي بَلَدِهِ وَقَدْ حَدَثَ فِينَا حَدَثُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ قَدْ فَجَرَا وَقَدْ أُحْصِنَا فَنُحِبُّ أَنْ تَسْأَلُوا لَنَا مُحَمَّدًا عَنْ قَضَائِهِ [فِيهِ] [١]، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ: إِذًا وَاللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ، ثُمَّ انْطَلَقَ قَوْمٌ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَسَعْيَةُ [٢] بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ إِذَا أَحْصَنَا مَا حَدُّهُمَا فِي كتابك؟ فقال: «هَلْ تَرْضَوْنَ بِقَضَائِي» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرَّجْمِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمُ ابْنَ صوريا ووصفه له، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَعْرِفُونَ شَابًّا أَمْرَدَ أَعْوَرَ يَسْكُنُ فَدَكَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ صُورِيَا» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيكُمْ» ؟ فَقَالُوا: هُوَ أَعْلَمُ يَهُودِيٍّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ، [فقال: «أرسلوا إليه»، ففعلوا فأتاهم] [٣]، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ ابْنُ صُورِيَّا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْتَ أَعْلَمُ الْيَهُودِ»، قَالَ: كَذَلِكَ يَزْعُمُونَ، قَالَ: «أَتَجْعَلُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَفَلَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ وَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِي ظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ فيه حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أَحْصَنَ» ؟ قَالَ ابْنُ صُورِيَا: نَعَمْ وَالَّذِي ذَكَّرْتَنِي بِهِ لَوْلَا خَشْيَةُ أَنْ تَحْرِقَنِي التَّوْرَاةُ إِنْ كَذَبْتُ أَوْ غَيَّرْتُ مَا اعْتَرَفْتُ لَكَ، وَلَكِنْ كَيْفَ هِيَ فِي كِتَابِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ عُدُولٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَهُ فِيهَا كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ»، فَقَالَ ابْنُ صُورِيَا: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَكَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فماذا كَانَ أَوَّلَ مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَكَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافِنَا حَتَّى زَنَا ابْنُ عَمِّ مَلِكٍ لَنَا فَلَمْ نَرْجُمْهُ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ آخَرُ في أثره [٤] مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ رجمه فقام دونه قومه، وقالوا: وَاللَّهِ لَا تَرْجُمُهُ حَتَّى يُرْجَمَ فُلَانٌ لِابْنِ عَمِّ الْمَلِكِ، فَقُلْنَا: تعالوا نجتمع فلنصنع شَيْئًا دُونَ الرَّجْمِ يَكُونُ عَلَى الْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ، فَوَضَعْنَا الْجَلْدَ وَالتَّحْمِيمَ، وَهُوَ أَنْ يُجْلَدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً بحبل مطلي بالقار ثم تسود وُجُوهُهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَوُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ دُبُرِ الْحِمَارِ وَيُطَافُ بِهِمَا، فَجَعَلُوا هَذَا مَكَانَ الرجم، فقال الْيَهُودُ لِابْنِ صُورِيَا: مَا أَسْرَعَ ما أخبرته به، وما كنت [٥] لِمَا أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِأَهْلٍ وَلَكِنَّكَ كُنْتَ غَائِبًا فَكَرِهْنَا أَنْ نَغْتَابَكَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ أَنْشَدَنِي بِالتَّوْرَاةِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّوْرَاةِ أَنْ تهلكني لما أخبرته به، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) تصحف في المطبوع «وسعيد».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المطبوع «أسوة».
(٥) في المطبوع «كنا». [.....]
«٧٩٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا لَآيَةَ الرَّجْمِ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: اصدق يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي [١] عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. وَقِيلَ:
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقِصَاصُ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ: يَا مُحَمَّدُ إِخْوَانُنَا بَنُو النَّضِيرِ وَأَبُونَا وَاحِدٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا واحد، وإذا قتلوا منّا قتيلا لَمْ يُقِيدُونَا وَأَعْطَوْنَا دِيَتَهُ سَبْعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِذَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَأَخَذُوا مِنَّا الضِّعْفَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ امْرَأَةً قَتَلُوا بِهَا الرَّجُلَ مِنَّا وَبِالرَّجُلِ منهم الرجلين منّا، وبالعبد حرا مِنَّا، وَجَرَاحَتُنَا عَلَى التَّضْعِيفِ مِنْ جراحاتهم، فاقض بيننا وبينهما، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي الرَّجْمِ.
قَوْلُهُ: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، قِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ كَيْ، أَيْ:
يَسْمَعُونَ لِكَيْ يَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ، أَيْ: لِأَجْلِ [٢] قَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، جَمْعُ كَلِمَةٍ، مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ وَضْعِهِ مَوَاضِعَهُ، وإنما ذَكَرَ الْكِنَايَةَ رَدًّا عَلَى لَفْظِ الْكَلِمِ، يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، أَيْ: إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَلْدِ والتحميم فاقبلوه، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ، [أي:] [٣] كُفْرَهُ وَضَلَالَتَهُ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابَهُ، فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، فَلَنْ تَقْدِرَ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْقَدَرَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، فَخِزْيُ الْمُنَافِقِينَ الْفَضِيحَةُ وَهَتْكُ السِّتْرِ بِإِظْهَارِ نِفَاقِهِمْ، وَخِزْيُ اليهود الجزية أو القتل وَالسَّبْيُ وَالنَّفْيُ، وَرُؤْيَتُهُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وفيهم مَا يَكْرَهُونَ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
وهو في «شرح السنة» ٢٥٧٧ بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (٢/ ٨١٩) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٣٦٣٥ و٦٨٤١ ومسلم ١٦٩٩ ح ٢٧ وأبو داود ٤٤٤٦ وابن حبان ٤٤٣٤ والبيهقي (٨/ ٢١٤).
وورد بنحوه من طرق عن نافع به عند البخاري ١٣٢٩ و٤٥٥٦ و٧٣٣٢ و٧٥٤٣ ومسلم ١٦٩٩ وعبد الرزاق ١٣٣٣١ و١٣٣٣٢ والدارمي (٢/ ١٧٨، ١٧٩).
وأخرجه البخاري ٦٨١٩ ومن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابن عمر به.
وانظر الحديث المتقدم.
(١) في «شرح السنة» :«يجنىء» قال المصنّف: قوله «يجنىء عليها: أي يكبّ عليها. يقال: أجنأ عليه، يجنىء: إذا أكبّ عليه يقيه شيئا».
(٢) في المخطوط «من أجل».
(٣) زيادة عن المخطوط.