آيات من القرآن الكريم

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِتَرْكِ مَا لَا يَنْبَغِي بِقَوْلِهِ اتَّقُوا اللَّهَ وَبِفِعْلِ مَا يَنْبَغِي، بِقَوْلِهِ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاقٌّ ثَقِيلٌ عَلَى النَّفْسِ وَالشَّهْوَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَدْعُو إِلَّا إِلَى الدُّنْيَا وَاللَّذَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ، وَالْعَقْلَ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى خدمة اللَّه وطاعته والاعتراض عَنِ الْمَحْسُوسَاتِ، وَكَانَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ تَضَادٌّ وَتَنَافٍ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ضَرَبُوا الْمَثَلَ فِي مَظَانَّ تَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ بِالضَّرَّتَيْنِ، وَبِالضِّدَّيْنِ، وَبِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَبِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِانْقِيَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النَّفْسِ وَأَشَدِّهَا ثِقَلًا عَلَى الطَّبْعِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَرْدَفَ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ بِقَوْلِهِ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ آيَةٌ شَرِيفَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارٍ رُوحَانِيَّةٍ، ونحن نشير هاهنا إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَعْبُدُ اللَّه تَعَالَى فَرِيقَانِ، مِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّه لَا لِغَرَضٍ سِوَى اللَّه، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ.
وَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْمَقَامُ الشَّرِيفُ الْعَالِي، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ أَيْ فِي سَبِيلِ عُبُودِيَّتِهِ وَطَرِيقِ الْإِخْلَاصِ فِي مَعْرِفَتِهِ وَخِدْمَتِهِ.
وَالْمَقَامُ الثَّانِي: دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَالْفَلَاحُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَلَاصِ عَنِ الْمَكْرُوهِ وَالْفَوْزِ بِالْمَحْبُوبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى مَعَاقِدِ جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ، وَمَفَاتِحِ كُلِّ السَّعَادَاتِ أَتْبَعَهُ بِشَرْحِ حَالِ الْكُفَّارِ، وَبِوَصْفِ عَاقِبَةِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَيَاةً وَلَا سَعَادَةً إِلَّا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأُمُورِ الفظيعة نوعين:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧)
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ كَلِمَةِ لَوْ خَبَرُ إِنَّ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ وَحَّدَ الرَّاجِعَ فِي قَوْلِهِ لِيَفْتَدُوا بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ السَّابِقَ بَيَانُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلِهِ؟
قُلْنَا: التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِيَفْتَدُوا بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْخَبَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ التَّمْثِيلُ لِلُزُومِ الْعَذَابِ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ.
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقَالُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَبَيْتَ».

صفحة رقم 350
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية