آيات من القرآن الكريم

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

وكلما مَسَّهم لفحُ النار يريدون أن يخرجوا منها، لكن كيف تأتي لهم إرادة الخروج من النار. لا بد - إذن - أن لحظة لفحها عليهم وتقبلهم هنا وهناك تدفعهم ألسنة اللهب إلى القرب من الخارج فيظنون أن العذاب قد انتهى. ألم يقل الحق سبحانه من أجل أن يضع أمامنا التجسيد الكامل لبشاعة الجحيم: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ﴾ [الكهف: ٢٩]
هذا القول يُوحى أولاً بأن رحمةً ما ستصل إليهم، ولكن ما يأتي بعد هذا القول يرسم الهول الكامل ويجسده: ﴿يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه﴾ [الكهف: ٢٩]
وهذه قمة الهول. وهناك فرق بين الابتداء المُطمع والانتهاء المُوئِس.

صفحة رقم 3113

مثال ذلك السجين العطشان الذي يطلب كوب ماء. ويستطيع السجّأن أن يقول له: لا. ليس هناك ماء. أما إذا أراد السجان تعذيبه بأكثر من ذلك فهو يقول له: سآتي لك بالماء ويحضر له كوباً من ماء زلال، ويمد السجين يده لكوب الماء، لكن السجان يسكب كوب الماء أرضاً. هذا هو الابتداء المُطْمع والانتهاء المُوئِس. وكذلك رغبتهم في الخروج من النار؛ فلا إرادة لَهم في الخروج إلا إذا كانت هناك مظنة أن يخرجوا نتيجة تقليب ألسنة اللهب لهم، ولذلك يقول الحق أيضاً عن هؤلاء: ﴿فَبَشِّرْهُم﴾ [آل عمران: ٢١]
وتثير البُشرى في النفس الأمل في العفو، فيفرحون ولكن تكون النتيجة هي: ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١]
وهكذا يريد لهم الحق صدمة الألم الموئس بعد الرجاء المطمع. ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٧]
وبعد ذلك ينقلنا الحق إلى قوله سبحانه: ﴿والسارق والسارقة... ﴾

صفحة رقم 3114
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية